كان نيشاناً على صدور المُحبّين فاستشهدت الإنسانية مع الشهيد الشيخ علي كاظم فتوني

 

كلمة حوزة أهل البيت عليهم السلام التي ألقاها الشيخ عباس ابراهيم في الاحتفال التأبيني الذي أُقيم بمناسبة مرور ثلاثة أيام على استشهاد الشهيد الشيخ علي كاظم فتوني يوم الاحد ٥- ١١-٢٠٢٣ في النادي الحسيني لبلدة الصوانة :

 

بسم الله الرحمن الرحيم
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: « من تعلّم العلمَ وعمِل به وعلّم لله دُعيَّ في ملكوت السماوات عظيما ؛ فقيل : تعلّم لله ، وعمِل لله ، وعلّم لله » .

علي كاظم فتوني ، الشيخُ الشهيد ، مصداقُ من تعلّم لله ، وعمِل لله ، وعلّم لله ؛ فبات أولَ الواصلين من حوزة أهل البيت عليهم السلام على طريق القدس ، وصل يهتف أن الحوزةَ كما هي بابٌ من أبواب الله ومعرفتِه هي كذلك بابٌ من أبواب الشهادة ، وأيُّ باب ؛ بابٌ يمتزج فيه المِداد والدماء فيشكلان أكليلَ فوزٍ في سما العلياء .
شيخنُا الشهيد علي فتوني ، انتسب إلى الحوزة العلميّة في مدينة بنت جبيل في العام (2009) وأتمّ مرحلتي المقدمات والسطوح ، وشرع في مرحلة البحث الخارج ، بالإضافة إلى دراسته الجامعية حيث نال إجازةً في اللغة العربية وآدابِها ، وكان شيخنُا الشهيد يتحضر لارتداء العمامة في وقت قريب .

شهيدُنا الشيخ ، أستاذُ قرآنٍ في ثانوية الإمام المهدي عجل الله فرجه ،أحبّ طلابَه وأحبوه ؛ فنثروا فوق نعشِه مشاعرَ الحبِّ دموعاً .
شيخنُا الشهيد ، كشفيٌّ برتبة عميدِ فوج ، مبلغٌ جهادي ، مدرِّسٌ في الدورات الثقافية والمخيمات الكشفية ، عاملٌ بعلم ، هادئٌ بحكمة ، صامتٌ بوعي ، متكلمٌ بمعرفة ، حريزٌ دينُه ، نفسُه منه في عناء، والناسُ منه في راحة، أتعب نفسَه لآخرته، وأراح الناسَ من نفسه .

شيخ علي ، لقد تجسد فيك قولُ الله تعالى لعباده في بعض وحيه : عبدي ؛ « عملُك الصالح عليك إخفاؤه وعليّ إظهاره» ؛ وها قد أظهر اللهُ تعالى عملَك وجهادَك وتألقَك وعطاءَك الذي لطالما حاولتَ إخفاءَه خلف ابتسامتِك وهدوئك ، أظهره بأرقى ظهورٍ وأبلغِه فأخرجك من بيتِك وحدودِه الضيقة وأسكنك في قلوبِنا وعقولِنا وجعلك في مقام : ﴿عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ .
هنيئاً لك يا حبيبنا ، كنت واللهِ نِعم المتعلم ، ونِعم المعلم ، ونِعم الشيخ ، ونِعم المبلغ ، ونِعم الصديق ، ونِعم المجاهد ، ونِعم العون على طاعة الله ، ونِعم الشهيد .

كم كنت رائعاً يا شيخ علي وأنت ترمقنا من عليائك وجسدُك يعبر صراطَ النور مرتحلاً نحو الخلود على وقعِ أنغام تهليل الأمهات وتمايل حباتِ الأرز وهي تعانقُ أوراقَ شقائق النعمان التي ارتوت من فيض دماك تريدُ أن تستقرَ فوق نعشِك وتمسحَ عن جبينك غبارَ التعب ، وتهمِسَ في جموع المشيعين أن هكذا يرحل الرجال الرجال ، يقهرون الموت في عرس الحياة في يومٍ من أيام الله حيث تتفتح دفعةً كلُّ البراعم التي كادت تموت ؛ فتزهرُ في حديقة الفطرة والولاء وتنشرُ أريج النصر في كلِّ زوايا الوجود …
فبكم يا شيخ علي ، بكم أيّها الشهداء :

« يُبعَث ” الجيلُ ” المحتَّمُ بعثُه
وبكم ” القيامةُ ” للطُغاة تُقام
وبكم العُتاة سيُحشَرون وجوهُهُم سودٌ
وحَشْوُ أُنوفهم إرغام »

أيّها السّادة إن الشهادة أمٌ ولاّدة تختار «طربونة» ما لدينا لتحول كلَّ ما لدينا «طربونة» وكأنها يدُ الله إذا لامست الأرواح ﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ ﴾ . وهذا دمُك يا شيخ علي يُنبينا أن من أراد لقاءَ ثم اتخذ الحوزةَ موئلا والمسجد معبرا والقرانَ هاديا سيكون اللهُ في لقائه ليسكنَه في جواره في مقعد صدق ، (أحياء ٌ عند ربهم يُرزقون) ، (فَرِحِينَ بما آتاهم ) ( يَسْتَبْشِرُونَ) ( لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون) .

شيخ علي في يوم شهادتك صدحت حناجرُ أمهات عاملة أن ّخيرَ أولادِنا من كانت رتبته الشهادة ، وتجسد فيك قولُ الجواهري مخاطباً أخاه عندما استشهد:

« صُرِعْتَ فحامتْ عليك القلوب
وخفَّ لك الملأُ الأعظَم
وسُدَّ الروُُاقُ ، فلا مَخرجٌ
وضاقَ الطريقُ فلا مَخرم
تعلَّمتَ كيف تَموتُ الرجال
وكيف يُقامُ لهمْ مأتَم
وكيف تُجرُّ إليك الجموعُ
كما انجرَّ للحَرمِ المُحرِم »

فيا لِعُلاك ! ما أهدى سجاياك ، ما أعز خصالَك ، ما أحلى فِعالَك ، ما أرقاك وأنت ترقد بهدوء العارف في وسط زحمةِ نبضات القلوب المشتعلةِ بنار حبِّك ، والكلُّ يردد اسمَك ويتغنى بوقارِك وكيف اجتزت الدنيا دون أن تصافِحَها أو تداعب بعض مفاتنها ؛ بل صيّرتها لك دفتراً تخطُ عليه حكاياتِ زمنِ النصر على طريق القدس ، حكاياتٍ عنوانها : شيخٌ شهيد .

الأهل الكرام ، باسم حوزة أهل البيت عليهم السلام في مدينة بنت جبيل إدارةً وأساتذةً وطلاباً نتقدم من صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه ومراجعنا العظام لا سيما الإمام القائد السيد علي الخامنائي والأمين العام السيد حسن نصر الله والحوزاتِ والعلماء وطلابِ العلم ورفاقِ درب الشيخ علي وطلابِه وعائلتِه وجميعِ محبيه بأسمى آيات التهنئة والعزاء بشهادة الشيخ علي فتوني ونسألُ اللهَ تعالى أن يبارك له في شهادته ويجعلَه مع شهداء كربلاء إنّه سميعٌ مجيب الدعاء .

وإلى روحه وروح إمامنا الخميني والعلماء الشهداء وجميع العلماء وجميع الشهداء وموتانا جميعاً الفاتحة .

شاهد أيضاً

طرابلسي بحث شؤونًا ثقافية مع المرتضى

زار نائب جمعية “المشاريع الخيرية الإسلامية” في لبنان، النائب الدكتور عدنان طرابلسي، وزير الثقافة في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *