نبش الذاكرة.. لساحة الضيعة

علي منير مزنر

حكايتي مع الذاكرة بدأت مبكرة نتيجة علاقتي المميزة والحميمة مع قريتي الصّوانة التي كانت فانوس المحبة والصمت المعلّق.. كانت مرايا الحلم بوصفها ذاكرة الأزمنة والأمكنة.. بين السيرة الذاتية ورواية السيرة للحياة الحقيقية.. إنها قريتي المنبثقة من التاريخ والجغرافيا.. الممتدة على مساحة الساحة والذاكرة.. فكانت مشتلاً للحب والحنين لتلك الأيام العالقة في الذاكرة رغم حزن النسيان.. إنه ذلك الزمن الجميل.. زمن الحب والألم .. زمن الخوف والإلفة.. إنها ذاكرة الحنين لقريتي التي فقدت روحها وأهلها وناسها.. إنه زمن عرمة البيادر مع الينابيع الصافية كالقلوب الصافية.. زمن مطر الخير الذي كان يجمعنا حول موائد الدخون.. زمن الذين كانوا الخير والبركة.. كانوا خبز الأرض وعرقها.. كانوا حجارة الساحة ومداميكها.. كانوا كالرسوم المتحركة في ساحتها.. كانوا فريقاً واحداً كالجسد الواحد يفترقون لحظات المغيب حين تنطفئ الشمس وتبقى قواسمهم المشتركة عند عتبات الزمن مع تراب العتبة.. إنه زمن الحقيقة المطلقة.. فكانت الضعية هي ساحتها التي نهرب إليها من إيقاع الحياة.. إنها ذاكرة الأزمنة.. زمن أنين السنابل التي أطربتها المناجل وتماهت مع وهج تنور الحاجة أم خضر فكانت تستقي مشاطيحها سمرتها من شفق شمس الغروب وهي تغادر مدارها.. إنها ذاكرة الأمكنة لمصف الحب .. مصف عجائز الساحة الذي يبعث على الفرح.. فمع نبرة الأسى للحاجة أم كامل التي كانت أسيرة أحزانها.. إلى الحاجة جليلة المنتظرة عودة الحبيب الغائب محسن الغربة الذي عاد لتأنس عيناه بتراب الضيعة .. إلى أصالة أبو نعيم “جاد الله” الذي كان هائج الطباع رغم ارتجاف يديه لكنه كان صلباً في مواقفه.. إلى قلب الساحة كانت رجولة الوجع الممزوجة بأصالة الحب لأبو محمد دخل الله وزوجته أم محمد سعيد الحزينة السعيدة بعدما كانوا للوفا عنوان.. إلى ذاكرة السجل مع الداية”أم حسن” التي كانت تلامس قلوب أمهات الضيعة قبل أن تحتضن قلوبنا بالفرح ليكون لقاء الحب مع دموع الأمهات.. لأن أول الحياة البكاء.. إلى حكاية الذاكرة مع الداية “أم نعيم” التي كانت تتناوب على الحياة فتلد من الكلمات كلمات إنه لقاء الفرح.. إلى تسابيح الحاجة أم عبد الرضا وولدها العبد الذي كان للأرض شعلة حب فقاتل اليأس مع حلكة ظلام الفصول.. وكان حاضناً للشمس بين ثنايا الضباب .. فترك ظلالاً على الواقع……
إلى اللقاء في الحلقه الثانيه
مع ذاكرة الغياب….

شاهد أيضاً

إردوغان والأسد إن التقيا “قريباً”.. في بغداد أم أبو ظبي؟

  توفيق شومان تبدو المساعي العربية والإيرانية والروسية في سباق غير معهود لإنتاج تسوية سورية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *