زيارة ممتعة لمنزل السيد جميل عساف الآثري في بلدته طنبوريت – قضاء صيدا

رغم شغفنا بناطحات السحاب والأشكال الهندسية العجيبة والغريبة والجميلة من الأبنية الحديثة التي تعج بها المدن وبالتالي غزت الأرياف في لبنان وغيره من دول العالم، رغم الرفاهية الزائدة التي تجعل غرف الشقة الحديثة مجتمعة يقفلها باب واحد بعكس البيوت القديمة التي كانت تضطرنا للخروج إلى الباحة لندخل المطبخ أو الحمام او غرفة أخرى، رغم كل ما نسير به في مواكبة التطور السرعة كالبرق، نجد أنفسنا نقف إحترامًا وتقديرًا للبيوت الأثرية التي تنعش الذاكرة والوجدان ويعيدنا عبقها لأيام خلت كانت تفوح بالمحبة والألفة وإجتماع العائلة في الطعام أو النوم أو حتى السهر والسمر جماعة، تحت العريشة وفي باحة الدار التي تفوح من أحواضه روائح الحبق والعطر والفل والياسمين



قصدنا بلدة طنبوريت – قضاء صيدا، في زيارة لمنزل السيد جميل عساف الذي تجاوز الرابعة والثمانين من عمره، وأجرينا معه لقاء كان ممتعًا ومعبئًا بسحر الماضي، وقد أستمعنا إليه يحدثنا بالتفصيل عن هذا المنزل قائلًا:


لقد بناه الجد الأول للعائلة السيد ميشال عساف والد نظيرة التي هي والدة زوجتي سيدة، ويكون جدها وهي في نفس الوقت قريبتي. وله ثلاثة أبناء هاجروا إلى أميركا إبان الحرب العالمية الأولى. ولو بعدها حماتي على قيد الحياة للآن لكان عمرها 150 سنة، مما يستدل على أن البناء يتجاوز عمره الـ 200 سنة، وقد توارثناه وزوجتي بالقربى، بعد تنازل الأبناء الثلاثة المهاجرين عنه وباقي العقارات، تبلغ مساحته حوالي 140م2، سقفه من خشب الزلزنخت ذو الطعم المرّ المقاوم للتسوس المثبّت على ثلاثة جسور خشبية من خشب الحور الممتاز بطوله ويعلو الخشب أغصان من شجر الدفلى والوزال ويكسوها طبقة سميكة من التراب الخاص الممزوج بمادة الفرس والتبن، وكان يتم حدله بإستمرار خاصة إبان فصل الشتاء، وسماكة كل حائط فيه حوالي المتر تقريبًا وصفين من الحجارة. وبقي الأجداد يتعاملون معه بهذه الطريقة حوالي 150سنة، إنما ومنذ خمسون عامًا لم نعتمدها بحيث أن طبقة التراب على السطح أصبحت سميكة وقاسية مع مرور الزمن، وعملنا على وضع مادة منع النش لأجل بقائه وإعطائه قيمة وفرادة، وبالتالي محافظة عليه كتراث نادر، وحيث كنا نًشّعل النار بداخله ضمن موقد خاص لآجل تحضير الطعام وللتدفئة في آن، سيما لم يكن ذاك الزمن من وجود للكهرباء أو الغاز المنزلي، فحرصنا أيضًا على إبقاء الطبقة السوداء التي تجمعّت جراء الدخان للمحافظة على طابعه وحالته التي كان فيها.


أما سبب الإحتفاظ به وصيانته ولم يزل على حاله لهذا التاريخ فقد أوصوا أولاد قريبنا السيد ميشال عساف الثلاثة الذين هاجروا إلى أميركا وأستقروا هناك بعد أن أسسوا عائلة وأعمال بتمنٍ بوجوب المحافظة على هذه الدار التي بناها جدهم وتربو فيها وأن نراها كما كانت لدى زيارتنا لبنان، لذا كنا حريصين على تلبية مطلبهم إحترامًا لرغبتهم وكإلتزام أدبي وأخلاقي وأمانة، ومنذ ثلاث سنوات حضر من قبلهم ثلاث سيدات من أحفاد الأبناء وكان لقاء مؤثر للغاية، وشاهدوا المنزل كما هو وتذكروا جدهم الأول الذي ولد وعاش فيه.


ولا بد من الذكريات الجميلة وليالي السمر وتكوين أسرة داخل جدرانه، وشاهد على تاريخ الحياة فيه إلى جانب الابقار والخيل والحمير دون أي إنزعاج، إضافة إلى مآكلهم من التبن وقن الدجاج المجاور، والمصطلحات التي اندثرت من تسميات الأواني وغير ذلك على سبيل المثال: الدار، المسطبة، الليوان، العليّة، الناعورة، النملية، البئرـ الكواير لتخزين الحبوب على أصنافها وخزائن على شكل قنطرة من مادة الطين، الخوابي والجرار، وكنّا نعيش بإكتفاء ذاتي من خيرات وإنتاج الأرض المباركة، ومع تقدم الزمن والثورة الصناعية لا بد من مواكبة العصر مع كل ما تحقق من وسائل ومعدات حديثة لمتطلبات الزمن المستجد، إنما ذلك لا يمنعنا من الإقامة فيه وإبقائه على ما كان عليه إلتزامًا بطلب أقربائي وبالتالي ليبقى شاهدًا على حقبة من الزمن مع الإشارة إلى أننا لم نزل نحتفظ بمعظم الأدوات الفلاحة والحراثة والمستلزمات اليومية وقد قصدتنا عدة وسائل إعلامية رغبة منها لتسليط الضوء على هذا الصرح التراثي النادر وأتمنى على الوزارات المختصة أن تضعه على لائحة الأماكن الأثرية في لبنان، مع التنويه بمن حافظ عليه.
وشكرًا لمجلة وموقع “” التي تولي الآثار والتراث أهمية كبيرة.
فؤاد رمضان

شاهد أيضاً

المسلحون السوريون إلى النيجر..

أحمد رفعت يوسف  تحدثنا في تقارير سابقة بأن المسلحين السوريين المتورطين بعمليات ارهابية والذين سيتعذر …