تناوب الأصواتُ الساردةُ في رواية تأبين كائن خالد لياس السعيدي

إبراهيم رسول

الرّوايةُ صادرةٌ عن دار الشؤون الثقافية العامة في العراق بطبعتها الأولى في سنة 2023. ننوّه إلى ملحوظةٍ مهمةٍ وهي:
أننا نعني بالأصوات هي الشخصيات التي تكلمت وساهمت في بناء الرّواية العام, وأنَّ مصطلحَ ” الساردة” أي الشخص الذي ساهم في صناعةِ الأحداث الرئيسة والثانوية, وقدْ اختلف النقاد في استعمال مصطلح الراوي والسارد, فمنهم من يستعمل مفردة الراوي وهم( سعيد يقطين, عبد الله إبراهيم, محمد عزام وآخرين) ومنهم من استعمل مصطلح السارد ومنهم ( عبد الملك مرتاض, سعيد علوش وغيرهم العديد), نحن سنقرأ هذه الأصوات ونُبين الصراع النّفسي في داخلها:

أوّلًا: المبدع, ونعني به الشخص المؤلف الذي خلقَ هذه الحكاية الكبيرة التي ساهمت بها عوامل كثيرة لتبدو بهذه الهيئة, والمبدع هو ذاته ياس السعيدي الذي تمّكن من بناءِ تصويرٍ فنّيٍ للحكاية, ومشاركته في بناء الرّواية كانت يتسم بين بين, أي تجده يتدخل في أحيانٍ وفي بعض الأحيان يترك شخصياته تُعبر عن حكايتها بذاتها, فهو أعطى حرّيةً واسعة لشخصياته لتسرد قصّتها دون إملاء آيديولوجيٍ مقصودٍ.

لا يمكن أنْ تهملَ شخصية الكاتب, لأنَّه الخالقُ المبدع لهذه الحكاية التي هي بالتأكيد حكاية غير نمطية من حيث البناء الفنّي الأسلوبي, ومن ثمَ تبدو على الرّواية ثقافة واسعة في استعمال المفردات بصورةٍ جيدة, فهو وافق بين المبنى والمعنى من حيث اللغة. البدايةُ مع المؤلف لأنَّه خالقُ العمل, وهو الذي أوجد الشخصيات وبث فيها من خياله الشيء الفنّي الذي جعل القارئ يتفاعل معها التفاعل الإيجابي.
فالتناوبُ في هذه الرّواية هو الدور الذي تأخذه الشخصية بعد الشخصية وهكذا, فالرّوايةُ بدأت بصوت المؤلف ومنه انتقلت إلى باقي الشخصيات وكان منها ناصر.

الثاني: ناصر
الصوتُ الثانيّ أو البطل الذي قامت من خلالهِ الحكاية الكاملة, فهو يمثل أهم شخصية في الرّواية, إذ لولاه لما كانت باقي الشخصيات إطلاقًا. إنَّ معرفةَ أهمية الشخصية, يكمن في الاختبار البسيط الذي هو أنْ نقتلَ هذه الشخصية ونرى ماذا يحصل في الرّواية من أثر, فشخصية ( ناصر) التي إذا قتلناها أو أهملناها, يعني أننا نحكم على الرّواية بأنّها روايةٌ خالية من الشخصية الرئيسة.
تأتي أهمية شخصية ( ناصر) بعد أهمية المؤلف, لأنَّه الرّاوي الذي نقل لنا الحكايات الأخرى وهكذا تأتي أهميته في أنّه يمثلُ العمود الفقري في جسد الرّواية.

الثالث: العم أحمد
أكثر أصوات الرّواية كلها, فهو الحكاية الكبرى في الرّواية, وهو شخصيةٌ تعاني من صراعٍ نفسيٍ كبيرٍ, ظلَّ يرافقه من طفولتهِ المبكرة حتّى موته ( إعدامه), يسردُ لنا العم أحمد حكايات هي قصة الإنسانية المعذبة, فحكاياتهُ كلّها وثيقة إدانة بحق بشرية البشر أو آدمية بني آدم أو قلْ إنسانية الإنسان, قصص العم أحمد لا يمكن أنْ تمرَ على القارئ دون أنْ تُحدث الأثر الكبير في نفسهِ, بدايةً من قصته مع أخيه وحكاية ( البيضة) , رمزية البيضة ظلّت تلازمه حتّى آخر حياتهِ حينما قُدمَ للإعدام رميًا بالرصاص, سأله أحدهم ( عبد العظيم) عن أمنتيهِ الأخيرة فقال: بيضة.
وحكايةُ البيضة تحيلنا إلى أزمةٍ كبيرةٍ كانت تعاني منها شريحة كبيرة من الشعب , جريمةٌ كبرى ألا تملك في بلد السواد لقمة تأكلها, جريمةٌ كبرى أنْ تصلَ الحالة بأنْ يضرب الأخ أخاه من أجلِ بيضة! وتستمرُ سلسلةِ قصص العم أحمد التي يجمعها , الألم الإنساني, الألم الذي يُصاحب الإنسان في كلِّ أطوار حياتهِ, الألم الذي يجعل الإنسان يسلك الطرق غير التي يعرفها ويخوض غمار أشياء ليست من ذاتهِ, الحياةُ قاسيةٌ وظروفها لا ترحم الضعيف, فالحياة خلق للأقوياء لا للضعفاء بحسب مفهومها القاسي.

الرابع: أخ العم أحمد

هذا الأخ هو المتن السردي للحكاية, لولاه لما كان هناك قصة, فالقصةُ لا يمكن أن تتجاوزه في حالٍ من الأحوال, إنّه يمثلُ المادة التي حُكيت أو التي جعلت للقصة الفكرة الداخلية التي يسرد من خلالها العم أحمد حكايته المؤلمة, بقيت عقدة الأخ حتّى مقتلهِ, هذا الأخ هو المادة المهمة التي إذا اسقطت من الرّواية أصابَ الرّواية. وجود هذه الشخصية بهذه القصّة من قُبيلِ الحضور المركزي المهم.

الخامس: الوالد

والد العم أحمد هو البداية الأولى لسردية هذه الحكاية فبدايةُ المعاناة تبدأ منه وتستمرّ الالام هذه الأسرة من مقتلهِ, لكن الجميلَ في الرّوايةِ هذه, أنّ المبدعَ لم يخلقْ شخصياته دون دورٍ مهمٍ يقدم التطوّر لأحداث الرّواية.

السادس: الأخت

لهذه الشخصية حكاية مهمة , فهي تمثلُ حقيقة عُري المجتمع الذي يُحاكم المرأة لا لذنبٍ إلا لأنّها امرأة ! يقولون عنها: أنّها بنتُ زنا ويلومونها ويتناسون السبب الأصلي, هذه الأخت قدْ عرّت المجتمع الذي يتبجح بالقيمِ ولا يطبقها علة نفسهِ, هو مجتمعٌ متناقضٌ يحملُ عقده معه.

التناوبُ في السرد كان متقنٌ جدًا, فالكاتبُ أتقن فنّ الحكي وأتقن آلية الحكي أيضًا, الأدوارُ التي وُظِفتْ لكل شخصية هي أدوارٌ جيّدة من حيث التوافق التام مع الشخصية, تقنية التناوب في الحكي تجعل القارئ يتطلع إلى سماعِ كل شخصيةٍ والتعرّف على قضيةٍ مأساويةٍ أخرى, القصصُ الواردةُ هي غير بعديدة عن الذاكرة العراقية التي عانت العجب العجاب من بطش السلطة الفاشية التي حكمت بقوة الحديد والنار, هذه الذاكرة قدْ عايشت أبشع صور الموت المجاني اليومي. وّزعَ المبدع الحكايات بالتقنية التناوبية وأعطى للشخصية المساحة الواسعة من الحرّية.
تقنية التناوب هي أصعب التقنيات البنائية في الرّواية, وتحتاج إلى مبدعٍ حرّيف في الكتابة, كونها تعتمد على مميزات لا توجد في باقي الأساليب, الانتقالاتُ الحكائية التي يحيلنا إليها المبدع ذات اليمين وذات اليسار, جعلتْ الثيمة الأصل تتفرع إلى ثيمات ثانوية كلّ واحدة منها تحتاج إلى تدبر طويل وتصوّر في حالة الإنسان الذي عايش وعاصر هذه الحقبة المظلمة في تاريخ الإنسانية المعذبة.
الأصوات المتعددة التي أطلقه ميخائيل باختين على الراوية التي تكثر فيها الشخصيات وكل شخصية لها الدور المهم والمؤثر في بناء الرّواية العام, هذه الرّواية من هذه الرّوايات متعددة الأصوات, فالصوتُ فيها لا يبدو أحاديًا بل يتعدد هذا الصوت تبعًا لتعدد الشخصيات التي خلقها المبدع من وحي مخيلته الواسعة وذاكرته المليئة بالقصص التي أعطى لكل شخصية قصة تسردها. وراء كل شخصية من هذه الشخصيات قصة, وهذه القصة تحكي مأساة, فمجمل الرّواية هو تراجديا بامتياز, لا توجد فيها فسحة واحدة أو بعض المواقف الإيجابية في حياة أيّ شخصية! رّواية عجيبةٌ من حيث أنّها تحكي الألم وتسرد أثر هذا الألم من لحظة البداية حتّى لحظة البوح والحكي ومن ثم النقل عبر مخيلة المبدع الخصبة, تبادلت هذه الأصوات حكاية الوجع, فهي الرّواية تؤرخ وتعطي التصوّر الكبير عن تاريخ مرحلة سياسية عصيبة في الذاكرة العراقية, فهي روايةٌ ناقدةٌ لحالة الفجيعة والقسوة التي لا يوجد نظيرها إلا عند سلطةٍ تماثل هذه السلطة في كراهية الإنسان الذي يرفق قسوتها المفرطة.
اللغةُ وسيلةٌ, فمن هذه الجملة نستشف المهارة في استعمال اللغة من صورتها العادية إلى صورتها الإبداعية, فبلاغة الألم تحتاج إلى لغةٍ إبداعيةٍ تُعبر عنه وتصوغ المفردة في قالبِ جملةٍ رّصينةٍ تجعل صورة الألم قريبة إلى مخيلة المتلقي الذي يقرأ القصة بعد زمنها الفعلي بعقد من الزمن أو عقود وربما بعد قرنٍ أو قرون, فقيمةُ العمل الإبداعي هو أنّه لا يعترف بعنصر الزمن إطلاقًا, لأنّ الأدبَ هو الضميرُ الإنسانيُ الذي يُعبر عن الحس الجوّاني لعالم الإنسان,
هذه الرّواية التي تصنف على أنّها حمّالة أوجهٍ كثيرة كونها اشتغلت على تقديم أكثر من خطاب في الوقت ذاته, لذا هي تنفتح على أبواب تأويلية كثيرة , يستطيع أنْ يحللها المتلقي ويأخذ من تحليله العديد من أوجه الوجع الإنساني الذي عاشه الفرد العراقي في حقبة تاريخية معلومةٍ .
لمْ تكنْ قصّة واحدة, بلْ لكلّ شخصّية قِصّتها التي تُعبر عنها, تناوب الأصوات هو تناوبٌ قصصيٌ, الذكاءُ المميزُ عند المبدع جعل من كلّ قصّة تعبر عن ألمٍ إنسانيٍ عاشهُ الكثير من العراقيين في مرّحلةٍ صعبةٍ وقاتمة , التناوبُ هو الذي أعطى الزخم والتدفق الحكائي في هذه الرّواية الصغيرة بالقياس إلى الثيمات الكثيرة ضمنتها, لمْ نجدْ الترّهل الممل الذي يصيب العديد بل الغالبية العظمى من الرّوايات, لكن, في هذه الرّواية لا تجد إلا النافع الذي يُقدم للسردية التطوّر والتقدم, تستطيع أن تقرأ الرّواية في جلسةٍ واحدةٍ , لأنَّ عنّصرَ التشويق يُسايرك من اللحظةِ الأولى حتّى تنتهي الرّواية, وأنت تقرأ قصة شخصية وتتفاعل معها لتدخل في قصة أخرى لتجد أنّك متفاعلٌ معها أكثر وأكثر, النزوع الفلسفيُ لمْ تخلُ منه رّواية, كون الفلسفة تُضيف لأدبية الأدب الشيء الكثير وتعطيه صفة التأمل العقلي الذي لا يكتفي بالمتعةِ فحسب, إنّها متعةٌ ممزوجة بالتدبر والتأمل الكبيرين, فلسفةُ المبدع في خطابهِ الرّوائي هذا, هو فلسفةٌ تحليلةٌ جوّانيةٌ تغوصُ في باطن الباطن وتدخل إلى صميمٍ الحالة لتُشخصّها من الداخل وتأتي بأسبابها فعلى سبيل المثال, نجدهُ يُحاكم السبب من أصلهِ لا نتيجته التي جاءت منه, حينما يقول على لسان شخصيته في تعريفهِ لابن الحرام, حينما كانت الأخت هي ضحية تزاحم ثلاث رجال في قسم الشرطة على أمهِ واختلف أيّهم يكون الأب: حسنًا, هي ابنة حرام لكن من يشي بالناس ويرسلهم إلى المشانق ابن حلال ! والذين اغتصبوني في مركز الشرطة أبناء حلال ! والذي شنق زوجي كان ابن حلال ! وأقارب زوجي وأصدقاؤه الذي تخلو عنا أبناء حلال ! ومن أوصل البلاد والناس إلى هذا الحال من القسوة والرعب هو ابن حلال أيضًا( الرواية: 59)
في هذه الكلمة نجد شخصية المؤلف أكثر من شخصية الأم التي عبرت بلسانها هي عبر خطابٍ تبدو فيه أدلجة فلسفية واضحة, وهذه الفلسفة بعدية عن الأم البائسة التي تعيش في ظروفٍ قاسيةٍ, إلا أنّ تضمين المبدع لسان المرأة هذه اللغة وهذا الخطاب كان موفقًا كونه يتفق والسياق العام للحالة التي وصلت إليها قراءة الموقف.
رّواية ناقدةٌ للفكر الذي يُسطّح الأشياء ولا يتعمق في باطنها, رّواية كاسرةٌ للنمطية التي نقرأها في الكثير من الرّوايات العراقية التي تعالج ذات الموضوع, فكرة الرّواية ليست غريبة عن ذاكرة العراقي الذي يعرف الكثير وربما الأكثر , لكن المعالجة كانت ممتازةً من حيث البناء الأسلوبي الذي عُولجت فيه, هي رّواية أعطت للسردية العراقية إضافة جيّدة.

شاهد أيضاً

يتساءل كثير من الإسرائيليين الآن، على وقع ما يسمعونه من اعترافات ويقرأونه من تحليلات وتقديرات مواقف إسرائيلية وأمريكية على وجه الخصوص للواقع الراهن للصراع المتفجر داخل إسرائيل بسبب الفشل فى تحقيق الأهداف التى جرى إعلانها للحرب على قطاع غزة والتخبط الشديد لدى القيادات الإسرائيلية فى معرفة التوجهات المستقبلية لمرحلة ما بعد هذه الحرب ليس فقط بالنسبة لقطاع غزة ولكن أيضاً بالنسبة لإسرائيل: «هل عاد التاريخ لينتقم» و«هل آن أوان دفع الأثمان وانسحاق الأسطورة الإسرائيلية»؟ يقارن هؤلاء الإسرائيليون ومعهم كثيرون فى العالم بين واقع التأسيس لكيان الاحتلال وإعلان دولة إسرائيل عام 1948، وبين الواقع المأساوى الراهن الذى أخذ يفرض نفسه على إسرائيل. المقارنة بين ما كان من توحد عالمى حول «الأسطورة الإسرائيلية» وبين الانفضاض العالمى عن دعمها، فى وقت أخذت تتفاقم فيه مؤشرات التفكك الداخلى فاقم من تدنى مؤشرات الثقة فى مستقبل كيان الاحتلال وكان الدافع الرئيسى لطرح هذا السؤال. ففى سنوات التأسيس الأولى لكيان الاحتلال، بل ومنذ مؤتمر بازل عام 1897 حدث تحالف بين الحركة الصهيونية كحركة سياسية معنية بإيجاد «الحل التاريخى للمشكلة اليهودية» وبين النظام الرأسمالى العالمى الذى قام بدور «الحاضنة» لهذا الوليد الجديد بفضل فعالية القوى المالية اليهودية العالمية فى إدارة النظام الرأسمالى العالمى. وإذا كان العالم قد بدأ يشهد انتفاضات مليونية عالمية، خاصة منذ تسعينيات القرن الماضى ضد النظام الرأسمالى العالمى وبالذات فى أوج تسيّد ما سمى «الليبرالية الجديدة» على هذا النظام ، فى حركة عالمية واسعة معادية ورافضة لهذا النظام، أخذت اسم «المجتمع المدنى العالمى» أو «ثورة الشارع السياسى العالمى»، فإن ما حدث من تحولات هائلة فى حركة، ثورة هذا الشارع السياسى العالمى المناهض للرأسمالية الليبرالية الجديدة. كرد فعل لحرب الإبادة الإسرائيلية الجنونية للشعب الفلسطينى فى قطاع غزة جاءت لتكشف الغطاء عن حقيقة التحالف بين الحركة الصهيونية العالمية ودولتها الإسرائيلية وبين النظام الرأسمالى العالمى، الأمر الذى أدى إلى إثارة الذعر لدى كبار العقول اليهودية خشية أن ينتقل عداء ثورة الشارع السياسى العالمى للنظام «النيوليبرالى الرأسمالى العالمى» إلى عداء ليس فقط لإسرائيل بل وأيضاً لليهود بشكل عام. ولعل هذا ما دفع الكاتب الأمريكى اليهودى الشهير توماس فريدمان إلى أن يكتب فى اليوم الرابع لحرب إسرائيل ضد قطاع غزة فى صحيفة «نيويورك تايمز» مناشداً الرئيس الأمريكى جو بايدن بالتدخل الفورى والسريع فى غزة «قبل أن يشكل هذا النزاع خطراً على يهود العالم». هذا الذعر وخلفياته أكده انفجار حركة الرفض الواسعة لطلاب الجامعات الأمريكية والأوروبية لحرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى، وانحيازها ودعمها لحق الشعب الفلسطينى فى الحرية وتقرير المصير . انفضاض العالم، عن إسرائيل بكل ما يعنيه ويحمله من مخاطر لا ينافسه إلا انفضاض كثير من الإسرائيليين عن إسرائيل نفسها والتدافع للهجرة إلى الخارج خشية ما بعد نهاية الحرب فى غزة التى بدأت معالمها تتكشف فى تفجر الصراعات السياسية داخل الكيان، والحديث عن «انقلاب عسكرى» محتمل ضد بنيامين نيتانياهو وحكومته، وفى كثافة اعترافات عدد كبير من القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين بأن «إسرائيل انهزمت» وأنها «غير قادرة على هزيمة حركة حماس، وتأييد مصادر سياسية وإعلامية أمريكية كبرى لهذا الاستنتاج. خطر التفكك الذى ينبئ باحتمال سقوط «أسطورة إسرائيل» أخذ يفرض نفسه من خلال العديد من المؤشرات المهمة أبرزها: – اتساع موجة الرفض داخل جيش الاحتلال الإسرائيلى للخدمة العسكرية فى غزة، حيث كشف النقاب عن موجة رفض للخدمة العسكرية فى غزة بدأت تنتشر فى الجيش الإسرائيلى تشمل مئات الجنود والضباط فى الاحتياط ، تحدثت عنها باستفاضة صحيفة «هاآرتس»، مؤكدة أن «المئات يغادرون البلاد ولا يعودون» من هؤلاء الجنود والضباط الذين وقع بعضهم (41 جندياً وضابطاً) أول خطاب حمل اسم «رفض خدمة» يصدره ضباط وجنود الاحتياط منذ بدء الحرب فى غزة. – اتهام بنيامين نيتانياهو قوى اليسار بالدعوة إلى اغتياله فى حوار مع «القناة 14» (23/6/2024)، وقال إنه «بات قلقاً على حياته وعلى حياة أولاده وزوجته»، وتحدث عن التهديد الذى يتعرض له من المتظاهرين أمام بيته. وبعد يوم واحد من هذه التصريحات خرجت زوجة نيتانياهو (سارة) بإعلان درامى اتهمت فيه الجيش بمحاولة تنظيم انقلاب عسكرى ضده خلال لقاء أجرته مع عدد من ممثلى عائلات (الأسرى الإسرائيليين) وكشفت النقاب عنه صحيفة «هاآرتس» . وأكد هذا الاتهام ابنها «يائير نيتانياهو» مع متابعيه على حساباته على الشبكات الاجتماعية عبر منشورات اتهم فيها قادة الجيش «بتنظيم انقلاب عسكرى على والده للتغطية على قصورهم فى مواجهة هجوم حماس على البلدات الإسرائيلية فى 7 أكتوبر 2023». – اعترافات نيتانياهو وقادة الجيش بالعجز عن هزيمة المقاومة الفلسطينية خاصة هدف القضاء على حركة حماس سياسياً وعسكريا. فبعد مضى ما يقرب من تسعة أشهر من شن حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة اضطر بنيامين نيتانياهو أن يعترف بالعجظ ويؤكد أن بلاده تحتاج إلى الأسلحة الأمريكية فى «حرب من أجل وجودها»، ما يعنى أن خطر الحرب فى غزة أضحى مهدداً للوجود الإسرائيلى نفسه، وجاءت اعترافات الناطق العسكرى الإسرائيلى دانييل هاغارى حول «استحالة القضاء على حركة حماس» لتؤكد عمق المأزق الذى يواجه المستقبل بل والوجود الإسرائيلى نفسه. – التحول العكسى لهدف فرض التهجير القسرى للشعب الفلسطينى من قطاع غزة لضمه إلى إسرائيل باعتباره «الهدف الاستراتيجى» لحرب الإبادة الإسرائيلية. فالشعب الفلسطينى أكد صموده، لكن العكس هو الذى يحدث الآن وهو الهجرة الفعلية الإسرائيلية إلى خارج الكيان هروباً من خطر «سقوط وتفكك الأسطورة»، فما يقرب من نصف مليون إسرائيلى غادروا البلاد منذ تفجر «طوفان الأقصى» خاصة إلى كندا واستراليا وألمانيا. الأسطورة تتساقط ، وهكذا يعود التاريخ لينتقم ويضىء الأمل ليس فى مجرد تحقيق حلم دولة فلسطينية، ولكن أمل استعادة كل فلسطين على أنقاض المشروع الذى يتهاوى. لكن يبقى السؤال الأهم: أين هى الحاضنة العربية التى سيكون بمقدورها احتضان هذا الأمل.. لحظة ولادته؟

د. محمد سعيد ادريس يتساءل كثير من الإسرائيليين الآن، على وقع ما يسمعونه من اعترافات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *