الشاعر د . عماد الدين طه:

 

كان لي الشرف التعاون مع الفنان التونسي الكبير لطفي بوشناق. والشاعر العظيم احمد فؤاد نجم

 

حوار رئيس التحرير فؤاد رمضان

الشاعر الدكتور عماد الدين طه مواليد دمشق، انما حضوره الادبي والثقافي يمتد الى كافة الاقطار العربية، متمرد على الشعر الذي دخل اليه خلسة واحتل مكانة في مسيرته التي تعرضت للكثير من المعاناة والتحدي لإثبات هويته الثقافية على الساحة الادبية في العالم العربي من خلال مؤلفاته المميزة ومشاركاته في العديد من الامسيات الثقافية،

موقع مجلة كواليس كان معه في هذا اللقاء الحواري:

*حدثنا عن مسيرتكم في الحياةمع نبذة موجزة عنكم , و من أي باب كان دخولكم دوحة الأدب و الشعر؟

– أهلاً بكم أولاً و شكراً لإجراء هذه المقابلة معي , أما بعد

حياتي بشكل عام لم تخلُ و لا أظنها ستخلو من صعود و هبوط و تمرّد و مهادنة , نجاحٌ و فشل و لكن و في كلّ مرة تنتج زهرةً جديدة ينسيني عطرها تعب الطريق .. و أعترف لك و للقارئ الكريم بأني لم أختر طريق الشعر و الأدب , بل هو من تسلل ” أكرمه الله ” إلى حياتي و احتل كِياني و كم احتفيتُ

بهِ و سعدتُ كل السعادة و أرجو أن أكون قد أكرمت زائري

 

*كيف تقرأ و تحلل عدم إقبال الجيل الجديد على القراءة حيث يلهث وراء التكنولوجيا العصرية ؟

– هذا السؤال من ضمن الأسئلة التي كانت و مازالت حاضرة و كأنها قدر الشباب العربي , و لا أظن أنّ التكنولوجيا هي المتهمة, بل من قبل أن تظهر كل تلك الوسائل .. و ما زلت أذكر زيارتي الأولى لألمانيا (الغربية آنذاك ) في الثمانينات , حيث وجدت الصغير و الكبير يمسكون الكتاب في القطارات و كأنه مقرر عليهم وسيمتحنون فور وصلهم لمحطتهم المنشودة .. بينما كان الكتاب مهاناً و مهجوراً في بلادنا , المشكلة الرئيسية تبدأ من العائلة و المدرسة و البيئة .. فهذه ثقافة مجتمع .. نشأنا على أن الكتاب هو وسيلة لتخزين المعلومات لنلقيها في آخر السنة بعد الإمتحان و ننساها لتفاهتها و سطحيتها و إن شئت تخلفها و ليست نمط حياة

 

*كيف تصف منابر المنتديات الشعرية المنتشرة هنا و هناك؟

– أؤيد أي نشاط ثقافي بالمطلق .. على الأقل هي فرصة لالتقاء الشعراء و تحفيزهم على المزيد من الإبداع و إن كانت في الفترة الأخيرة أصبحت بلا جمهور من خارج الوسط .. ربما بسبب الوباء .. ناهيك عن الأزمات التي تعصف بالمنطقة عموماً, فالنشاط الثقافي يعتبر من ضروب الرفاهية في ظل الجوع و فقدان مقومات الحياة الكريمة

 

التمرد والنجاح والفشل ينتج زهرة جديدة ينسيني عطرها

 

*ما مدى تأثير المناخ العام الذي يسود المجتمع من أوضاع أمنية و اقتصادية ضاغطة على المزاج الأدبي و الشعري؟

– من غريبِ الأقدار أنّ الشعر يحتاج (من حينٍ لآخر) لبعض الضغوط و الظروف الصعبة لينتح الإبداع و هنا يحضرني شاعر العاميّة المصرية صديقي الكبير أحمد فؤاد نجم و الذي قضى في المعتقلات 18 سنة أنتجت أجمل قصائده و أبدعها و أراد أن يسقيني من هذه المعاناة بشكلها المخفف إذ قال يوماً على شاشة الفضائية السورية في مداخلة له على الحلقة المخصصة لي ببرنامج ( شعراء ) و بلهجته المصرية المحببة : لو في حبايبو حوليه يضربوه عشان يكتب شعر و أردفها بقوله:

هو ده اللي حيفضلّك يا عمدة ….. رحمه الله

إذاً نلاحظ بأن صعوبة الظروف هي من محفزات الشاعر و الخوف كل الخوف من الصمت أو بالأحرى (الخرس) و الأشد منه كتابة الكلمة المسخ التي تهجو كاتبها.

كان الشاعر لسان قبيلته و الشعر كان ديوان العرب فهو كاتب التاريخ الأمين و هو صاحب الرؤى إن أحسن القول و إلا فسيكون عبئاً إضافياً يزيد الطين بِلّةً

 

لم اختر طريق الشعر بل هو من تسلل الى داخلي

 

*ما هي المنزلة التي يتمتع و يتصف بها الشعراء في عالمنا العربي؟

– عندما نتحدث عن الشاعر فنحن نتناول الشخص و النَّص و كلّ منهما متصل بالآخر و الكارثة إذا تناقضا

إذا كان الشاعر صاحب شخصية محترمة و متميزة فهذا مدخل واسع إلى قلوب الناس و هنا نذهب إلى النص الذي يكتبه فإن كان رفيعاً و غير مطروق و له نافذه

خاصة يطل منها على زوايا الموضوع الذي يتناوله و أضاف على هذه الخلطه نكهة الإلقاء الخاص به فلا بد من أنه سيجد منزلة تليق به و لو بعد حين شرط الإستمرار و التفوق على نفسه لا على الآخرين في كل ما يكتبه , و كل هذه أسباب و يبقى التوفيق و الذي يصفه البعض بالحظ.

 

*هناك مقولة كثيرة التداول: يحق للشاعر ما لا يحق لغيره , هل هذا القول هامشي من باب الإستهلاك أم جدّي؟

– جميلٌ هذا السؤال و ضروري فهذا القول نسمعه دائماً فما حقيقته برأيي طبعاً

المقولة يا سيدي صحيحة و لكن! ليس في كل شيء .. و إلا لصار الشاعر (كرجال الدين و السلطة) في هذا الزمان لا يناقش و لا يُسأل عن ذلله.

 

*فما وجه صحتها؟

أولاً – يوجد جوازات على مستوى النحو قد ينطبق عليها قول : لا تعد و لا تحصى

و لكنها مقوننة و ليست عبثية و لو رجعنا لألفية إبن مالك لوجدنا مرامنا فيها

ثانياً – المجاز عند الشعراء ضروري جداً بل هنالك من يرى أن المجاز موجود في القرآن الكريم

و نحن هنا نتحدث عن الشعر فلا شعر بلا مجاز و إلّأ لضربت أعناق الشعراء , فتناول التابوياتت المشهورة أمر بالغ الخطورة بمجتمعنا

و مع هذا هنالك من يصر على تحميل النّص اسقاطات يراها هو و يستخدمها لرجم هذا الشاعر و ذاك المبدع

أما الوجه الآخر للمقولة ( يحق للشاعر ما لا يحق لغره ) من حيث العبث بقواعد اللغة العربية من رفع منصوب و جر مرفوع كسلاً في تعلم قواعد اللغة فهو كارثي بكل ما لهذه الكلمة من معنى و الأصعب من ذلك على المتلقي دخول الشاعر في أنفاق من الكلام الغير مترابط بحجة يحق للشاعر , فلا هو أطرب و لا أفهم.

 

* الشاعر يكتب لإرضاء ذاته أم للآخرين؟

– إذا وضعننا جانباً عبارة إرضاء الناس غايةٌ لا تدرك , فإني هنا سأتكلم عن نفسي

عندما أكتب لا أهتم بإرضاء أحد لا غروراً و لا إنقاصاًمن قدر أحد , بل لأن ما أكتبه يعبر عني في المرحلة التي أكتب فيها و إما أن أرضى عنه و إما فالسلة التي أتلف

فيها الأوراق تسأل هل من مزيد ؟

و عندما أكون راضٍ عن انتاجي أتمسك بهِ و أفرح به كمولود جديد و أزداد رغبة في ضمه إلى إخوته الذين سبقوه و أستبشر خيراً بمولود جديد سليم و جميل يضيف لتجربتي بصمةً أُخرى و لذاك أجدني دائماً في منافسة مع نفسي و مع انتاجي لسابق لا مع أحد لآخر و هنا تكون النتيجة غالباً مُرضية لي و للذواقة.

 

يجب على الشاعر ان يمتلك شخصية

محترمة ليدخل الى قلوب الناس

 

* ما هو جديد نتاجكم الأدبي؟

ج – عادةً أُعتبر من المُقلين في الإنتاج الأدبي ربما يعود السبب لما ذكرته في جواب السؤال السابق من جهة و لانشغالي الكلّي ببحوث تهمني من جهة أخرى

و عليه فإن لي ديوان جديد صدر عن دار ناريمان للطباعة و النشر بيروت بعنوان ( لمسة و-فا ) من تقديم الشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم

إضافة لديواني الأول ( بصمة قلب ) طباعة مطبعة الثريا دمشق

 

 * ما القصيدة التي تود اهداءها لقراء موقع مجلة كواليس؟

– آخر قصائدي تحمل  عنوان ( صنــــم ) أرجو أن تكون عند مستوى التوقعات مع محبتي لكم و لقراء مجلتكم الكرام

صنم

أمضيتُ عُمرِيَ في تفنيدِ أحوالِ
حالٌ رصينٌ و حالٌ محضُ سِريالي

وَ رُحْتُ أرفعُ مِن عقلي قواعِدَهُ
حتى تشعْشَعَ إبراهيمُ في البالِ

بدأتُ مِني لأنّي رأسُ أكْبَرِهِمْ
لا تسألوهم , أنا حطَّمْتُ تِمثالي

بعضُ التَّماثيلِ لنْ تلقَوا لها جسداً
و لا خُواراً , و لمْ تُعجَنْ بصَلْصَالِ

فَكَمْ سَجَدْتُ لأصنامٍ على ورقٍ
قدْ ألّفوها بعهدِ القيلِ و القالِ

و كمْ دفعْنا فواتيراً مُزَوّرةً
هُمْ أصْدروها بإِسمِ الصَّحْبِ و الآلِ

إذْ قالتِ النّاسُ : إرْثٌ عنْ أكابِرِنا
بِئسَ التُراثُ و بئسَ الوارثُ التّالي

اليومَ أسْلَخُ عنْ شِعْرِي أناقَتَهُ
اليومَ أخْلَعُ عنّي كُلَّ أقفالي

و الآنَ أنْزَعْ عن ثَغْري لُصَاقَتَهُ
عَلِّي أُخَفِّفُ بعد البَوحِ أثقالِي

لو جاءَ دَجّالُكُمْ لارْتَدَّ عَنْ دَجَلٍ
لَمْ تترُكُوا بينَكُمْ شُغْلاً لِدَجّالِ

الدِّينُ ليسَ بَخُوراً قابَ شَعْوَذَةٍ
الدِّينُ يبدأُ مِنْ ميزانِ بَقَّالِ

عَجِبْتُ كيفَ يُبَادُ العقْلُ في سَفَهٍ
و يُشْهَرُ الحِرصُ كُلُّ الحِرصِ لِلْمالِ

عَلِّي أُخاطِبُ جيلاً قبلَ أَدْلَجَةٍ
إِلامَ تُضْلَلُ أجيالٌ بأجيالِ ؟

أَدِينُ لِلْحُبِّ لِلتوحيدِ في سَعَةٍ
أدري .. يُكَفَّرُ أهْلُ العِشقِ أمثالي

 

الشاعر عماد الدين طه في سطور

 

ولد في دمشق 1969
حائز على دكتوراه الإبداع من الإتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية
خارج الوطن العربي عام 2006 .
طبع ديوانه الأول ( بصمة قلب ) بنهاية عام 2008 في سوريا .
كما طبع ديوانه الثاني ( لمسة وفا ) بالعام 2019 في لبنان حيث أقيم حفل توقيع مهيب حضره عدد كبير من شعراء و شخصيات لبنانية و عربية , تخللته قراءة نقدية عن الكتاب للنائب و الشاعر و الناقد الدكتور إيهاب حمادة , و ثانية للدكتور الشاعر و الناقد علي نسر .
أقام وشارك في العديد من الأمسيات و المهرجانات الشعرية في سوريا و لبنان و تونس و مصر , و حلّ ضيفاً على بعض البرامج التلفزيونية .
وغنى له ( العملاق التونسي لطفي بوشناق – أجراس العودة -في حضرة الله -تعازينا – شيخ كار – و مؤخراً ” الفيلم الغنائي الدرامي القصير ( إعتراف .. فاسد و أفتخر ) , و التي أدّى رباعية مقدمتها الشعرية , الفنان الكبير صاحب الإلقاء المميز عبد المجيد مجذوب ) . و ما زال هنالك قصائد قيد التلحين مع الفنان لطفي بوشناق و غيره من المميزين .
كما غنى له الفنان رفيق سبيعي ” أبو صيّاح ” أغنية بيكفي .. و أدّى قصيدة مباشر بالجنة أداءً دراميّاً و شاركه فيها الفنان فادي الحموي .
و قد أدى الفنان عبد الرحمن آل رشّي قصيدة ( ياشام ) .

حوار رئيس التحرير فؤاد رمضان

شاهد أيضاً

بردونيات

عبدالله_البردوني عجز الكلامُ عن الكلام والنور أطفأه الظلام والأمن أصبح خائفاً والنوم يرفض أن ينام …