*“إسـرائـيـل” الـتـي قـتـلـهـا مـحـمـد الـضـيـف

 

الـكـاتـب قـاسـم قـاسـم

في اليوم التالي لوقف الحرب، ستستيقظ “إسرائيل” لتجد واقعًا جديدًا رسمه مستضعفو غزة.

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، قد يُزج به في السجن بسبب فشله. (بحسب استطلاع رأي أجرته صحيفة “معاريف” في 20-10-2023 تبيّن أنّ 80% من الإسرائيليين حمّلوه مسؤولية ما جرى).

رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي سيستقيل ويُحاسب، وهو يُدرك ذلك وقد اعترف بأنّه فشل في حماية مستوطنات الجنوب.

كذلك فعل رئيس “الشاباك” رونين بار، الذي سيُحفر اسمه إلى جانب ايلي زعيرا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الذي لم يقتنع في العام 1973 بأنّ مصر وسوريا قد يشنّان حربًا على الكيان.

أمّا رئيس الاستخبارات العسكرية أهارون هاليفا، فقد يزجّ به في السجن أو ينبذ.

قائد الجبهة الجنوبية، قائد فرقة غزة، قادة الألوية في فرقة غزة، مسؤولو التقدير في الاستخبارات العسكرية وفي “الشاباك”… كلّ هؤلاء، حتى رئيس هيئة الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنيغبي، كتبوا استقالاتهم وينتظرون تقديمها بعد الحرب. كلهم سيُحاسبون.

هذا أبسط ما فعله مستضعفو غزة بالجيش الذي لا يُقهر صبيحة السابع من أكتوبر 2023.

أمّا أخطره، فـ”نتائج لم تتجلّ كلها بعد، لكن أهمّها هو ضرورة اعترافنا بالحقائق وهي أنّ إسرائيل لم تعد موجودة كدولة ذات سيادة ومستقلة.

لأنّ أمنها في أيدٍ أجنبية، رغم أن لديها أقوى جيش في الشرق الأوسط، وهناك من يقول بأننا نمتلك السلاح النووي.

تكلّمنا عن الذراع الطويلة للجيش، والمخابرات التي تعرف متى يدخل الفلسطينيون حمامات منازلهم، لكن مستوطنات غلاف غزة كشفت أنّ الجيش تأخر خمسين ساعة”.

الكلام الذي كتبه نير كيبنيس في موقع “واللا” العبري، ربما يختصر قوّة الضربة التي وجّتها حركة “حماس” لكيان الاحتلال، والآثار التي ستترتّب عنها ولم تظهر كلّها بعد.

المقاومة الفلسطينية قرّرت صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول تغيير التاريخ، وتحويل منطقة الشرق الأوسط من منطقة تتّجه معظم بلدانها إلى التطبيع مع العدّو الإسرائيلي، إلى منطقة تشهد شعوبها الخطوة الأولى للتحرير الكامل لفلسطين.

يُدرك بنيامين نتنياهو أنه “انتهى”. سيحاول أن “يتثعلب”، كعادته، لاتقاء العيش في زنزانة. لكنه يعلم ما ينتظره في اليوم التالي لوقف إطلاق النار.

المجتمع الإسرائيلي لن يرحمه والمحاكم الإسرائيلية ستحاسبه، ففي عهده قُتل أكثر من 1400 إسرائيلي، بضربة واحدة، وجُرح نحو 3000، وأُسر 250 شخصًا وفُقد 200.

أرقام القتلى الإسرائيليين مُرشّحة للارتفاع، والعدد قد يتجاوز أرقام الذين قُتلوا أثناء حرب أكتوبر / تشرين الأول، عندما واجهت إسرائيل أكبر جيشين عربيين، المصري والسوري، في العام 1973.

ثمن الدم الذي دفعته “إسرائيل” في الضربة الافتتاحية لكتائب القسّام، لا يمكن للعقل الإسرائيلي استيعابه، فكيف الحال إذا ترافق مع إسقاط “ثعالب النار”، أي فرقة غزة التي تُعتبر “فخر الجيش الإسرائيلي”؟

في الساعات الأولى للسابع من أكتوبر / تشرين الأول كانت الصدمة أكبر من قدرة “إسرائيل” على فهمها، بالأحرى لم يستوعب أحدٌ في غزة وصولًا إلى طهران ما يجري.

حتى المقاومون أنفسهم لم يُصدّقوا أنّ الفرقة التي لطالما قصفت أهاليهم، والتي ناوروا سنوات لهزيمتها سقطت بهذه السرعة والسهولة.

لسنوات، تدّربت “إسرائيل” على مواجهة سيناريوهات سيئة، وبعضها كان أسوأ ممّا حصل في ذلك السبت.

وضعت خططًا مُتحسّبةً سقوط 500 قتيل (وهو ما تُعدّه رقمًا كبيرًا) في أيّ حربٍ على الجبهة الشمالية لفلسطين المُحتلة، ضدّ حزب الله الذي تعدّه أقوى من “حماس”.

إلا أنّ الضربة أتت من الجنوب الفلسطيني. ضربة نَفّذها أصغر أركان محور المقاومة عددًا، وأقلّهم قدرة تسليحية، ورغم ذلك سقط للعدّو أكثر من 1400 قتيل، حتى تاريخ كتابة هذه السطور.

لذلك، سيكون لِما جرى تداعيات كبيرة، خاصة أنه عند الجبهة الجنوبية كانت “إسرائيل” تتوقّع اقتحامًا صغيرًا لمستوطنات لكن ليس بالحجم الذي جرى صباح ذاك السبت.

الآن، نحن نشهد على جُزء من ردّة الفعل الإسرائيلية الناتجة عن الألم والغضب الذي تسبّبت بهما “القسّام”.

