كَبُرَ هذا الطفل، وتمسك بمقاومته

د. ليون سيوفي
باحث وكاتب سياسي

كنت ومنذ زمن أراقب هذا الطفل الذي كان يحارب عدوه بالحجارة مستغرباً صموده وإصراره على مواجهة من احتل أرض أجداده بهذه الشراسة.
ففي 8 كانون الثاني من عام 1987 , انطلقت أول حركة احتجاج جماهيرية ضد الاحتلال وكانت ” الإنتفاضة ” في قطاع غزة . و كان من الاسباب الرئيسية التي فجرت هذه الانتفاضة , تطور محادثات السلام بشكل بدأ يأخذ مساره ضد الفلسطينيين ، فالحادث الذي أشعل فتيل الانتفاضة هو أنّ
حادث صدم يهودي في غزة بحافلته لسيارة تقل عمالا فلسطينيين أسفر عن استشهاد 4 فلسطينيين و إصابة 9 غيرهم مما أغضب الفلسطينيين وكانت تلك الحادثة بمثابة إشعال لفتيل الثورة الفلسطينية التي أُطلق عليها اسم “الانتفاضة “.
فرد جيش الكيان الاسرائيلي ضد الفلسطينيين بأسلحته الثقيلة والدبابات التي واجهها الشعب الفلسطيني بالحجارة والعصي نعم كونه لم يكن يملك الاسلحة انذاك. وبلغ عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا خلال هذه المواجهة “الانتفاضة” اكثر من 1300 شهيد , بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المعوقين الذين قامت قوات هذا الكيان بكسر ذراعهم أو ساقهم بحجة أنهم كانوا يرمونهم بالحجارة . ولكن وعلى الرغم من كل المجازر والتعذيب والقتل , استمر الشعب الفلسطيني بكل فئاته رجالاً ونساءً , طفلاً كان أو مسناً في مقاومتهم دون انقطاع .
أطفال فلسطين خاصةً أبناء غزة كانت لديهم تجربة حياة مختلفة تماما عن سائر أطفال العالم، فصنعوا تاريخهم وتاريخ وطنهم بمقاومة شرسة، وتعلموا كيف يعيشون الحياة التي سرقت منهم بتفاصيلها، وحملوا قضية تخلى عنها الكثيرون، ودفعوا حياتهم ثمنا لها .
قد نتعاطف معهم ونتألم حينما نراهم يصرخون موجوعين، ولكنهم ورغم كل ما حصل لهم يعيشون الحياة رغما عن أنوف من أراد لهم الموت.
عاش الطفل الفلسطيني بمعزل عن البيئة الدولية عانى من كافة أنواع الحرمان من أبسط الحقوق الدولية التي يتمتع بها كافة أطفال العالم، أطفال الشعب الفلسطيني ليسوا كغيرهم من الأطفال فقد عاشوا التعب ومعاناة الحصار والجوع والألم ، مشاهد تلخص حياة أطفال في فلسطين ففقدوا معنى الطفولة ،الطفولة في فلسطين لا تعني اللهو واللعب و متعة الحياة بل القهر والحصار والانتفاضة التي أنهكت هذا الشعب ..
أطفال فلسطين كبروا سريعاً بسبب وعيهم وتشربهم الواقع من حولهم، وبسبب التجارب التي مروا بها خصوصا تجارب الحرب التي آلمتهم وجعلتهم صامدين وأكثر شجاعة وحرية وإحساسًا بالمسؤولية.
وكبر هؤلاء الاطفال وأصبح هدفهم تحرير وطنهم وأصبحوا يحاربون بشراسة غير معهودة مستعملين كل قدراتهم المعنوية والعسكرية والعلمية وواجهوا كما يقال جيش من اقوى جيوش العالم ان كان مخابراتياً وعسكرياً دون خوف ..
عندما يصرخ القلم يكتب من دم أطفال فلسطين أطفال ليسوا كباقي الأطفال
وفي النهاية لن تدوم لدولة الظلم قائمة مهما طال وقتها، فلا يغر الظالم إمهال الله له، فالملك بيده يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء، وسوف تتنزل على الظالمين نقمة الله ومن ناصرهم، حتى ولو بعد حين.
هل سنشهد يوماً اطفالنا كأطفال فلسطين يدافعون عن لبنان أرض اجدادهم ويحاكمون من اغتصب طفولتهم وحقوقهم وارضهم؟
هل ستصحو الثورة التي سميت ب “١٧ تشرين” من رحم معانات هذا الشعب ام سنبقى مخدرين على يد من لا يفرقون بين الفورة و معنى الثورة؟

شاهد أيضاً

وزير الثقافة استقبل النائب عدنان طرابلسي: لتفويت الفرصة على عدوِّنا باتحادِنا وتضامننا والالتفاف حول عناصر قوتنا المادية والروحية.

استقبل وزير الثقافة في مكتبه في المكتبة الوطنية في بيروت النائب الدكتور عدنان طرابلسي وتداول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *