ألشعارات الرنانة الكاذبة ماذا نفعتنا؟

د. ليون سيوفي
باحث وكاتب سياسي

كيف يمكن أن نعيش ضمن أنظمة حزبية ترفع شعارات سياسية، أكبر من قدراتها، وتتغطى بعناوين قومية وحزبية وحتى دينية، وتحشد جماهيرها ومناصريها وراء هذه الشعارات، ثم تتوقع أن تنتصر هذه الشعارات، وفي بعض الدول التي لجأت لهذا ، نجد أن الأمية مرتفعة، والخدمات الصحية غائبة، ولا مشاريع تنموية اقتصادية، ولا أفق في المستقبل.
إشغال الناس بشعارات سياسية، غير قابلة للتطبيق، وغير منطقية، أمام معادلات العالم، وترسيمات القوى فيه، إشغال لن يصمد طويلاً.
لا أدري إذا كانت هناك دولة أخرى  في هذا العالم تستطيع أن تنافسنا في تأليف الشعارات السياسية وتلحينها وغنائها وتوزيعها ومن ثم إسقاطها أو لفظها دفعة واحدة كما يلفظ القط عظمة علقت في بلعومه. فحسب علمي وتجربتي أستطيع أن أؤكد أننا تفوقنا على معظم شعوب الأرض في رفع الشعارات واستهلاكها واجترارها وعلكها ومن ثم هجرها وركلها إلى مزابل التاريخ ومكبات النفايات. ولا أبالغ إذا قلت إننا استهلكنا من أجلها ملايين الدولارات وملايين الأمتار من القماش والألواح الخشبية والمعدنية ناهيك عن آلاف الأطنان من الدهان والطلاء والزيوت.
إنّ بعض اللبنانيين مازالوا يصدقون الشعارات السياسية، التي يطلقها الزعماء أو المناصرون وترويجها، والأدهى والأمر، أنّهم يتعلقون بمن يرونهم منقذين ومخلصين، وبدلاً من أن يصحو هؤلاء، يواصلون ذات الانشغال ببريق الشعار السياسي، فيما كل بنية بلدهم مدمّرة على كل المستويات.
ثمّ حدّث ولا حرج عن إعلامنا ومجلاتنا وصحفنا التي كانت تحمل من الشعارات والعبارات الطنانة والرنانة على صفحاتها أكثر مما كانت تحمل أخباراً ومعلومات مفيدة. لقد أمضينا عقوداً بلياليها ونحن نتغنى بالشعارات ونرفعها، وكله بلا معنى حتى اكتشفنا بعد طول زعيق وتلصيق كم كنا مخدوعين. فمعظم شعاراتنا القومية والإسلامية والمسيحية والاشتراكية والوطنية واللبنانية كانت على ما يبدو للضحك على الذقون وذر الرماد في العيون بدليل أنها أصبحت مادة للتندر والسخرية والتهكم ولم تعد تثير في نفوس الناس سوى الضحك لأنّ الذين رفعوها لم يحققوا منها شعاراً واحداً، ناهيك عن أنّ الشعاراتيين أنفسهم بدأوا يتنصلون منها أو ينقلبون عليها أو يستبدلونها بعكسها تماماً وكأن شيئاً لم يكن.
واليوم نستطيع تسمية عصرنا الحاضر بعصر المؤثّرات الإعلامية ذلك لأنّ الإعلام وبفضل التقنية الرقمية والإنترنت أصبح سمة من سمات العصر الحالي، وأصبحت الشعارات المتحكّمة في العقول والعواطف، وهي القوّة المؤثّرة التي لا يقلّ تأثيرها عن الأسلحة المدمرة.
علّمتنا الأحزاب في لبنان أن ننسى مأساتنا وأن يشعر المواطن أنه قزم أمام حضرة القائد، وأن كل رئيس هو منقذ وممثل لسلطة إلهية لا يمكن تجاوزها..
والمضحك أنّهم يكذبون على مناصريهم بالشعارات ويقتنعون بكذبهم ..
تذكّر يا من تقرأ مقالتي التي أعبّر بها عن صوتك وضميرك أنّه لا مستقبل لشعبنا مع الشعارات ، فهي مجرد مصيدة فقط، ولا تتطابق مع معادلة القوى في العالم، وقد باتت مجرد تعمية مؤقتة، عما هو أهم، أي حق الناس بالحياة الكريمة، كما هي بقية الأمم، التي أدركت أنّ الإنسان، يأتي أولاً، ولا أولوية سواه في كل خططها.
“إصحوا قبل فوات الأوان “

شاهد أيضاً

بخاري استقبل اللواء البيسري

أعلنت سفارة المملكة العربية السعودية على حسابها على منصة “إكس”، أن سفير خادم الحرمين الشريفين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *