“المدنيّة تمنح والوحشيّة تستبيح” للشاعر الأسترالي اللبناني الأصل شوقي مسلماني

د. محمّد مسلم جمعة

الشاعر شوقي مسلماني معاصر، يوظّف مخزونه الثقافي شعراً له نكهته وأسلوبه وإيقاعه ومنحاه، وفي قصيدته المعنونة: “المدنيّةُ تَمنح والوحشيّةُ تستبيح” التي نشرتها جريدة النهار البيروتيّة أخيراً بإشراف الشاعر عقل العويط يستهلّ بأن يذكر مفاصل شكّلت طبيعة المجتمعات بدءاً من “الصحراء”، وما ترمز إليه، الى النظام الرأسمالي ومندرجاته من طبقات مسيطرة، وما يحمل من أفكار استندت وتستند الى شهوة المزيد من التراكم الرأسمالي، وما ينتج عن ذلك من مجتمعات طبقية يفور فيها التمايز ما بين الأثرياء المتخمين والفقراء المسحوقين، ما يستدعي عادة ظهور أديان وفلسفات تأخذ على عاتقها إزالة الحرمان ونشر العدالة الانسانيّة على وجه الارض قاطبة.
وهنا يظهر المثقّف الإنتهازي الذي شعاره أنّ الغاية تبرّر الوسيلة ويضع كلّ ما يمتلكه من معرفة وتقنيّة في خدمة جهة. وهنا يبرع الشاعر شوقي مسلماني بدقّة التصوير وبإستذكار المعادلات الكيميائيّة والفيزيائيّة والرياضيّة التي يوجد من يوظّفها في خدمة سلطان المال .يبدع في تصويره لبشاعة وقساوة الطغاة الظالمين وهم من أبناء شعوبهم ولكن تحميهم قوى خارجية على قاعدة تبادل المصالح .
التحرُّر والتحرير، الرئيسي والثانوي، المَظهر والجوهر، الخاصُّ والعامّ، الطارئ والأصيل، العابرُ والمُقيمُ، و”لا رأسَ واحداً بمنأى عنِ المقصلة في وطنٍ منكوبٍ بالإحتلال”. وأيضاً لقصة الحضارة شرح وتشريح في شعر شوقي الجريئ والمختلف حقّاً، ويوظّف كلّ أسلوب، ويتساءل عن “من لا يعانق آية الحبّ عوض آية السيف”، وقوله “وكلّ ذلك قبل أن يُقرِّر أنّ هذه عين، وأنّها ليستْ إلاّ عينه. والتقوى هي غير اللّعب بمصيرِ الناس. والجهاد درءُ الخطَر عنِ الكلّ”. و”يرى إلى ذبابة بكلّ جلالِها، ويفتكرُ أنّ هناك مَنْ ينظر بعين الأصل والفصل، وأنّ هناك من ينظر بعين الكفاءة والعقل، وأنّ اليوم هو أيضاً من صنيع أمس”. ليقرّر فلسفيّاً أنّ “حقّ الإختيار الإنساني هو جوهر الذات”.
وأمّا المرأة التي مرّغوا وجهها بالتراب فقد سلبوها كامل حقوقها، “ومنهم مَنْ كان له على زوجتِه حقّ الحياة والموت، ومنهم من قال إنّ قلبَها حبائل ويديها قيد، والصالح ينجو منها والخاطئ يعلق بها، ومنهم مَنْ قال إنّ المهماز للفرَس والعصا للمرأة صالحة أو طالحة، إحذرِ الفاسدة ولا تركن الى الفاضلة، ومنهم مَن وأد”.
بارع الشاعر شوقي في تفصيل ما يظهر على الناس من متناقضات شكلاً ومضموناً، مظهراً وجوهراً، وهو يتساءل:”ترتيبٌ أم عملُ مصادفة أم مثابرة”؟. وهناك من التَهَمَ الوطنَ مستعيناً عليه بيديه ويُشاركُه، مثل الوحش، شارباه ولحيتُه، ليقول الشاعر أخيراً: “انتهابُ السيادة على أسبابِ الحياة \ انتهابٌ للسيادة على حريّةِ الإختيارات”.
وفي ما يلي مقاطع: الإنتهازي! \ مِنْ مطايا الغازي \ الشعوب! \ تغييبُها لا يُلغي إرادتَها \ التكنولوجيا! \ تُقرِّب \ الإمبرياليّة! \ تنهب \ “الأكبر والأصغر”! \ في الرياضيّات \ “الفعل وردّ الفعل”! \ في الميكانيك \ “سلبي وإيجابي”! \ في الفيزياء \ “الذرّات، التحامُها وانفصالُها”! \ في الكيمياء \ “التصادم الطبقي”! \ في الإجتماع.. \ الإستبداد والإحتلال! \ يتناوبان على بلادٍ ـ سجون \ وبإسم الممكن لا بإسم المستحيل \ تتداعى أمم.
**
وهناك من يقبض \ ثمنَ تخلّيه أو سكوتِه \ ومن يُصرِّح \ ليستر فضيحةً أو مؤامرةً \ من يكره اليهود ومُغرَمٌ بإسرائيل \ من يُحبّ اليهود ويرى إرهابَ إسرائيل \ من اختار مِنْ بين كلِّ المهن \ مهنةَ بيعِ قلمِه بالمزاد \ فيكون مِنْ نصيب الذي يدفع أكثر \ أو يعرضه في مناقصة \ باعتباره قادر \ على استحضار أخبث الكلمات \ بأقلّ كلفة \ ومَنْ يعمل أنّه مُطارَد \ ويشي بِمَن يأويه \ ويقبض ثلاثين فضّة \ أو يأوي المُطارَد \ ليضمنه ويشي به \ ويقبض.. \ ومواجهةُ الموت \ بالجرأة \ بالإقترابِ مِنْ تخومِه.
**
“ما من وسيلة \ تعين على الأجوبة القديمة \ سوى أن نطرح المزيد \ مِنَ الأسئلة الجديدة”.
**
الطغاة دواب \ رعاتُهم طغاة أكبر \ الطغاة المحليّون \ رعاتُهم طغاةٌ إقليميّون \ أو دوليّون.. مباشرة \ نقاباتٌ تبيع أعضاءَها \ في أسواق النخاسة.
**
مرَّغوا وجه المرأةِ بالوحل \ بعدما استولوا على حقوقِها \ وجعلوا الحيّة ليستْ أكثر سوءاً منها”.

شاهد أيضاً

بطاطس باللحمة المفرومة 🧡

المقادير: نصف كيلو لحمة مفرومة بصلة مفرومة 2 فص ثوم مهروس 2 جزر مفروم 2 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *