أغاني في وداعه (٢/١): 

يا بركة رمضان خليكي فى الدار”
“لا أوحش الرحمن منك قلوبنا”

زياد سامي عيتاني*


قُسمت الأغاني المتعلقة بشهر رمضان الكريم إلى قسمين، أولهما “أغنيات الرؤية” وكانت تُذاع في اليوم الأخير من شهر شعبان، وتستمر الإذاعة في تقديمها مع الأغنيات الرمضانية الاخرى حتى الثلث الأول من شهر رمضان، وكانت الأغاني تترنم بالاستعدادات لرمضان، والاستطلاع على هلال الرؤية، والتحضيرات الروحانية لاستقبال ذلك الشهر الفضيل.


وداع زائر كريم”، هو مسمى الجزء الثاني من الأغنيات، والتي كان يتم إذاعتها إذا ما هلت العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم، وخلال تلك الفترة يتوحش الجميع للشهر الكريم، وإدراكهم لزوال خيره في العام نفسه…
ومن أشهر الأغاني التي خصصت لوداع شهر الخير أغنيتي: “وداع رمضان” لكارم محمود، وأغنية “يا بركة رمضان خليكي بالدار” لمحمد رشدي (سنتناولهما في جزء اليوم)، إلا أن الأغنية الأشهر التي تحولت إلى النشيد الرسمي لإعلان إنقضاء شهر الصيام (نتناولها غداً):


•”لا أوحش الرحمن منك قلوبنا”-كارم محمود:
لا أوحش الرحمن منك قلوبنا، لا أوحش الرحمن منك بيوتنا”، كانت هذه أصوات لسان المجاميع الخاشعة ليلة 27 رمضان عام 1957، في أداء يشبه الأناشيد الصوفية، تمهيدًا لصوت كارم محمود، نجم الإذاعة المصرية حينها، ليصبح “وداع رمضان” أحد أهم أناشيد توديع الشهر الكريم، والتي تحتل الإذاعة في العشر الأواخر وحتى ليلة العيد.
انفرد كارم محمود بالموسيقى ليبدأ الكوبليه “يا عين جودي بالدموع، وودعي شهر الصيام” بشجن، وهكذا إلى آخر النشيد حيث يمتزج أدائه بأداء المجموعة، على خلفية موسيقية من تلحينه، وكلمات من الشعر العتيق الذي طوى الزمان اسم صاحبه، كما جاء بصفحات “هكذا غنى المصريون” للدكتور نبيل حنفي محمود.
ويذكر أن الإذاعة المصرية قدمت ما يقرب من 106 أغنيات رمضانية، منذ إنشائها عام 1938 وحتى منتصف الخمسينيات.


•”يا بركة رمضان خليكى في الدار” -محمد رشدي:
“يا بركة رمضان خليكي فى الدار، يا بركة رمضان أملي دارنا عمار”…
تلك الجمل قبل أن تكون كلمات الأغنية الشهيرة للفنان الراحل محمد رشدي، كانت فى الأصل مستمدة من دعوات سيدات الريف فى قريته، حيث كنَّ في تجمعاتهن في ليالى رمضان يشكرن الله على نعم هَذَا الشهر المبارك ويتوجهن بالدعاء لإستمرار هذه البركة في ديارهم على مدار العام.
هذه كانت أصل الحكاية، وكيف أن رشدي بذكاء الفنان إستلهم منها أغنيته الشهيرة “بركة رمضان” من تأليف محمد الشهاوى وتلحين حسين فوزى.


فقد غناها رشدي بصوت ابن البلد الأصيل وبكلمات تحمل أجمل المعانى التراثية الريفية، التى استطاعت أن تكون ضمن قائمة ليست بالطويلة للأغاني الرمضانية المتميزة، لا يمر رمضان دون سماع أغنية “يا بركة رمضان خليكى بالدار”•


نجاح الأغنية رغم بساطة فكرتها، فلأنها إعتمدت على التيمة الفلكلورية، ذلك أنها نتاج تراكمي من إبداع الناس وليس شَخَّصا بعينه، تحمل جوهر ثقافة البلد وحكمة أهله وروح وجدانهم فيأخذها الفنان ويعمل عليها.


الفنان محمد رشدي نهل من التراث الريفي، ذلك لأنه تشرب من هذه الثقافة فكان خير من أبرزها ونقلها إلى المدينة لتتوهج فى أغنياته.


-يتبع: “والله لسه بدري يا رمضان”
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

شاهد أيضاً

مجلة “نيويوركر” الأميركية تنشر تقريرا مفصلا عن يحيى السنوار بعنوان “مذكرات من تحت الأرض”

السنوار موجود في كل بيت في فلسطين.. وهو اليوم أشهر فلسطيني في العالم.   نشرت …