من بيروت……

الاعلامية سليمى حمدان

وصلتُ في العاشرة صباحاً بسيّارة أجرةٍ إلى مستديرة الصيّاد، بعد تأخير جرّاء موجة إقفال للطرقات بحواجز مفتعلة بحجة وبغير حجة. لأنتقل بعدها إلى سيّارة عموميّة أخرى ملأى بالركاب ستقلنا إلى منطقة (برج حمود) القريب من منطقة الدورة..
رنّات عدة غريبة أطلقها هاتف، تفاجأ السائق بوجوده في السيارة، على ما يبدو نسيه أحد الركاب السابقين. أجاب السائق على المتصل طالبا منه أن يوافيه إلى منطقة برج حمود قرب كنيسة مار يوسف، ليسلمه هاتفه الذي نسيه معه، لأن سيّارته ملأى بالركاب. المتصل لم يوافق، فهو كبير في السن ولا يستطيع الإنتقال إلى منطقة برج حمود لاستلام هاتفه، وطلب من السائق أن يحضر بنفسه إلى مستديرة (فرن الشباك) قرب إحدى الشركات الكبرى ليسلمه هاتفه.
رفض السائق طلب المتصل صاحب الهاتف، خاصةً وأن الركاب لا يوافقون، وأن هناك خسارة كبيرة على صعيد البنزين، فهو- أي السائق- سهر طوال الليل في محطة المحروقات ليحصل على القليل من البنزين، وبالكاد حصل على نصف خزان سيارته، فكيف يوافيه إلى مستديرة فرن الشباك ببلاش؟
دقائق قليلة وارتفع صوت السائق على المتصل الذي ارتفع صوته أكثر، فهو يريد من السائق أن يلحق به إلى مستديرة فرن الشباك ليعطيه هاتفه ولا يقبل بأقل من ذلك حتى لو كانت خسارة السائق كبيرة.
موجة من الزعيق اجتاحت السيارة ورؤوس الركاب المتعبين أصلاً، ثاروا على هذه الأصوات المرتفعة وعلى هذا الزعيق غير المقبول، ولكنهم سلموا أخيرا بالأمر الواقع، مشفقين على السائق وطلبوا منه أن يتوجه إلى مستديرة فرن الشباك ليعطي الهاتف إلى صاحبه الذي ينتظره هناك، ومن ثم يكمل طريقه إلى برج حمود.
وافق السائق على مضض بعد أن أقنعه الركاب بأن صاحب الهاتف سيكرمه ويدفع له ثمن البنزين الذي خسره على الأقل..
وصلنا إلى مستديرة فرن الشباك، توقفنا ننتظر ونتساءل، كيف نعرف صاحب الهاتف؟
إتصلنا على رقم الهاتف الذي اتصل منه صاحب الهاتف قبل قليل، فقالوا لنا بأن صاحب الهاتف واسمه (ملكون) موجود على مستديرة فرن الشباك، أمام إحدى الشركات الكبرى المعروفة (شركة الألفا) وهو رجل كبير في السن (ختيار) وبيده عكّاز…
نزلنا جميعا نحن الركاب من السيّارة ورحنا نسأل كل ختيار: هل أنت العم ملكون؟ يقول لنا لا..لا …لا … وأخيرا.. وبعد ساعة من الوقت ولم نجده، أعلنا إفلاسنا وقررنا الذهاب.
أحد الركاب (وبما أننا صرنا هنا حسب قوله) طلب من السائق أن ينقله إلى منتصف فرن الشباك قرب كنيسة سيّدة المعونات ويدفع للسائق ما يريده، وافق السائق ووافق الركاب..
في وسط فرن الشباك وقرب كنيسة سيدة المعونات تحديداً، اتصل صاحب الهاتف العم ملكون، فأخبرناه بأننا سألنا عنه في مستديرة فرن الشباك لفترة ساعة من الوقت ولم نجده، وأننا حاليا قرب كنيسة سيدة المعونات.. فقال انتظروني .. إنني قريب منكم وسأحضر بسرعة سيراً على الأقدام…
إنتظرناه حتى حضر… وهنا حدث ما لم أكن أتصوره، فبدلا من أن يشكرنا العم ملكون ويقدم مكافأة صغيرة للسائق بعد كل عذابه هذا، راح يقاتل ملوّحاً علينا بعكّازه اللامعة حتى سقطت النظارات عن عينيه، ويسجل رقم سيارة السائق ليشتكي عليه ويتهمه بسرقة أشياء أخرى إدّعى أنه نسيها في السيّارة أيضاً من دون أن يذكر شيئا منها سابقاً…وهدّده أمام أعيننا بأنه سيذهب إلى المخفر لتقديم دعوى ضدّه في ما بعد…
عندها اشتركنا جميعا في الدفاع عن السائق واعتبرناها قضيتنا، كيف لا وكل ما حدث حصل أمام أعيننا وكأننا نحضر فيلماً سينمائيّاً. فقلنا جميعاً للعم ملكون: الآن سنذهب كلنا إلى المخفر وليس غدا أو بعد غد.. سنرافق السائق، سندلي بدلونا بكل ما حدث وبما فعلته يا عم ملكون……
في المخفر روى السائق ما جرى ونحن الشهود…سلمنا الهاتف للمخفر…دفع المخفر ما يريده السائق بعد أن أجبروا العم ملكون على الدفع غصبا عنه، تركنا العم ملكون لديهم، لنتوجه بعدها إلى برج حمود في منتصف النهار، ونحن لا نصدق ما حدث..ولا نصدق أن هذا يحدث في بيروت….
سليمى حمدان

شاهد أيضاً

متحف البوفيسور أسعد رنو ملتقى الطلاب والفنانين

دعت عائلة البروفيسور الفنان أسعد رنو إلى يوم فني ثقافي بعنوان مسيرة الموهبة والإبداع لمناسبة …