تحوّلات جبران باسيل من ناجي حايك إلى ربيع عواد

ما انتهى إليه رئيس “التيّار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، في احتفالية تدشين ولايته الثانية ليس أمراً عادياً أو طبيعياً في حزبٍ ما، أو في ظلّ حالة استثنائية نعيشها جميعاً. لا من حيث التعيينات التي اعتمدها في رأس هرم القيادة، ولا من حيث الخطاب شكلاً ومضموناً ومصطلحات، ولا من حيث مقاصدها وأهدافها. بالتالي، لا بدّ من قراءة المتغيّرات بتأنٍّ والبحث في أسبابها.

في خطاب الأحد، انصرف باسيل أكثر صوب التعبير عن هوية “التيار”. تحديداً الهوية التي يريدها ل”التيار”. من الواضح أن “التيار” لم يعد ذاك التيار “العوني”. أضحى الأعضاء “تياريين”. بين الأول والثاني، فرقٌ شاسع ترجمه ابتعاد “العونيين الأقحاح” عن “التياريين الجُدد”. في احتفالية الأحد، عاد جبران بـ”التياريين” إلى الجذور. أجرى مراجعةً عميقة، قادته إلى إعادة الاعتبار لمسائل “عونية” طواها النسيان. إلى مستويات شعبية وأفكار قديمة أخرجها من الحضور والتأثير، ويعيد تظهيرها الآن، محاولاً خلق توازن بين متطلبات اليوم وضرورات المستقبل، دون أن يغفل عنه الاستثمار في صورة “التيار المنفتح على الجميع”.

 

من التيار الشيعي الثالث إلى التحوّل لحزب مسيحي “نخب أول”. لم يأتِ إطلاقه توصيف “الممانعة” لفريقٍ شاركه “التيار” الحكم سهواً. حتّمت الواقعية السياسية على جبران باسيل اللجوء إلى خيارات كان يدّعي عدم مقبوليتها في هرمية “التيار”. أدرك الرجل، تحديداً خلال انتخابات 2022، ما قبلها وما بعدها، أن الإبقاء على السياسات ذاتها المعتمدة من قبله في ظل “مدّ مسيحي” عالي يستهويه خطاب “الاستقلالية والفدرلة”، سيحوِّله إلى ضحية في أي استحقاق انتخابي قادم. سيحوّل شعبية “التيار” إلى الحضيض، وسيكون أول المستفيدين الغريم “سمير جعجع”. يومذاك كانت استطلاعات الرأي تجمع على أن باسيل الخاسر الأبرز في الانتخابات. لذلك، عمل على أقصى استفادة ممكنة في انتخابات 2022 للمحافظة على شكلٍ وحضورٍ معينين ضمن تركيبة المجلس النيابي. قاده ذلك إلى طلب يد العون من الحلفاء. وعلى مبدأ المصلحة الإستراتيجية ساعدوه. حينها، كان جبران يعلم ماذا يريد، وكانوا هم (الحلفاء) يعلمون ماذا يريد وما يريدون. 

إنتهت انتخابات 22 بخسارة متواضعة نظرياً لجبران باسيل جاءت بطعم النصر ربطاً بما كان يُحضّر له، وسجلت تقدماً مقبولاً لقوات سمير جعجع. وحتى لا تصبح الـ22 قدراً في عام 2026، قرّر جبران إجراء “نفضة سياسية” شاملة على تياره، يؤسِّس من خلالها لحالةٍ حزبية وسياسية وعقائدية مختلفة كلياً، تملك القدرة على المنافسة مسيحياً والحفاظ على الوجود السياسي له ولحزبه، وتعفيه من عون الحلفاء. 

كان من بين الضروريات أن ينهي باسيل العمل بورقة تفاهم مار مخايل، وأن ينتقل بالعلاقة مع “حزب الله” إلى أسلوب مختلف لا يبقي النظرة إليه وكأن “التيار” يمثل امتداداً مسيحياً له. كان صاحب مصلحة في تغذية النقاشات والخلافات على وسائل التواصل بين جمهوري “الحليفين”، ونظر إليها بفائدة مرجوة كونها تنهي النظرة القديمة ل”التيار” بأنه “حليف الحزب”. تركها تتغلغل وأتاح معها فرصةً لاستنهاض وجوه الخطاب القديم للتيار، بمفرداته ورجالاته، في أن يعود ويهيمن على التوجّه السياسي، ويترك انطباعاً لدى الجماعة المسيحية. ومع بدء جني الثمار، تقرّب من الجو المسيحي العام من خلال الالتصاق أكثر بخيارات المعارضة المسيحية السياسية في مسألة رئاسة الجمهورية، ورفض فكرة “الفرض على المسيحيين رئيسهم” وصولاً للتماهي معها في شراكة سياسية حملت صفة “التقاطع”. وأخيراً، أوجدَ لهذه الحالة مكاناً في “التيار” وفي هرمية القيادة. بدايةً حين بات يعتبر أن خطابها في الوسط طبيعي ومقبول، وختاماً حين اختار لها ممثلاً في رأس الهرم. 

في الواقع، لا بدّ أن تنظر الفئات اليمينية المسيحية إلى التغييرات التي ذهب إليها جبران باسيل بكثير من الراحة. ولعلّ أفضل ما يريحها أنه أعاد الإعتبار إلى خطابها داخل بنية “التيار” الشعبية والمركزية، وأتاح له مزيداً من الحرّية ولو تحت نظره، حيث كانت دائمة الإعتراض في الماضي على إقصائها منه. أكثر من ذلك، إن هذه الفئات باتت تنظر إلى تمثيلها في الدكتور ناجي حايك كنائبٍ للرئيس للشؤون الخارجية، بمثابة ضمانة لخطابها داخل “التيار” وخارجه، وأداة مقنّعة وقادرة على مناقشة الغرب بإسم “التيار”، وهو ما يعيه باسيل جيداً، وتأميناً للحضور في السلطة والتأثير على القرارات الحزبية. 

لكن في المقابل، جبران هو جبران. يعلم جيداً كيف يُمسك “العصا” من المنتصف. رغم تماهيه الكامل مع “اليمينيين” لضرورات يقول أنها داخلية صرف وحاجة لـ”لمّ” تياره في محيط مسيحي هائج، “لا يقطع” مع الطرف الآخر على الرغم من خطابه الحاد تجاهه. أشدّ الأمثلة على ذلك موازنته التغييرات بإدخال عنصر إسلامي “شيعي” إلى هرمية القيادة تمثل بالمرشح السابق عن المقعد الشيعي في جبيل خلال إستحقاق 2018، ربيع عواد. 

ينتمي عواد إلى إحدى العائلات الشيعية الكبرى في جبيل، وينتسب إلى واحدة من القرى الجبيلية الأساسية، ويعدّ مقرباً من “الثنائي الشيعي”، ويمتاز بعلاقات أكثر من صلبة مع العائلات الجبيلية الشيعية. إذاً يمثل ربيع عواد ضمانة “شيعية” داخل قيادة “التيار”، وإن تعمّقنا أكثر لوجدنا أن جبران باسيل إستقصدَ تعيين ربيع عواد في مثل هذا المركز، حين فكّر بترقية ناجي حايك من ناشط في “التيار” إلى نائب رئيس للحزب. وفي تقدير متابعين، يريد جبران تطمين شيعة جبيل أولاً بربيع عواد، ومن ثم الشيعة الآخرين، ويلحقهم في آخر العنقود “الثنائي الشيعي”، وربما يريد “تهذيب” خيارات اليمين المسيحي التي تثير “نقزة” هذه الشريحة في جبيل وقد يكون يطمح إلى إمساك العلاقات الجبيلية الشيعية – المارونية، لا سيما بعد الإشكالات العقارية الدائمة أن “يُنيشِن” على مقعد الشيعة الجبيليين، أو ربما يريد أن يبعث برسالة إلى “حزب الله” “المتحفظ” على تعيين حايك في منصبه، بأن جعل له ميزاناً.

شاهد أيضاً

السوسن العالمية تكرم دبج ومبيض على مسرح الرابطة الثقافية

رعى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى وضمن فعاليات طرابلس عاصمة الثقافة العربية لعام ٢٠٢٤ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *