.. ” أسكِتي ابنكِ يا إمرأة “.. !!

وعد النصر

ما هي قصة شمخة مسعود خلف المغارة؟!

قصة مشرفة عن نضال أهلنا في سوريا ، جسَّدتها بطلة من آل مسعود من قرية ” وقم ” من نواحي جبل العرب الأشم ..
.. وربما لم تكن بطلة القصة هي ” شمخة مسعود ” بذاتها ، وكانت غيرها من ” خنساوات ” الجبل ، فذلك لن يغير في حقيقة الأمر من روح التضحية والفداء أي شيء ، فقد سجل التاريخ مشاركات نساء جبل العرب ، كما كل نساء سوريا ، إلى جانب رجالاتها في تحرير سوريا من براثن المستعمر الفرنسي ومن قبله التركي ، وتحقيق استقلال الوطن العزيز ولسوف نحرر سورية اليوم من اعداء البشرية وذيولهم..

..حدث في زمن السلطان محمود العثماني ، ان دخل الجيش المصري إلى سوريا عام 1831م بقيادة إبراهيم باشا ، وسلك الطريق الساحلية لسهولة إمداد جيشه عن طريق البحر. فاستوقفته عكا، أمنع الحصون البحرية على الساحل السوري لدردشة دموية مسلحة دامت عاماً كاملاً. توجه إبراهيم باشا بعد فتحها نحو الداخل ، وخاض معركتين حاسمتين مع الجيش التركي ، انتصر فيهما ، فدانت له سوريا بالكامل باعتراف دولي عام 1833م.

.. قوبل إبراهيم باشا المصري بالترحاب من قبل السوريين، واستقبل استقبال المنقذ المحرر من ظلم الأتراك ، لكنه ما لبث أن كشر عن أنيابه الاستعمارية الصفراء، بأن لجأ إلى سحب السلاح من أيدي المواطنين، وفرض الخدمة الإلزامية على الشباب، ثم أرهق الناس بالضرائب الجائرة التي سالت نحو رمال الخزانة المصرية العطشى.

.. بدأ دخان التذمر يتصاعد من قمم وهضاب جبلنا الأشم، فأعلن زعماؤه عدم الانصياع لأوامر المصريين الظالمة التي حلت بديل سوء عن ظلم بني عثمان. وفي عام 1838م سارع إبراهيم باشا للقضاء على عصيان الموحدين ( الدروز ) ، فقدم بنفسه على رأس جيش جرار لقمع ما سماه بالفتنة ( الدرزية ) ، كان لا بد للجيش المصري أن يجتاز اللجاه، بوابة الجبل الشمالية، وهي منطقة شاسعة موحشة كأداء صخرية وعرة تصلح ميداناً ممتازاً لحرب العصابات. لذلك تجمع أهلنا الثوار – و ( شتَّان بين ثوار ذاك الزمان .. و “فوًَار” اليوم وعصابات الغدر )- !!
.. تجمعوا في تلك المنطقة التي كانت مسرحاً لأحداث قصتنا الحقيقية هذه خوفاً على النساء والأطفال من غدر المستعمرين ، فقد تم توزيعهم في تجمعات صغيرة داخل اللجاه ، وتخلف لحمايتهم عدد قليل من الثوار لا يكفي لأكثر من المناورة في حال الخطر . أما الثوار فقد انتشروا مجموعات تراقب بحذر وتروٍ أرتال العدو وتجمعاته، ثم تنتهز الفرصة الملائمة للانقضاض، فتضرب بقوة ثم تختفي عن الآنظار بسرعة فائقة. وتلك هي القاعدة الأساسية لحرب الفصائل المقاومة التي تعلمها أجدادنا بالتجربة والسليقة كما يتعلم الصقر التحليق والانقضاض علي٦ الفريسة . فلقد أرهقت هذه الضربات جيش العدو فعزم على ملاحقة الثوار داخل اللجاه، وشكل لتنفيذ هذه المهمة دوريات مدربة ومسلحة بأحدث الأسلحة المعروفة آنذاك.

.. في يوم من الأيام ، رصد الحراس من الثوار دورية مصرية كبيرة تتوجه نحو أحد الأمكنة، التي تجمع فيه نساء الثوار وأطفالهم فأمروا الجميع بالتوجه إلى المغائر، المنتشرة في تلك المنطقة. وبمنتهى الصمت والحذر اختفت النسوة مع أطفالهن في المغائر المجاورة .
.. مرَّ رتل الجنود بالقرب من إحدى هذه المغائر، ولا بد أن بعضهم لمح آثاراً تدل على انشغال المكان قبل فترة قريبة، فتلكؤوا في مسيرهم حذرين متفحصين. وفي المغارة القريبة جلست ” شمخة ” زوجة أحد الثوار، تحتضن طفلها الصغير الذي لم يتجاوز عامه الأول . كان الطفل على ما يبدو جائعاً أو مريضاً لم ينفك عن البكاء ، وكما يقال : الطفل لا يبكي إلا جوعاً .. أو موجوعاً.

.. كانت الأم تهدهد ولدها وتحاول تهدئته بشتى الطرق التي تتقنها الأمهات أشد الإتقان، لكن الطفل لم يتوقف عن البكاء, واقترب الجند من المغارة وصوت بكاء الطفل كاد يصبح مسموعاً للجنود، فانفعل أحد الرجال في المغارة وقال بصوت خافت وشديد اللهجة : ” اسكتي ابنك.. يا امرأة “!!

.. اقترب الجنود، وبقدرة قادر صمت الطفل وتنفست النسوة الصعداء، وكل منهن تردد في سرها: ” الحمد لله.. الحمد لله “!!. .. مرت فترة قصيرة كأنها أيام ابتعد بعدها الجنود عن مخبأ النسوة . فخرج أحد الحراس متسللاً من المغارة، يراقب بكل حواسه رتل الجنود المغادرين حتى أيقن بعد قليل أن الجنود قد رحلوا وأصبحوا بعيدين عن المكان، فأمر النساء بالخروج من مخابئهن . خرج الجميع فرحين شاكرين الله تعالى بأن نجاهن من موت محقق بل مما هو أصعب من الموت ؛ السبي والاغتصاب والتعذيب.

.. مضت ساعة ، والشعور المريح بالنجاة ينسج خيوطه مظلة خيمت بظلالها على الجميع بعد تجاوزهم هاجرة الخطر المحدق .فسألت إحدى النساء مستغربة : ” أين شمخة ” ؟! تلفتت كل واحدة من النسوة حولها فلم يجدنها ! اتجهت بعض النسوة نحو المغارة : ” شمخة !.. يا شمخة ” !! .. فبدت لهم ” شمخة “، قادمة من خلف المغارة على شعب صخري ضيق وأطلت بقامتها الممشوقة الفارعة والحزن يغطي وجهها بصفرة لم يعرفها قط.
– أين طفلك يا إمرأة ؟!
..أرادت ” شمخة ” أن تتمسك برباطة جأشها فخانتها دموعها وأجهشت بالبكاء, ومن بين الدموع والزفرات تساقطت كلماتها مغمسة بدماء الشجن محملة بغيوم الفجيعة السوداء التي لو امتدت لغطت سماء الأرض ..أجابت :
– لقد دفنته للتو..!!
– ويحكِ.. مات..؟.. وكيف مات؟!
.. وركزت نظراتها الحائرة المشتتة على كف يدها اليمنى المنبسط :
– خنقته بيدي هذه ، حتى لا ينكشف أمرنا ! وقلت في نفسي : إن التضحية بولدي خير ألف مرة من التضحية بالشرف وبحياة الجميع.. سامحني الله .. سامحني الله..!!

 

شاهد أيضاً

سليمان من عكار: “حذار من التعمية على جريمة إحراق مكب سرار”

تابع عضو تكتل “الاعتدال الوطني” النائب محمد سليمان مشكلة إحراق مكب سرار والأضرار التي لحقت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *