(كل ميسر لما خلق له)

بقلم سرى العبيدي


خلق الله البشر وقدر فيهم عطاياه، وأسند لكل مخلوق منهم دوره الذي هيئ له، ويسرت له سبل إتقانه وإحسانه، فمنهم من خلق مزودا بطاقات هادرة تستطيع تغيير مسار الحياة، ومنهم من خلق منزويا على ذاته لا يقدر حتى على تغيير ثيابه !!
ومن العبث تجاهل ذلك ومحاولة تغيير الإنسان ليؤدي دورا غير الدور الذي خلق له وهيئ لأدائه !!

من الناس من خلق محفوفا بعناية الله ومشمولا بكرمه ومدعوما بقوته، ومنهم الأشل العاجز الذي تنوء به حاجته، وتقعد به في مواطن الضعف والاستجداء !!

ومنهم من يستطيع أن يحمل على كاهله هموم أمة ويدفع دمه وروحه ثمنا لذلك، ومنهم الكل الواني، الذي لا يقدر على أن يستقل بنفسه ليقضي حاجته !!

كلهم يشبهون معادن الأرض، فمنهم الذهب والفضة، ومنهم الماس والنحاس، ومنهم الحديد والرصاص، ومنهم العناصر الخسيسة التي لا تستحق عناء البحث والتنقيب، وكما لا يصح استخدام الذهب في صناعة السلاح والقلاع، ولا يمكن استخدام الحديد في الحلي والزينة، لا يصح استخدام الولي مكان التقي، ولا استبدال الدني ليحوز مقامات الولي، ولا تطرد مواكب الحياة إلا بجميع عناصرها المختلفة كل في مكانه، وكل لوظيفته !!

الحياة تحتاج إلى اللص كما تحتاج إلى الشرطي، وتحتاج لصانع الدواء كما تحتاج إلى صانع الداء !!
ومن عين الداء يخلق الدواء، وبحافز من الرذيلة تخلق الفضيلة، والتاج على رأس الملك كالإسار في يد المجرم، كلها أدوات لا تستغني عنها الحياة، وفي إحداها تكمن فلسفة أختها، وتستقر حقيقة وجودها !!

ولولا البغي والفجور، لبطل معنى الميزان والعدل، ولكسدت آيات الإتقان والإحسان ولتعطلت دواعي التقوى والإيمان !!

أما تجد ذلك في قول الحق سبحانه:

“ولَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍۢ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ”

والرجل الماسي في طبيعته النفيسة جمال يتلألأ في أبهة زينته وجلال يتباهى في ثوب عظمته،
ويمكن للزعيم المحنك الذي بيده زمام الأمور أن يخلق منه طاقة هادرة تقيم الحياة وتبعث فيها ما يبعثه عنصر “اليورانيوم” المشع من دمار وخراب، إن هو رام دمارا وخرابا، وما يبعث فيها من بناء وتعمير إن رام بناء وتعميرا !!

من الناس أبيض وأسود، ومنهم أحمر وأصفر، ومنهم القوي الضالع الذي يشبه ماردا حل في إنسان، ومنهم القزم الضئيل الذي تخاله إنسانا جذبته الأرض أو خاست به قدماه في أغوارها النائية !!

ومنهم من خلق بعقل نوراني يشبه الألق الساطع ليكون عقلا مفكرا للحياة وداعما لمواكبها السائرة، ومنهم الغبي الأحمق، الذي يشبه عقله “رمادة سوداء” هوت بها الريح في مكان سحيق !!

والولي من خلق الله والدني، والتقي والبغي، والصالح والطالح، والبر والفاجر، كلهم ميسر لأداء الدور المنوط بعنقه، والذي لا يقدر على أدائه من الناس سواه !!

وأجمل ما في الدول المتحضرة فهم ذلك والوقوف على حقيقته، فهي تيسر سبل الإبداع للمبدعين، وتدعم أصحاب الطاقات وأرباب الملكات بما يعينهم على استخراج كنوز مواهبهم، ولآلئ ملكاتهم لتكون دعما للحياة ودفعا لتياراتها المتدفقة لتغنى من فقر، ولتفق من سكر، ولتنتهج سبيل السعادة والهناء لكل من فيها !!

كما أنهم يصقلون تلك المواهب ويضفون عليها ما تحتاجه من دعم لتتحول إلى واحات زاهرة وساحات باهرة تجمل وجه الحياة وتزهر في بساتينها العامرة !!

إنهم يتشممون رائحة الإبداع في نفوس أبنائهم فيشيدون لهم صروح التشجيع، ويؤسسون لهم قلاع التحفيز ليكونوا لأوطانهم بروجها العالية وقبابها الفخيمة، كما أنهم في الوقت ذاته لا يتنكرون للعجزة والمقعدين، ولا يتغافلون عن الشذاذ والمفسدين، بل يستنفرون همتهم، ويستقصون الغاية من جهدهم ليصلحوا أمرهم، ويصححوا مسارهم، لأن في وجودهم فلسفة الإصلاح، وفي صلاحهم فلسفة الإبداع !!

وفي أقطار “التخلف والغباء” يحارب المجدون، ويطارد المبدعون، لينحسر بهم تيار الإبداع، ويجف منهم ينبوع الصلاح، بحجة التنسيق والترتيب، وبدعوى المجموع والدرجات، فيفسد العمران ويضمحل التعليم ويتأخر الركب، ويكون ذيل القافلة هو المكان الطبيعي الذي تشغله بين الأمم !!

فلنعرف تلك الحقيقة ونعتبر بها، ونراعي الناس وما خلقوا لأجله، فلا نحقر أحدا لحقارته، ولا نؤله أحدا لعظمته، وليكن حادينا إلى الفهم والإدراك قول رسولنا الكريم “صلى الله عليه وسلم” :
“قل اعملوا فكل ميسر لما خلق له”.

شاهد أيضاً

“بداخلي يمنيٌ يهذي” يـــقـــول لـكـــم:

سهيل_عثمان_سهيل أشعر بغضب الانتقام من جميع كيانات اليمن.. قد لا أمتلك ترسانة كافية لإحداث السلام …