مشاهد القصف على غزّة، القاسية والمؤلمة، ووجعنا الذي نُشاهده ونراه يوميًا على الشاشات، هدفه إيلام بيئة المقاومة الحاضنة.

يريد العدو إيصال رسالة: “هذه خياراتكم، وهذا ما تدافعون عنه، فتحمّلوا نتيجته”. وهو ما عبّر عنه بوقاحة رئيس الكيان الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ عندما قال:

“الأمّة كاملة تتحمل المسؤولية، وليس صحيحًا القول إنّ المدنيين في غزة غير ضالعين في الأمر”.

المجازر التي يرتكبها العدو هي تعبيرٌ عن وجعه. فما فعله أبناء غزة، لم يكن طبيعيًا على كل المقاييس. هيبة الجيش الإسرائيلي انكسرت. شعور المستوطنين بالأمان انتهى. الثقة بـ”الدولة الإسرائيلية” انكسرت.

فقط 20.5% من المستوطنين قالوا إنّهم يثقون في حكومة بنيامين نتنياهو، وفق “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، وهي أدنى مستوى لثقة المستوطنين بحكومتهم منذ 20 عامًا.

ما بعد 7 أكتوبر / تشرين الأول ليس كما قبله، لا على صعيد المنطقة، ولا على صعيد الكيان، ولا على صعيد قطاع غزة.

“إسرائيل” أعلنت الحرب، وهي تعتبرها حرب وجود، مدركة بأنها إذا انكسرت فيها فذلك يعني نهاية الكيان ككلّ.

أسباب القصف الإسرائيلي القاسي على قطاع غزّة ليست محصورة في الألم الذي شعرت به “إسرائيل” وعزمها على ترميم صورتها التي كسرتها “القسّام”، بل بسبب نتائج اليوم التالي لوقف الحرب.

الغزّيون كتبوا التاريخ، ولو أنّهم لم يشعروا بحجم هذا الإنجاز بعد لأنهم مشغولين بتضميد جراحهم.

نقطتان أساسيتان ينبغي التركيز عليهما لشرح كيف حوّل الغزيون مجرى التاريخ:

الأولى، هي أنّهم حرّروا جزءًا آخر من فلسطين. فمن المتوقّع أنّه خلال السنوات العشرين المقبلة، ستبقى المستوطنات في محيط غلاف غزة شبه خالية، وكل الإجراءات التي ستّتخذها حكومات العدو (مجددًا: إذا بقيت “إسرائيل” موجودة) لن تقنع إسرائيليًا بالعيش بالقرب من قطاع غزة.

النقطة الثانية، هي وقف قطار التطبيع العربي مع العدّو. فبعد انتهاء الحرب، “إسرائيل” لن تعود كما كانت. ستصبح شعوب منطقة الشرق الأوسط أكثر جرأة تجاه مواجهة العدو على الصعد كافة.

أمّا الدول المطبعة مع الكيان، فهي ستُراجع حساباتها. ربما لن تنسحب من “الاتفاق الإبراهيمي”، خوفًا من الغضب الأمريكي عليها، لكنها بالتأكيد ستُجمّد عددًا من بنوده.

ينبغي التذكير والتشديد أنّه عشية السابع من أكتوبر / تشرين الأول، كانت منطقة شرق الأوسط، والعالم الإسلامي، قاب قوسين أو أدنى من تحقيق تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية.

إعلان السلام وتطبيع السعودية مع العدو كان سيعني أنّ أغلب الدول الإسلامية في غرب آسيا ستنضّم إلى اتفاقيات التطبيع، وقد لمّح العدو سابقًا إلى الدول التي تنتظر الخطوة السعودية لتلتحق بها، وهي إندونيسيا وماليزيا وباكستان.

التطبيع السعودي – الإسرائيلي لو حصل، كان سيجعل حركات المقاومة في فلسطين والمنطقة منبوذة، وكان سيؤثّر عليها سلبًا.

خاصة وأنّ ما كان مطروحًا أمريكيًا وسعوديًا هو تقوية السلطة الفلسطينية المتعاونة مع العدو، ودعمها اقتصاديًا، للقول لأهل قطاع غزة المحاصر، خيار المقاومة سينعكس سلبًا عليكم، انظروا إلى الضفّة المحتلة وكونوا مثلها.

“إسرائيل” بعد الحرب أمام ورشة عمل كبيرة ستُغيّر شكل الدولة والطبقة الحاكمة وطبيعة المجتمع الإسرائيلي، الذي سيُفضّل قسم منه الرحيل على البقاء في بلدٍ لا يُوفّر له الأمن.

ما جرى صباح السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، غيّر تاريخ المنطقة وسيبقى محفورًا في وجدان الجميع.

بعد خمسين أو 30 عامًا سنتذكّر أين كان صباح ذلك اليوم. كيف عرفنا بما يجري. كيف شعرنا حينها.

ما كانت ردّة فعلنا الأولى عند رؤيتنا المشاهد الأولى لاقتحام مقاومي “القسّام” الأراضي المحتلة المحاذية لقطاع غزة.

في صباح السابع من أكتوبر / تشرين الأول، قرّر القائد العام لكتائب القسام المُجاهد محمّد الضيف تغيير مسار هذه الأمّة. في غضون ساعات، استطاعت المقاومة الفلسطينية ومعها الغزيون، رسم شرق أوسط جديد، وهذه المرّة هذا الشرق سيكون مرسومًا بقلم فلسطيني.

شاهد أيضاً

إردوغان والأسد إن التقيا “قريباً”.. في بغداد أم أبو ظبي؟

  توفيق شومان تبدو المساعي العربية والإيرانية والروسية في سباق غير معهود لإنتاج تسوية سورية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *