(السقوط أعلى مِن برجِ الهاوية)

 محمد نجيب الجمّال.

متألّق هو الشاعر شوقي مسلماني، قصائده تحاكي ما تعانيه الشعوب من ظلم واضطهاد علي أيدي حكّام ظالمين ليس همّهم سوى النهب والسيطرة، قصائده لوحات متناسقة صيغت بأحرف أضاءت من شغاف القلب، تنهض من المعاناة التي رافقت حياته مذ كان طفلاً في أزقّة بلدته كونين ـ الجنوبيّة اللبنانيّة. يعيش الآن في أستراليا منذ عقود، مشاهداته توجع، وخصوصاً ممّا يراه المرء من ظلم وعدوانات على العالم من دول تدّعي الديمقراطية وحقوق الانسان وهي منهما معاً براء. وفي ما يلي نصوص له من مجموعة “لكلِّ مسافةٍ سكّانٌ أصليّون” ـ دار الغاوون ـ بيروت:
1 ـ “آن
أوانُ الكشف
على رأسِ الدمّ
لكي نعرف
كم بلغَ عددُ الكسور”.

2 ـ “ضدٌّ يقتلك لأنّكَ ضدّه
ضدٌّ يقتلك لأنّكَ على يسارِه
ضدٌّ يقتلك لأنّ كلبه لم يستطع أن يعضّك
ضدٌّ يقتلك لأنّ ملّته طلبتْ
ضدٌّ يقتلك لأنّكَ كهرباء أو شجرة
وضدٌّ يقتلك لأنّكَ تريد أن تعمل..
ضدٌّ يقتلك لأنّ لباسك غير لباسه
يقتلك لأنّك تسير على قدمين
لأنّه يظن أنّك حين تكون تزرع
أو حين تكون تصنع
تكون لا تزرع ولا تصنع
وضدٌّ يقتلك لأنّ شكلَ رأسِك
ليس هو الشكل المطلوب
أو لأنّه ربّما يشعرُ بالملل”.

3 ـ “معارك دامية
على طولِ جبهاتِ الخطأ”.

4 ـ “ربّما المسألة
هي مثلما تكون الرؤية
من وراء حجاب كاشف
ما قد تحتجّ به أيضاً مؤسّسة
الأخلاقُ السائدة، الجماعاتُ السائدة
الأطروحاتُ السائدة، الأسماءُ السائدة والمُغلَقة
الصعودُ هبوطاً، الطعناتُ المتبادلة

ميدانُ القتال يطاله التحديث
العينان الإثنتان، العينُ الثالثة
المقتلعة عن سابقِ إصرار ورصد

الجُنَح، الجنايات، الذين هُزِموا ونهضوا
أن تعيش كريماً أو أن تموت عزيزاً عند ذروة

الصفحةُ قبلها صفحة
وبعدها مجرّد صفحة في كتاب
صدْفة، خطأ وحظّ

وليس ربّما بل بالتأكيد
وهذا الخلل أيضاً مِنْ عيوبِ هذه المؤسّسة”.

5 ـ “الوجه
ملائم جدّاً
لمشهدِ الجراد”.

6 ـ “9 نيسان 1948
من الخامسة فجراً
حتى الحادية عشرة ظهراً
عيونُهم حادّة، مُجرَّبون
وأنتم كلٌّ منكم في قاعِ جرحِه
بالكاد برأس
طهارةُ سلاحِهم
هي عينُ هولوكوست 9 نيسان 1948 ـ
شرط 15 أيّار 1948..
سرقوا النقودَ، المواشي، السكّرَ، الطحين
أنتم موضوع طهارة سلاحهم..
وقال شاهدُ عيان
عمل طبيباً في الجيش البريطاني
كلّ سنوات الحربِ العالميّةِ الثانية:
لم أرَ يوماً مثل ما رأيتُ في 9 نيسان 1948
احتجزوا النساء، الأطفال، الشيوخ
درزوهم بالرصاص
قتلوا طفلاً
أُغمي على الأمّ الشابّة
قُتلتْ
وهي يُغمى عليها
بقروا حبلى
شابٌّ هزيل كان يرتدي ملابسَ أمِّه
لم يشفع منظرُه الذي أضحكهم
رشقوه بالرصاص
وأضرموا فيه النيران بحضور الصحافة العالميّة
جِثثٌ في الطرقات، جِثثٌ في زوايا البيوت
وشاهد عيان آخر
كان ضابطاً في الجيش البريطاني أيضاً
قال: ما أكثر الجرائم في العالم”.

7 ـ “أقولُ فأصمتُ وأصمتُ فأقول
صمتٌ في كلام وكلامٌ في صمت
الصمتُ قبل العاصفة والصمتُ بعدَ العاصفة
السمُّ يتقيّأ خدودَه والسقوطُ أعلى مِنْ برجِ الهاوية.

8 ـ “تبكي
كلّما رأتْ دمعةً
على خدّ
والدمعُ والدمُّ معاً
يسيلان
على العتبة”.