قط بحجم النمر……

راوية المصري…

قال الوالد لولده المعتكف والرافض لفكرة وخوض غمار المعرفة وتحصين الذات بثقافة مميزة : يا ولدي يجب ان تتعلم لكي تحمل شهادة جامعية. فرد الولد وماذا بعد الشهادة؟!! قال الاب: عندها قد تصبح محاميا” لامعا” ،او ذا شأن اجتماعي مرموق .
فقال له وماذا بعد المحاماة .؟!! فقال الاب ممكن ان تنال منصبا” وزاريا” ، وهذا ما يجعل حضورك لافتا” ومحوريا”. فقال الولد مصرا” وكأنه أراد أن يثبت شيئا” لوالده : وماذا بعد؟
فرد الاب بعدما راى الدهشة تسكن ملامح ابنه : قد يصل بك الأمر رئيسا” للبلاد. ولكن الابن بقي على إصراره ،متمسكا” بمقولته وسؤاله الوحيد: ماذا لعد؟!!
فكر الولد قليلا وعلامة التعجب على وجهه بعدما قال ابوه بعد رئيس البلاد تصبح لا شيء…
فقال له يا ابي ارحمني ارجوك تريد ان اسلك هذا الطريق الشاق لكي اصبح في النهاية لا شيء فانا الان لا شيء دون مجهود.
فعندما يتعلق الامر بشهادات بدأت من اللاشيء كيف برأيكم تكون نهايتها وما المغزى منها ؟؟ من يحصل على شهادة وهمية يشبه القط عندما يرى ظله مقابل الضوء بحجم النمر وعندما ينطفئ الضوء يعود الى حجمه الطبيعي..
فالشهادات الوهمية ،التي منحت بطرق مشبوهة ، او ذاك الدرع التكريمي الممنوح لأجل عمل شخص لم يقم به اصلا وليس له أي فضل في إنجازه ،وبالتالي لا يستحقه وانما تمت عملية التكريم وفق سياسة معينة أو لأجل توكيد النفوذ وإعلان الشأن المصطنع ،وهنا تكمن قمة الخداع وإيهام الناس بعطاءات او بمستوى علمي لم ولن يبلغه هذا الشخص يوما” ما .
والمؤسف أن هذه الفئة تتعاظم وتتكاثر في مجتمعاتنا بفعل النفوذ والسيطرة ،علما” بأن عقولهم غير منتجة ،وتفتقر إلى البصيرة الثاقبة والفكر الناضج والمتحرر .. وتتحرك وفقا” لمنظور الغاية وتحقيق المكاسب ،ومنها على سبيل المثال تولي المناصب العالية في مرافق الدولة .
وحتى لو قام أحدهم ببعض الاعمال الانسانية او الادبية فهذا لا يكفي فيجب ان لا يرى نفسه في مصاف العظماء وذوي الإنتاجية الفكرية والإنسانية ،التي تقدم للحياة والبشرية كل ما هو ثمين ونافع .وهذا ما يجعل هذه الفئة بعيدة عن الابداع والخلق ،فهم حملة شهادات وهمية ،ولا يملكون ايا”من السمات التي تؤهلهم لخدمة الناس .

وخير تشبيه لهؤلاء الأشخاص هي ما ورد في الآية الشريفة: كمثل حمار يحمل اسفار بئس .. إلى آخر الآية ،والمعنى أن الحمار لو جعلته يحمل آلاف الكتب على ظهره ،لن يبلغ يوما” حدود فهمها أو الاطلاع عليها ،وحتى سفير النوايا الحسنة بشهادة مشغولة بطرق ملتبسة يصبح سفير النوايا العاطلة ،لقلة إدراكه او بسبب جشعه وطمعه .
فالانسان يبقى صغيرا” في أعين الناس ولا يعظم شأنه الا بكده وسعيه وطبيعة انتاجيته ذات الصلة بالفائدة المعممة على أبناء المجتمع .
فالمبدع الحقيقي لا يتباهى بعرض شهاداته ولا يتكلم عن نفسه ، بل يترك أمر التقييم للناس من خلال إنجازاته وحضوره أو مدى تأثيره على واقع الحال .

حتى يستمر الانسان في العطاء يجب ان تكون لديه قناعة التواضع ، والأجمل أن يعتبر ذاته بحجم النملة ، وعليه أن يسعى لتكون أعماله بحجم الفيل أو اكبر ،عندها فقط يستحق المنح ،وتكون شهادته هي هويته في البذل والعطاء .
في الختام يا والدي : على الرغم من زيف الأشخاص الذين حصلوا على شهادات وهمية ،يبقى الأخطر على المجتمع اولئك الذين استحقوا نيل شهادات علمية لافتة ،ولكنهم كانوا السباقين إلى قتل البشرية بفعل نبوغهم المأجور والمرتبطة بالمال والجاه، والعلماء الذين تفرغوا لصناعة آلات القتل ،وقنابل الدمار ،او علماء الفكر والباحثين الذين تفرغوا إلى دس السم ،وتشويه المفاهيم والتعاليم ،وذلك عملا” بمبدأ التوسع والسيطرة الفكرية والثقافية على بعض الشعوب ، وصولا” إلى طمس الحقيقة في قالب المكر المغلّف
يا والدي لو بحثنا في (ماذا بعد) لادركنا سبب وجودنا والغاية من مرادنا ،والسبيل الذي نود سلوكه والحاجة التي أردنا الحصول عليها..
عندها نبلغ سؤدد الإنسانية الراقية ، فليست المشكلة في نيل الشهادة وانما تبقى بكيفية بلوغ السعادة …

شاهد أيضاً

المسلحون السوريون إلى النيجر..

أحمد رفعت يوسف  تحدثنا في تقارير سابقة بأن المسلحين السوريين المتورطين بعمليات ارهابية والذين سيتعذر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *