مناجاةُ وطن

د. نزار دندش

ويسألني الكلُّ لماذا تصرُّ على البقاء في لبنان وانت تحمل جنسية ثانية ، وما الذي يغريك بالعيش على سفينة تزداد غرقاً يوماً بعد يوم ؟!
فأجيبهم على الفور لقد شبعت هجرةً وغياباً واريد ان اسعد في احضان الوطن !
لكن الوطن لم يعد يحضن الا الأُلى اغتصبوه ، والسعادة فيه صارت فقرة في كتب المناهج القديمة .
وتبقى الثقة وتبقى العصبية وهما نوعان من الصراع من اجل البقاء !
ولأنني لست مغمض العينين فاني ارى ما قد لا يراه الآخرون من مساوئ انتظام الحياة في هذا الوطن .
في العام الماضي كتبت روايةً عن السير بعكس السير وبعكس القانون وبعكس المنطق في وطني واسميتها
” أقنعة خلف الوجوه ”
وقبل أيام قرّرت البدء بكتابة رواية جديدة اكثر تعمّقاً في عملية التهافت المتسارع .
وبينما كنت استعرض السيناريوهات التي تخطر في البال قبل البدء في الكتابة ارتسمت في مخيلتي صورةٌ كاريكاتورية لهذا الوطن الفريد من نوعه فتخيّلت مواطنيه مجموعتين مختلفتين من البشر :
المجموعة الاولى يضع كلُّ فردٍ منها أغراضه في صرّة ويجهّز نفسه للصعود الى الجنة .
والمجموعة الثانية يضع كل فردٍ منها اغراضه في صرّةٍ ويجهّز نفسه للهجرة الى اي بلدٍ يقبله مهاجراً .
أقسم بالله اني رأيت الوطن في هاتين الصورتين في خيال اليقظة وليس في المنام . لكنني لعنت الشيطان واستمريت في تفكّري بحثاً عن مدخل للرواية .
لكن ما فاجأني صباح اليوم كان موجعاً للغاية فعندما اتصلت برئيسة جمعية كانت لي مصدراً للتفاؤل وهي التي اعتادت على جلب الفرح الى اطفال منطقتها وعلى مساعدة المحتاجين .
قالت لي :
انا وكل من حولي يئسنا من هذا الوطن ونبحث عن مكان للهجرة لأننا لم نعد قادرين على اسكات اطفالنا اليائسين الغاضبين والاستمرار في حياة لا تُطاق . انتهى الأمر !
لن اذكر اسم الرئيسة الصديقة الغاضبة فلعلّي استطيع التأثير في رأيها ، لكنني سأذكر اسم الوطن الذي يتخلى عن مواصفات الوطن .
إلام تخذلنا ايها الوطن ؟!
هل المطلوب زرع اليأس فينا كي نخلي المكان لمن يحتاج الى مكان ؟!
وهل يجهل حامي المكان اهمية المكان واهمية الوطن ؟
قد يكثر الساكنون فيه لكنهم يحتاجون الى عشرات السنين كي يشعروا بأنه الوطن ! وكلنا يعرف كم عاش الانسان على كوكب الارض قبل ان يصبح الكوكب له وطنا .

يضيق صدري لكنني لن ابكيك يا وطني !

شاهد أيضاً

المسلحون السوريون إلى النيجر..

أحمد رفعت يوسف  تحدثنا في تقارير سابقة بأن المسلحين السوريين المتورطين بعمليات ارهابية والذين سيتعذر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *