القصة الخفية من حياة كيسنجر وصراعه مع المارونية

بقلم ناجي أمهز

أنا لم ألتق بكيسنجر لكن سمعت الكثير عنه، من شخصيات مارونية، كانت تترصد في تلك الحقبة افكاره ومنشوراته.

قبل عقدين من الزمن وقبل ثورة الإنترنت، وتفاهة المال التي تسيطر اليوم على العالم، كان النخبوي هو من يقرأ ويقرأ ويقرا، ويحفظ ويحلل، أما اليوم النخبوي هو الذي يتبع الزعيم أو يعينه الزعيم وان كان لا يفهم شيئا يكفي أن الزعيم بيفهم عنه.

وكانت الكلمة أثمن ما يبحث عنه بين طبقة مخملية أرستقراطية تشعرك بتميزك عن سائر الشرق الكئيب الغارق في تخلف العصور الوسطى.

لم يكن مفتاح عبورك إلى المجد والسلطة، سيارة فخمة، أو بدلة أنيقة، كما يحصل اليوم حيث يهرول الجميع لاستقبال من هو داخل السيارة حتى لو وصل بالخطأ، ويجلسون في الصف الأمامي من يمتلك المال، أو يلبس بدلة، وحتى لو لم يفقه أي كلمة مما يقولها المتحدث على المنبر.

لا علينا، كل شيء بالحياة يموت، وكذلك في وطني لبنان، مات هذا العصر الذهبي، وللأسف اندثر لأن الذين كانوا يستهدفون لبنان، كانوا يعرفون أنه يجب القضاء حتى على الامتداد النخبوي لهذه الطبقة المتنورة، وخاصة الطبقة المارونية النخبوية، بل كان مطلوب تصفيتها إفساحا بالمجال أمام جيل سياسي جديد غالبيته جيل قزم بكل شيء.

واحد أسباب استهداف المارونية السياسية هو صراعها مع الإدارة الأمريكية، وتحديدا مع هنري كيسنجر الرجل الذي لقب بكل اللالقاب التي تشير إلى دهائه، ولكن حتى هذا الإبليس كيسنجر كان يخشى العقل الماروني.

ومن لا يعرف العقل الماروني لا يعرف شيئا، فالذي صمد 1400 مائة عام بوجه كل متغيرات لبنان والمنطقة، منذ العهد الأموي مرورا بالعثماني، ووصل إلى نقطة الحكم في المشرق العربي، دون أن يخوض معركة واحدة، لا يعرف شيئا.

ما اكتبه الآن هو أول مرة اكتبه ويجب أن أكتبه في سياق السرد، قال أحد الموارنة أثناء حديثه على الهاتف (الأرضي) مع ابن زعيم ماروني، “”ما فينا نكمل بحمل البارودة لأن بس نحمل البارودة منصير متل البقية الحاملين بواريد، ساعتها البقية بيغلبونا لأنهم أكتر منا بالعدد، لازم نضل نحمل العقل وهيك منحافظ على مكانتنا وقوتنا بلبنان والعالم””.

كيسنجر منذ اللحظة الأولى لاستلامه مهامه ضمن الإدارة الأمريكية، كان يعرف أن أزمة إسرائيل لا يمكن حلها طالما في الشرق الأوسط ماروني واحد.

ولم يخف كيسنجر هذه الفكرة وأيضا لم يجرؤ على البوح بها لأنه يدرك تأثير اللوبي الماروني (زمان) حتى ضمن الإدارة الأمريكية والنظام العميق في بريطانيا، إضافة أن الموارنة كانوا يسيطرون سيطرة كاملة على صناعة السياسة الفرنسية في المشرق العربي.

ولم يكن أمام كيسنجر إلا استغلال بعض الموارنة المتعطشين لمجد السلطة، من أجل مساعدته اقله دون علمهم، على تطبيق مشروعه الذي كان يعمل عليه من منتصف الستينيات،

وفكرة كيسنجر التي تقوم على زوال الموارنة لضمان بقاء وتفوق الكيان الإسرائيلي في المنطقة، يوجد فيها فقط عامل واحد وأساسي، وهذا العامل الأساسي مع أنه أيضا يلخص بكلمة “البديل” إلا أن هذه الكلمة يمكن أن يتجاوز شرحها سبعين مجلدا.

ونظرية كسينجر،“ لبنان خطأ تاريخي وزيادة في الجغرافية ”وإن كان البعض سينكر هذه الجملة كما تنكر لرسالة بروان للرئيس سليمان فرنجية. ،

واذكر أنه قبل عامين دعاني أحد الوزراء على مائدة الغداء، وأثناء الحديث سألني عن مقولة براون وترحيل المسيحيين، قلت له الرواية حقيقية وان كسينجر لم يجرؤ على الاعتراف بها علنا خوفا من اللوبي الماروني في تلك الفترة، فقرا على الوزير مقتطف لمقال منشور في إحدى الصحف عام 2016، فقلت له كاتب هذا المقال لا يعرف شيء، وكتبت في 28 – 10 – 2021 تحت عنوان: لبنان رغم صغر حجمه صنع أمريكا وهو أكبر دولة بين الدول العربية وأشدهم بأسا، شرحت فيه هذه النقطة تحديدا عن أسباب عدم ذكر كيسنجر في مذكراته رواية براون وتفاجأت بالعدد الذي ينكر هذه الواقعة، حينها تأكدت أن وباء الغباء ينتشر بسرعة مخيفة.

ولكن بعد نصف قرن قرر كيسنجر في كتابه الأخير كتاب “القيادة” leadership ذكر هذه النقطة تحديدا عن ترحيل المسيحيين، دون الاستفاضة عن الوضع اللبناني وكانت إشارة كافية وأن تكون تحذيرا بان كيسنجر حقق حلمه.

اليوم رحل كيسنجر وكان حلمه أن ينتهي دور الطبيب الماروني والمصرفي الماروني والمهندس الماروني والسياسي الماروني، وفي مقدمتهم المعلم الماروني، كي يلجا العرب إلى الطبيب اليهودي والمهندس اليهودي والمصرفي اليهودي.

كان حلم كيسنجر أن تنتهي السياحة في لبنان حتى يذهب العرب للسياحة في فلسطين المحتلة.

كان كسينجر حلمه أن ينتهي دور المزارع اللبناني، حتى يستورد العرب المنتوجات الزراعية من فلسطين المحتلة فما تنتجه التربة اللبنانية تنتجه التربة الفلسطينية.

كان حلم كيسنجر أن يتحول لبنان إلى مشاع، يهجر إليه الفلسطيني والسوري ويصبح وطنا لكل من هب ودب إلا لأبنائه الذين يحملون هويته ويدفعون الضرائب دما ومالا.

وبالختام يأتي من يقول لك إنه يفتخر بتحالفه مع الإسرائيلي، مع العلم أن الإسرائيلي هو الذي نحر الماروني بخطة خبيثة وضعها كسينجر، وشارك فيها بعض الموارنة.

شاهد أيضاً

بردونيات

عبدالله_البردوني عجز الكلامُ عن الكلام والنور أطفأه الظلام والأمن أصبح خائفاً والنوم يرفض أن ينام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *