كوابيس

بقلم هيام فرج

كل المؤشرات كانت تدل أن يومي سيكون ” نحسا ” . أن أستفيق على ذلك الكابوس الذي يلازمني منذ ثلاثين سنة : وصلت إلى المدرسة , إلى قاعة الإمتحانات , وفجأة يكاد قلبي المتسارع النبضات أن ينفجرخوفا”, فبسحر ساحر تبخرت المعلومات التي أمضيت طوال العطلة بحفظها وتكرارها , كنت أعتقد أني حفظتها عن ظهر قلب . إستفقت عند هذا الحد من الكابوس , قميص النوم يعتصر عرقا” , شعري ملتصق بجلدة رأسي , ألهث كفأرة هاربة من قط شرس . مسحت وجهي بكفي وأنا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . متى يعتقني هذا الكابوس ويدعني بسلام ؟ ألا تكفي ثلاثون سنة من العذاب ؟ ألا تعتبر عودتي للدراسة بحكم التكفير عن خطيئتي ؟ لا فائدة, يبدو أن كل جهودي التي بذلتها لم تشفع لي لدى ملك النوم والأحلام .

رن منبه تلفوني المحمول , نعم , نعم , أيقظني كابوسي قبل أن يحين موعد إستيقاظي بقليل, لا بأس , هدّأت من روعي , وجررت جسدي الى المياه الباردة في الحمام عسى أن أستعيد توازني و نشاطي . خرجت من الحمام كما الآلة , لبست ثيابي على مهل , وصففت شعري, فاليوم يوم عمل .

إنتابتني نوبة هلع , تذكرت , اليوم يوم مفصلي في عملي , سأقدم عرضا لمشروعي أمام رؤسائي ,شعرت بالقلق , فكلما راودني هذا الكابوس يتعقد نهاري , تواجهني المشاكل , يجب أن أستعد جيدا”. راجعت ملفاتي , ووضعتها في حقيبة الكمبيوتر المحمول , تناولت قطعة من البسكويت الناشف ومشيت . عليَ أن أصل باكرا” الى المكتب , يجب أن أعطي إنطباعا” جيدا من خلال التزامي بالمواعيد .

خرجت من البيت قبل موعدي المعتاد بعشر دقائق , كم أن هذا مثاليا” , سأصل مرتاحة . التقطتني سيارة تاكسي عند جانب الطريق , أعطيته العنوان القريب جدا” واسترخيت في المقعد الخلفي , أشعر بالغبطة , فسائق التاكسي يدخل سي دي في مشغّل الأقراص, كم أشتهي صوتك يا فيروز , فوحده يدخل السكينة الى قلبي, ويجعلني أشعر بالسلام , ويساعدني لأصل الى عملي هادئة . صدحت الموسيقى الصاخبة بأنشودة لأحد الأحزاب ,استنفرت في مقعدي مرعوبة , أرجوالسائق أن يخفض الصوت , بل لو يخرسه , وهو ينظر إلي في المرآة مبتسما” كالأبله : جميلة هذه الأنشودة , وحماسية هي , أليس كذلك ؟ .لا يسمع جوابي , منهمك هو بالغناء , أرجوه أن يسكت ,أن يخفض الصوت قليلا , أن ينزلني من السيارة , يكاد رأسي أن ينفجر ,عبثا” أحاول , إستسلمت للأمر الواقع فخلال دقيقتين سأصل . إلهي ألهمني الصبر يا مولاي .

وصلت أمام المبنى حيث أعمل, سالمة , إلا من أعصابي التي أتلفتها هذه الموسيقى , وهذا الصخب , وهذا النشاز كله . شعرت بدوخة فظيعة , تنفست عميقا , وأنا أنظر في ساعتي ما زال لدي القليل من الوقت قبل موعدي. وصلت الى المكتب ألقيت السلام على زملائي وأنا أرمي بجسدي متهالكة على أقرب كرسي . طلبت فنجان قهوة أن أستجمع قواي خير لعملي من مراجعة أوراقي – تناولت فنجاني على عجل , وقفت أصلب طولي وأخذت بضع أنفاس منتظمة : شهيق , زفير , شهيق , زفير إلى أن إنتظمت دقات قلبي , رفعت ذقني وحملت حقيبة كتفي وتوجهت صوب غرفة الإجتماعات , طرقت الباب ودخلت كأنني قادمة على بساط الريح . ألقيت تحية الصباح على الجميع أحاول إستمالتهم بابتسامتي , واصفة سعادتي لتخصيصهم البعض من وقتهم الثمين لرؤية عرضي لمشروعي ومناقشته . إلتفت حيث وضعت حقيبة كتفي , أفتش عن الكمبيوتر المحمول خاصتي , أين هو؟ ليس هنا , لم يكن معي , أين هو ؟ أين وضعته ؟ أحسست بالحرارة تصعد إلى رأسي , قلبي يكاد ينفجر خوفا”, ثيابي تعتصر عرقا”, شعري يلتصق بجلدة رأسي , ألهث لا أستطيع إلتقاط أنفاسي , أين هو ؟ أتهاوى , أجدني أرتطم بالأرض , أسمع صوت طقطقة عظامي . يأتيني صوت يصدح فوق رأسي, أرفع رأسي وجسدي المتهالك جراء سقطتي من سريري, إنه صوت المنبه على الطاولة الصغيرة قربي  يعلن الساعة السادسة وقت إستيقاظي, أنام على ظهري أفترش الأرض العارية , فاردة يديّ, أتنهد عميقا” , تنتابني هستيريا من الضحك …..

يا له من كابوس مجنون …مجنون.

شاهد أيضاً

مصدر ديبلوماسي في بيروت لـ”الأنباء الكويتية”: إسرائيل ترفض تحقيقياً ليوندوف حول مجدل شمس

كشف مصدر ديبلوماسي في بيروت لـ” الأنباء الكويتية” أن “الجانب اللبناني اقترح على الموفد الرئاسي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *