إيران وطالبان وشيعة أفغانستان

 

 

محمّد صادق الهاشميّ

 

منذ أيام أُتابع الجدل عن مستقبل شيعة أفغانستان في ظل الدولة الطالبانيّة الجديدة ودور إيران، و بعد تتبُّع دقيق، ومحاورات معتمدة مع جهات مهمة نعرض بخدمتكم التالي :

في المقدمة:

نعم؛ إنَّ إيران ضد أميركا، والأمريكيان أيضا لا يخفون عداوتهم لإيران وعموم التشيّع، كما أنّ الأمريكيّين أصحاب مشروع لا يمكن أن يمضي في المنطقة – كما يرون هم – في ظل وجود الصحوة والنّهضة الإسلاميّة، والمقاومة، والمراجع وهذا الأمر واضح للجميع، كما أنّ إيران تريد أن تصل إلى قمّة التطوّر الحضاريّ، وتتموضع ــ هي والشيعة في العالم ــ في قلب الجغرافيا السياسية ، وأن لا يبقى الشيعة خارج الحدث فيأتي الغربيّ يمزّق المنطقة كما حصل في (سايكس بيكو) وغيرها، وهم متفرجون.

إيران لا تقبل أن يبقى العالَم الإسلاميّ متفرِّجًا على ما تفعله أمريكا في العالم الإسلاميّ،وتلك ثوابت لا يمكن النقاش فيها بالنسبة لإيران.

وفق المقدمة أعلاه لا يعني أنَّ ايران سعت أو ساعدت على تسليم أفغانستان إلى جماعة طالبان؛ بل الذي حصل باختصار هو ما يلي :

١- الأمريكيّون قبل خمس سنوات دخلوا بمفاوضات ــ عبر قطر ــ مع طالبان دون علم إيران، ولا حتى علم الحكومة الأفغانيّة المنتخَبة، وهم الذين خطّطوا لاستيلاء طالبان مجدَّدًا على البلاد لأسباب كثيرة، وهنا تتعدّد القراءات حتى داخل إيران.

٢- إيران أدركت ثمَّةَ حوار (أمريكي – طالباني ) فلا بدَّ لها أن تدخل على الخط، وتعد العُدّة إلى تدارك الخطر، وتوجيه الموقف داخل أفغانستان، وتؤثّر على طالبان بما يجعل تأثيرهم أقل خطورة على الشيعة في افغانستان، وحتى على إيران؛ لأنَّ طالبان بحكم الحقيقة مكوّن كبير ومؤثّر، وتأريخيّ، ومجاور لإيران، وهنا تكمن الحكمة الإيرانيّة في الاستيعاب، والاحتواء، والترويض دفعًا للدماء، ولنزع فتيل الفتنة التي يخطّط لها الأمريكيّون مع أنّ ما حصل ليس خيارهم الاختياري .

٣- نعم إيران دخلت بحكم التكليف الشرعي، والحكمة التي لا بدَّ من ممارستها في هذا الظرف الحسَّاس لمنع الحرب الأفغانيّة، ودفع مشكلة تدفّق الملايين من الأفغان الّتي قد تفد لإيران إثر الحروب المحتملة، وأنّها بالكاد تمكّنت أن تعيد (٤) مليون أفغانيّ مهاجر إليها إبّان الحرب، والأحداث في فترة حكم طالبان الاولى قبل (20 عامًا)

٤- إيران والمنطقة من الخليج الى اسيا أمام مخطّط أمريكي خطير لا يمكن النظر اليه بسطحيّة، فكلّ الاحتمالات ممكنة في افغانستان إلّا أنّها تدرك أنَّ الواقع يفرض التوجه منها نحو الاحتواء لترويض طالبان، والسير بهم الى تقبُّل أن يكون هناك تعايش وسلام، وأن تنتقل طالبان من عقليّة القبيلة والتفرّد الى عقليّة واقعيّة لتأسيس نظام سياسيّ وليس نظامًا قبليّاً.

٥- خلال متابعاتنا الى الأحداث نجد أنّ التصريحات الطالبانيّة، والمواقف تتّجه الى نوع من تقبُّل الآخر، ويبدو أنّ جماعة طالبان اليوم أكثر لينًا من قبل ــ لأسباب واعتبارات كثيرة ــ وهذا ما تفيده الوقائع على الأرض والمجالس الحسينيّة، والشعائر، والدخول السلميّ لعموم المدن الأفغانيّة، أمّا ما يعرض من صور الإرهاب فهي قديمة، وحالات خاصة.

٦- طالبان اليوم لا يمتلكون حرّية العودة إلى الإرهاب لأسباب كثيرة؛ كونهم يدركون أنّهم جغرافيًّا محاصَرون من الرّوس، والصّين، وإيران فليس أمامهم إلّا أن يلبسوا ثوب ومنهج وفكر التعايش، ويمارسوا عقليّة العمل السياسيّ، وليس القبلي وهذا ما أكّدته المواقف و التصريحات منهم .

٧- طالبان بدل أن يستثمرهم الأمريكي والسعودي كَشوكةٍ ضدّ التشيّع، ولإرباك الموقف في آسيا، فإنّ إيران تسعى جادّة لترويضهم، و ((بقفّازات الحذر)) وفي غاية الدقة، ورسم مخرجات الحكم بيدها لا بيد الأمريكيّين، فكان المؤتمر الأوّل الّذي رعته إيران بقيادة وزير الخارجية الإيرانيّ السابق السيد ظريف وعشرات اللقاءات السرية كانت ومازالت .

٨- طالبان قوة متواجدة على الأرض أزليًّا، ومستقبلًا، وبدل أن يكونوا أداة طيّعة بيد الإرهاب، والمخطَّطات الصهيونية، فإنّ إيران تسعى أن يكونوا متعايشين مع الواقع الداخلي لهم والاقليمي والدولي ،وهذا ما تتّجه إليه الأحداث، لكن كلّ شي محتمل وعلى الحكيم أن يمارس حكمته في كلّ الأحوال .

٩- طالبان اليوم المحرِّك الأوّل لهم دولة قطر؛ لأّنها تريد أن توجد ضدًّا نوعيًّا للسعودية والإمارات، وهذا مهم للتشيع الان لتفكيك عقد الارهاب الطائفي الاقليمي .

١٠- طالبان اليوم محاصَرون جغرافيًّا، وهذا مصدر ضعفهم الذي يجعل إيران تدرك إمكانيّة احتوائهم وفق الحقائق التالية:

أ‌- أنّهم محاصرون من الروس وإيران والصين وباكستان، وأغلب هذه الدول تختلف معهم وتخشى من الإرهاب.

ب‌- الأفغان لا منفذ جغرافي لهم ولا تصدير ولا توريد إلّا عبر هذه الدول وإيران الأقرب لهم.

ت‌- الصين لديها مشروع الحرير، والروس لهم تأريخ من الدماء في أفغانستان فليس امام الأفغان الا البرغماتية .

ث‌- مقايسة الأفغان بين إيران والروس والصين حتمًا يختارون الصين وإيران أوّلًا.

ج‌- الطالبان قومية معزولة جغرافيًّا، وعالميا، وداخليًّا.

ح‌- الشيعة الأفغان وإن كانوا أقلّية في الداخل إلّا أنّ وجود إيران المجاورة يمنح الأفغان القوّة داخليًّا.

خ‌- إيران لديها تحالف صيني حول خط الحرير، وتفاهم مع الروس حول المنطقة ومستقبل الغاز ومياه البحر المتوسط وقزوين وسوريا، فلا بدَّ أن تخرج طالبان من آيدولوجية الإرهاب.

هذا هو الواقع ، علمًا أنّ إيران لم تتخلَّ عن المسلمين في البوسنة والهرسك، ولا الشعب الفلسطيني، ولا شيعة العراق ولبنان، وهي مَن دافعت عن سوريّة ولبنان.

أكيد أن ايران تقف مع شيعة ومسلمي وقوميات أفغانستان، وكل هذا يحتاج إلى جهدٍ وصبرٍ طويل.

⭕ في الخاتمة نقتبس ما يلي :

ان (الكيان الأمريكي) بمسمياته المختلفة مخترق، وبعيد عن واقع المنطقة، وقد استطاع القطريون التأثير عليه بالتنسيق مع زلماى كما أثر الاماراتيون على الإدارة السابقة.

وضع الشيعة ليس سهلا و هناك مساع للمحافظة على مكتسباتهم السابقة وفرص النجاح كبيرة .

شاهد أيضاً

المواقف العربية تجاه غزة .. هل من نخوة عربية باقية؟!

خميس بن عبيد القطيطي عِندما يكتُب التَّاريخ ما جرى ويجري من عدوان بربري صهيوني ضدَّ …