الأهمية الاستراتيجية المخابراتية لقاعدة ميرون الاسرائيلية

 زياد سامي عيتاني 

نفّذ “حزب الله” هجمات صاروخية على قاعدة ميرون للمراقبة الجوية التي تُعنى بتنظيم العمليات الجوية في إتجاه سوريا ولبنان وتركيا وقبرص. فقد أعلن الاعلام الحربي في الحزب أن “مجاهدي المقاومة الاسلامية قاموا عند الساعة 08:10 من صباح يوم السبت ‌‏وفي إطار الرد الأولي على جريمة اغتيال القائد الكبير الشيخ صالح ‏العاروري وإخوانه الشهداء في الضاحية الجنوبية لبيروت، باستهداف قاعدة ميرون ‏للمراقبة الجوية بـ 62 صاروخاً من أنواع متعددة وأوقعت فيها إصابات مباشرة ‏ومؤكدة”. وكما كان متوقعاً، بأن يكون رد الحزب من خلال عملية نوعية داخل العمق الاسرائيلي، بعيداً عن المواجهات التقليدية، بما يتناسب مع حجم عملية إغتيال العاروري وما إنطوت عليه من دلائل مخابراتية خطيرة، لجهة التمكن من خرق ما يمكن تسميته عسكرياً بـ”عاصمة المقاومة”، إستهدفت عملية “حزب الله” واحدة من أهم النظم المخابراتية الالكترونية للجيش الاسرائيلي على الحدود مع لبنان، كرد يظهر قدرات الحزب الاستكشافية للمنظومة المخابراتية الاسرائيلية، وبالتالي القدرة على تدميرها. فما هي أهمية إستهداف قاعدة ميرون الاسرائيلية على المستويات العسكرية والاستخبارية والجبهة الداخلية لاسرائيل، وما دلالات استهدافها وتبعاتها على الحرب الدائرة؟

تقع القاعدة على بعد 8 كيلومترات من آخر نقطة حدودية مع لبنان، في مقابل بلدات رميش ويارون ومارون الراس في القطاع الأوسط، وتتربع على قمّة جبل الجرمق في شمال فلسطين، وهي أعلى قمة جبل ضمن فلسطين عام 1967. وترتفع القاعدة عن البحر نحو 1200 متر، كما تنتشر منشآتها الظاهرة والأساسية على مساحة تصل إلى 150 ألف متر مربع، فيما يعتقد أنّ قسماً كبيراً من المناطق المحيطة بها تابعة لها ولأنشطتها العسكرية والاستخبارية.

وبحسب تقرير نشرته مجموعة أبحاث متخصصة في ولاية تكساس الأميركية منذ أشهر، وأضاءت عليه الصحافة الاسرائيلية، أظهرت نتائج تتبّع أجهزة تحديد المواقع المدنية أنّ مشكلات في تحديد أماكن بعض الطائرات المدنية تطرأ في المنطقة وخصوصاً فوق جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، وبعد عدة عمليات رصد دقيق لاشارات التشويش التي تؤدي إلى تعطيل قدرة المستقبلات على اكتشاف موجات الأقمار الصناعية، تمّ تحديد جبل ميرون بالتحديد كمصدر للتشويش على أجهزة الـGPS المدنية. وبالفعل فقد تعطلت أنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية بالكامل في الأسبوع الأول بعد عملية “طوفان الأقصى”، بحيث ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ الهدف من تعطيلها خشية إسرائيل من استعمال هذه الأجهزة لتوجيه ضربات دقيقة ضد الجيش الاسرائيلي بالصواريخ أو المسيرات أو غيرها من الوسائل الحربية.

كذلك، يكتسب الموقع الجغرافي للقاعدة أهمية كبرى، فهو يكشف قسماً كبيراً من الجغرافيا اللبنانية بصورة مباشرة، ويشرف عليها بالرؤية، كما تشرف عليها أجهزة البثّ والاستقبال، ما يتيح قدرة هائلة على التحكم والاتصال من القاعدة إلى لبنان، وتدعمها بالنسبة الى سوريا الرادارات وأجهزة البث والاستقبال الموجودة في قمم جبل حرمون، والمشرف على الجغرافيا السورية. وبالتالي فإنّ هذه القاعدة، بالاضافة إلى كونها تاريخياً مقراً للعمليات الجوية ورادارات الرصد في الجبهة الشمالية لاسرائيل، اكتسبت في السنوات الأخيرة قيمة إضافية مضاعفة مع دخول المسيرات الحربية إلى الخدمة بصورة أكبر بكثير مما كان عليه الوضع منذ عقود. فبعد أن أصبح اعتماد الجيش الاسرائيلي على المسيرات للرصد الاستخباري في لبنان وحتى في سوريا بصورة شبه يومية، أصبحت القاعدة مركز القيادة الأساس للعمليات الجوية المسيرة ضد لبنان وسوريا، وأبرز ما تؤمنه هو اتصال مباشر بالمسيرات يسمح بعدم فقدان التواصل معها أو يصعّب عمليات التشويش على إشارتها، بالاضافة إلى كونها تسهّل سير العمليات العسكرية لكون أجهزة الاتصال وغرف القيادة والرادارات متمركزة بمعظمها في جبل ميرون.

تمتلك القاعدة إشرافاً واسعاً على الجغرافيا اللبنانية، القدرة على استقبال الاتصالات اللاسلكية على أنواعها وبثها نحو لبنان، وهي بالتالي عنصر أساس في حركة التواصل مع العملاء، بالاضافة إلى كونها عنصراً أساسياً كذلك في حركة تعقّب الاتصالات اللاسلكية ورصدها والتجسس عليها. كما تؤمن الكاميرات الضخمة وأجهزة الرؤية الحديثة إشرافاً ذا أهمية استراتيجية على جزء كبير من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وعلى المواقع الاسرائيلية وما يقابلها في لبنان، وهي بالتالي تعدّ رافداً أساسياً لقدرات الجمع الاستخباري التي كانت موجودة في المواقع الاسرائيلية الحدودية، والتي استهدفتها المقاومة خلال الأسابيع الفائتة ودمّرتها.

شاهد أيضاً

إردوغان والأسد إن التقيا “قريباً”.. في بغداد أم أبو ظبي؟

  توفيق شومان تبدو المساعي العربية والإيرانية والروسية في سباق غير معهود لإنتاج تسوية سورية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *