في وجه القمر

-عبدالله سالم بامدحي

*ذاتَ ليلةٍ من الليالي، وقفتُ على شرفةِ البيتِ، و التفتُ برأسيَ يمنةً و يسرى، السماءُ مغطاةٌ بالسحبِ، أكادُ لا أرى نجماً في السماءِ، و إذا بالنعاسُ يأخذني في جولةِ قصيرةٍ من النومِ، غفوتُ غفوةً طويلةً، دارت فيها رحلةٌ جميلةٌ، في الحقيقةِ هي أقربُ للقصةِ من الرحلةِ، بدء الأمر بي و أنا ملقىً في الجلسةِ (( مكان يجتمع فيه الأصدقاء مع بعضهم ))، و إذا بنا نتحدثُ و نضحكُ و نمزحُ حتى شعرنا بالجوعِ، فقمتُ و أشتريتُ بعضَ المأكولاتِ لنا، فأكلنا وشبعنا ولله الحمد، فتفرقُ الجمعُ من بعدِ اللقاءِ، و عدتُ بمفردي أمشي إلى البيتِ، فلما قطعتُ نصفَ المسافةِ، أتتني أسوءُ لحظاتِ حياتي، متشكلةٌ بصورةِ أشخاصِ ضخامَ البنيةِ مفتولي العضلاتِ، فلكموني لكمةَ رجلِ واحدٍ، خرجت سني من فكي العلوي من شدةِ قوتها، فرُميتُ على الأرضِ مصروعاً، لا أقوى على الحركةِ، و إذا بهولاءِ الرجالِ العظامِ ينظرون إلي نظرةَ إستحقارٍ، ليس هذا فقط بل أقدم أحدهم و كان أعظمهم على إلقاءِ تُفْلةٍ (( ما يعرف في العامية بالبزاق )) من فمهِ على وجهي، فما كان مني إلا أن بقيتُ مُلقاً على الأرض مفترشها، حتى ذهبوا عني و خلو سبيلي، تسندتُ بالجدرِ الذي كان بجانبي، ورميتُ عليه كل وزني و وقفتُ على قدميَّ بصعوبةِ بالغةٍ، أدركتُ أنه يجبُ أن أرجعَ إلى البيتِ، فلما كدتُ أصلُ إلى البيتِ فقدتُ وعييَّ، و لم أصحوا إلا على صوتٍ جميلٍ يهمسُ قربَ أذني؛ قائلاً :(( عبودي هل أنت بخير؟ ))، فتحتُ عيني فإذا بي أجدُ القمرَ واقفاً بجانبي ضاماً يده إلى يدي، أدركتُ في تلك اللحظةِ أنهُ هو من أخذني إلى المستشفى بعد أن فقدتُ الوعي، حقاً ثاني الأشياء التي توؤي الشخصَ بعد العائلةِ قلبُ صديقهِ، و القلبُ دائماً يميلُ لمن يستثنيهِ، فهُنالكَ من يرى الصديقَ حياةً و هناك من يراهُ كذبةً، فالأول إلتقى بروحهِ، و أما الثاني فقد فقدها، هكذا هي الصداقةُ الحقيقةُ التي لا تكون إلا في اللهِ و للهِ، فكلُ صداقةٍ بُنيتَ على غيرِ شرعِ اللهِ فهي باطلةٌ، و مصيرها إلى الزوالِ عاجلاً أم آجلاً، فأختر الشخصَ الذي ترتاحُ بجانبهِ ليكونَ لك سنداً و عوناً و ذخراً تستفيدُ منهُ في أصعبِ لحظاتِ حياتكَ

أعدُّ الليالي لَيلَةً بَعدَ لَيــــــلَةٍ
وقد عِشتُ دَهــراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا
وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني
أُحَدِّثُ عَنكَ النَفسَ بِاللَيلِ خالِياً

شاهد أيضاً

أحمد رامي الشاعر الذي أحب أم كلثوم

– أحمد رامى كان بيعشق أم كلثوم كان بيحبها بجنون ؛؛ حب دون أى هدف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *