هتاف دهام
لم تتردد فرنسا في تأكيد دعمها غير المشروط لإسرائيل بذريعة حق كيان العدو في الدفاع عن نفسه. وفاجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكروندولا وقوى غربية وعربية باقتراح حشد تحالف دولي ضد حركة حماس، على غرار التحالف ضد “داعش، علما أنه من المستبعد أن يحشد ماكرون تأييدا عربيا لطرحه فضلا عن رفض دول أوروبية عديدة الانضمام الى مشاريع لا طائل منها.
الأكيد أن عملية 7 تشرين الأول في الاراضي المحتلة خلقت صدمة عالمية على كافة المستويات الداخلية و السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية، كما يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس عيسى الأيوبي“فما قبل 7 تشرين الاول لا يشبه ما بعده إلا عند المصابين بداء الإنكار النفسي والذهني”.
لا يمكن تعداد التغييرات والتمظهرات التي أحدثتها العملية، بحسب ما يؤكد الايوبي ل”لبنان24″ فهي تغييرات تتوالد يوما بعد يوم وتسقى من دماء أطفال غزة. فعلى الصعيد الفرنسي خصوصا أظهرت العملية هزال البنية السياسية والثقافية الفرنسية التي طالما تغنى بها الفرنسيون واعتبروها بصمة وهوية دولتهم، وتظهرت مدى تبعيتهم للولايات المتحدة الأميركية وهو ما حاول الرئيس الراحل جاك شيراك التحرر منه على خطى الجنرال ديغول، يقول الأيوبي.
من يراقب النقاشات العلنية في الاعلام الفرنسي المرئي والمسموع والمكتوب يدرك، بحسب الأيوبي، عمق الأزمة التي أحدثتها عملية “طوفان الأقصى” ويلحظ هزيمة الفكر الإسرائيلي الذي طغى نحو 100 عام في فرنساوأوروبا في ما يمكن تسميته بسقوط الامبراطوربة الصهيونية وإنكفائها.
أما في التفاصيل اللبنانية المرتبطة بنتائج الحدث وتفاعلاته على الساحة اللبنانية، فإن التمظهرات الأولى تظهر الانكشاف الفاضح للفيسيفساء السياسية اللبنانية العاجزة عن انتخاب رئيس وتشكيل وحدة بنيوية فاعلة، كما تظهر أن المراهنة على أحصنة فرنسا من قبل بعض القوى وعلى الإدارة الأميركية من قبل البعض الآخر لن تحقق لهؤلاء ما يصبون إليه، فالعالم اليوم يتحرك ضمن معادلات جديدة، ويبدو أن دور لبنان الجديد سيخلق واقعا مختلفا وجوازات مختلفة.
وترى أوساط فرنسية أن باريس قد خسرت معظم محاوريها الفاعلين في لبنان فتصريحات ماكرون، وفق الأيوبي، خلقت هوة كبيرة بينهم و بين باريس. وهنا ينقل الأيوبي عن مصدر فرنسي قريب من الملف الرئاسي، قوله إن صيغة الحل للأزمة الرئاسية التي طرحت في الأشهر الماضية قد وضعت في سلة المهملات،كل شيء عاد إلى نقطة الصفر، بانتظار ما ستسفر عنه نتائج حرب غزة و تبعاتها سياسيا و اقتصاديا.
ووسط ما تقدم يطرح الايوبي أسئلة، وهي: هل الأنتليجنسيا العربية موجودة حقا لصياغة مشروع مستقبلي يرضي الجميع؟ وإذا كانت موجودة أفرادا وأحزابا وجمعيات و تجمعات منظمة هل بدأت أو هل تحمل مشروعا للنقاش الجامع، كما بدأ في أوروبا والولايات المتحدة رغم القمع الإرهابي الذي تمارسه السلطات في هذه الدول؟ كل هذه الأسئلة يرى الأيوبي أن الإجابة عليها سوف تنتظر مآل الأمور بعد أن يتبلور المشهد الجديد الذي سينتج عن عملية “طوفان الأقصى”.