ما خفي من كلام “السيّد” كان أعظم!

– د. محمد نعمة فقيه

لأنّ الحنكة السياسيّة التي يتمتّع بها سماحة السيد حسن نصر الله تجعله حريصاً على عدم القفز فوق المراحل، وعدم رفع شعارات استراتيجيّة في معرض المعارك المرحليّة، أي ضبط أهداف كل معركة بما يجب تحقيقه فيها وما يمكن إنجازه وصولاً إلى ما أطلق عليه مصطلح “الربح بالنّقاط”، مستعيراً هذا المصطلح من لعبة الملاكمة، ولأن، وبمصطلح آخر من اللعبة نفسها ألا وهو “الربح بالضربة القاضية” لم يحن أوانه بعد، فقد أخفى سماحته جملة كاد أن ينطقها، ولكنّها بقيت متوارية ما بين سطور خطابه، ولا شكّ بأن من يعنيهم الأمر قد تلقّفوها صفعة على أعينهم.
انطلق سماحته في عرض أسباب تحميله لحكومات الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، كامل المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها الصهيونية ضد شعوب المنطقة، ليس الواقع الراهن، بل ذهب إلى أصل نشوء الصراع في المنطقة، أي إلى المشروع الاستعماري المبكر للقوى الاستعماريّة الذي تبلور عام 1917 بوعد بلفور المشؤوم الذي أطلقته “بريطانيا العظمى” حين كانت هي قائدة المعسكر الاستعماري، بزرع كيان استيطاني مقاتل في قلب المنطقة العربية يمنع وحدة شعوب المنطقة ونهضتها ويخدم المخططات الاستعمارية. وركّز سماحته على أن هذا الكيان المصطنع المزروع بالقهر والاغتصاب، إنّما هو أداة بيد الغرب لإخضاع المنطقة واستعمارها، وأن ما تكفّلته بريطانيا بوعد بلفور، تتولّاه الولايات المتحدة منذ أن أصبحت هي قائدة المعسكر الاستعماري.
فقام سماحته بتوصيف الواقع، وأصل نشوء هذا الواقع، بشكل يتطابق مع ما كان عليه الأمر في كثير من المجتمعات والدول التي استعمرتها الدول الغربية حول العالم، ولكنّها اضطرت، وتحت ضغط المقاومات الشعبية في تلك المجتمعات والدول، إلى تفكيك السلطات والجيوش التي أقامتها، فانسحبت منها وأخذت معها فلول تلك الجيوش والحكومات التي حكمت بواسطتها تلك الدول وكل المتعاونين معها. وإن كان سماحته اكتفى بذكر حالتين منها، وهي أفغانستان والعراق، فلائحة الدول المماثلة طويلة ومنها خروج إيطاليا ومستوطنيها من ليبيا، وخروج فرنسا ومستوطنيها من الجزائر، وخروج بريطانيا ومستوطنيها من جنوب أفريقيا وروديسيا، وخروج الولايات المتحدة مع عملائها وأركان جيش حكومة سايغون من فيتنام.
إن ما اخفاه سماحته، وكاد أن يقوله، هو أن يطالب الولايات المتحدة، في سبيل إنهاء حالة الصراع في المنطقة، وعودة السلام إليها، هو أن على الدول الاستعمارية، كما اصطنعوا هذا الكيان العدواني في المنطقة وأوكلوا إليه مهام تدمير المنطقة وتسهيل عملية إخضاعها للغرب، بات عليهم إنهاء دوره وتفكيك حكومته وجيشه واسترجاع المستعمرين لتعود البلاد لأهلها.
ما أخفاه سماحته في خطبته هذه لدواعٍ تتصل بطبيعة المعركة الراهنة وأهدافها المرحليّة، نسأل المولى أن تستكمل المقاومة عدّتها عاجلاً ليكون ما توارى بين كلمات هذه الخطبة العنوان الرئيس لخطبة قادمة إن شاء الله.

– د. محمد نعمة فقيه
3 تشرين الأول 2023

شاهد أيضاً

بردونيات

عبدالله_البردوني عجز الكلامُ عن الكلام والنور أطفأه الظلام والأمن أصبح خائفاً والنوم يرفض أن ينام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *