إذا شتت ابكي،،، وإذا ما شتت ابكي

هل سيأتي يومٌ ، يُبعد عنّا البكاء؟

فادي رياض سعد

في ظل دستور 1926 وصيغة نظام 1943 كما صيغة اتفاق الطائف في 1989، انتقلنا من النظام الطائفي إلى النظام المذهبي، وزاد  الشرخ داخل الدولة والمجتمع. نجد إنّ الدولة بكامل أجهزتها ومؤسساتها تحولت إلى شرطي وخادم لدويلات الطوائف والمذاهب التي تمكنها من امتلاك جماعاتها الطائفية امتلاكاً كاملاً من المهد إلى اللحد، فكما الإقطاعيون ملاك الأرض، كذلك أصبح أمراء الطوائف مالكي الدولة والمجتمع. نعزو هذا التطور التراجعي إلى بنية الدستور النافذ بشكل أساسي وإلى الممارسات السياسية لأهل الحكم والنظام، حيث يوجد في بنية الدستور ما يمنع عملية التطور الديمقراطي باتجاه دولة علمانية تصون حرية المعتقد وتوفر ذات الحقوق والواجبات لمواطنيها. هنا الإشكالية الكبرى في الدستور اللبناني، إذ كيف يمكن أن تكون الدولة علمانية تقوم على مبدأ يؤكد حرية الاعتقاد المطلق ويكرّس في الوقت عينه قوانين أحوال شخصية خاضعة للمحاكم الروحية الطائفية والمذهبية، و يخلو التشريع من أي قانون مدني موحَّد للأحوال الشخصية، سواء أكان قانوناً واحداً إلزامياً أم اختيارياً؟ نحن متخلفون في التشريع أربعة آلاف سنة عن الملك “سرجون الأكادي” الذي أصدر عام 2343 قبل الميلاد مرسوماً ملكياً ألغى فيه جميع المحاكم الدينية واستبدل بها محاكم مدنية لتقويض سلطة الكهنة. هل جرى التمعن في قراءة شريعة حمورابي أول شريعة في التاريخ وارتكازها في أكثر من بند على الحقوق والواجبات والزواج  والإرث والوصية  وحقوق الفرد كاملة غير منقوصة دون أي تمييز؟ لماذا يستهول رجال الدين في بلادنا من وضع قانون مدني للأحوال الشخصية؟ ، وهل يُؤمل عبر الدستور النافذ أن ينتقل لبنان إلى دولة مواطنة،،، علمانية فعلاً لا قولاً؟ في ظل دستور «مفخخ» أعجز من أن يؤدي إلى أي تطور باتجاه قيام دولة المواطنة؟. الانقسامات الحاصلة (عاموديًا، أفقيًا وفي كل الاتجاهات) سببها بنية الدستور، التي جعلت من لبنان أسيرًا لـ تجاذبات سياسية وطائفية، لم ينجح حتى اللحظة في انتشال نفسه من دائرتها، والتي انعكست على كافة القطاعات (الإقتصادية، المالية، الاجتماعية، الصحية والتربوية، الاعلامية…)، وعلى كافة شرائح المجتمع اللبناني المقيمة والمغتربة. هذا الواقع ينطبق على قصة البائع المتجوّل، الذي قال لزوجته” “إذا شتت ابكي،،، وإذا ما شتت ابكي” تحكي القصة أن رجلاً فقيراً يعمل بائعًا جوالًا في القرى، زوّج ابنته الكبرى إلى مزارع وابنته الصغرى إلى فاخوري، وبينما كان يجول  في القرى والبلدات لبيع بضائعه، قرّر أن يزور ابنته الكبرى (زوجة المزارع)، وبعد سؤالها عن أحوالها قالت: “نشكر الله كل شيء على ما يرام، بس إذا ما شتت ابكوا علينا بروح موسم الزرع”،  رد عليها “انشالله تشي”. وأكمل طريقه، ليزور ابنته الصغرى (زوجة الفاخوري)، وبعد سؤالها عن أحوالها قالت: “نشكر الله كل شيء على ما يرام، بس إذا شتت ابكوا علينا بروح موسم الفخار”،  رد عليها “انشالله ما تشي”. ترك ابنته الصغرى عائداً الى منزله وفي قلبه حسرة كبيرة على ابنتيه وعلى القدر الذي جعله يعيش الحسرة في كل الأوقات، وعند وصوله الى منزله استقبلته زوجته بشوق وسألته ” كيف البنات”؟ اجابها “البنات بخير، ولكن يا زوجتي العزيزة، اذا شتت ابكي واذا ما شتت ابكي”. هذه القصة تختزل الوضع اللبناني منذ نشأته، ففي كل لحظة اقليمية هناك فريق لبناني يعتبر نفسه مهزومًا والفريق الأخر يعتبر نفسه منتصرًا، ومع أي تغيير اقليمي بميزان القوى تنعكس الآية، فيصبح المهزوم منتصرًا، والمنتصر مهزومًا. ونحن من يدفع الفاتورة الأكبر في كل الظروف. وعند كل استحقاق او محطة مفصلية او مناقشة مشروع أو قانون،  تلعب التجاذبات دورها، فإذا اقرّت قوانين، يبكي نصف الشعب، واذا لم تقرّ يبكي نصف الشعب أيضاً. وعلى سبيل المثال، إذا أقرّت الحكومة مشروع الموازنة، الشعب عم يبكي، وإذا لم تقرّه، الشعب عم يبكي. اذا حصلت الإنتخابات “”الشعب عم يبكي” واذا لم تحصل “الشعب عم يبكي”. واذا .. واذا… ومهما حصل “الشعب عم يبكي”. هل سيأتي يومٌ ، يبعد عنا البكاء؟

 

 

شاهد أيضاً

لغز توابيت السيرابيوم

أحد الألغاز التي تثير فضول علماء الأرض بشكل كبير هو لغز توابيت السيرابيوم، حيث يحتوي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *