ضمائر نقية

غادة أسامة محمد

يقال بأن هناك فرص لن تتكرر في الحياة، مثلًا كونك محاميمن النادر أن تأتيه قضية وفجأة تأتي قضية عمره، قضية كبيرةجدًا، أتعابك بها خمسة ملايين! لكن بالطبع هذا الرقم لم أخذهبسهوله، طلبت المساعدة من زميلتي أسماء، أخبرتها المبلغالهائل الذي سيكون لنا إذا ربحنا القضية، قالت وهي تنظر ليفي دهشة وعدم استيعاب:

– ما هذه القضية يا ماجد؟

– قضية بطلان عقد بيع أراضي

– وما سبب البطلان؟

– والد الموكل حين امضوه على عقد البيع كان فاقد الأهلية،ومعي اوراق تثبت أنه كان في مشفى الأمراض النفسية حينها

– حسنًا وماذا ننتظر؟ هذا كافي جدًا لبطلان العقد!

– لكن هناك مشكلة

– مشكلة ماذا؟

– كان ذلك قبل عشرين سنة… يعني لقد سقطت دعوة البطلانبالتقادم! 

– لكن بالتأكيد هناك ثغرة في القانون من الممكن أن نستغلها

– نعم بالتأكيد، لكن أنا عقلي توقف من المبلغ لا استطيعالتفكير في اي شيء!

– ماجد… الدفوع لا تسقط بالتقادم!

– نعم… يعني إذا استطعنا أن نجعل مالك الأرض هو من يرفعالدعوي يمكننا حينها أن نطالب بالتقادم!

– صحيح، لكن كيف سنجعله يرفع الدعوى؟!

– اتركي ذلك علي

                                *****

كانت الخطة كالاتي.. ذهبنا أنا وأسماء ومعنا بعض العمالإلى الأرض، قائلين هذه أرض الأستاذ علي وهو كلفنا بأننحول هذه الأرض إلى شركة، بالطبع واجهنا هجومًا كبيرًا، لكنظللنا متمسكين بأن الأرض للأستاذ علي ومن يريد أن يثبتغير ذلك يذهب إلي المحكمة ويثبت! تدخل ابن صاحب الأرضوقال بأنه سيرفع دعوى علينا ويثبت ملكيته للأرض، وهذاالمطلوب.. ثمرة خطتنا تنبت الآن.

أخبرت أسماء بأن تنتظر هنا مع العمال وأنا سأذهب مع ابنصاحب الأرض بحجة أني أريد أن أتأكد من الأمر!

قبل أن نصل إلى المحكمة جائني اتصال من أسماء، تخربنيأن امنعه من رفع الدعوى؛ فكل ما قاله لنا الأستاذ علي كانكذب، صاحب الأرض أيضًا يكون عمه، ولقد باع له أخاهالأرض وقتها، لكن حين ذاد سعرها هذه الأيام أراد علي أنيرجع يشتريها بسعرها القديم، وبالطبع لم يوافقوا ولهذا زورالأوراق وجاء إلينا!

حقًا أنا غبي.. لو كان فعلا عقدًا باطلًا ما الذي جعله ينتظرخمسة عشر سنة؟!

لكن أيضًا هذه خمسة مليون! ظل بيني وبينها خطوة واحدة! كيف سأتراجع؟! ايقظت أسماء ضميري بقولها “وكيف ستناميا ماجد بهذا الذنب؟” حسنًا لقد تراجعت.. أسماء محقة. 

                                *****

توسلت لابن صاحب الأرض أن نرجع، لم أجرى أن أخبره الذيكنا ننوي، لأرجع إلى الأرض أجد أسماء اخبرت الجميع! تكلمت وأنا أحاول تبرير موقفي:

– حقًا لم نكن نعلم أنه يكذب! 

أجابني صاحب الأرض وهو يبتسم:

– لكن يا بني كان عليك أن تتأكد، خطأ صغير منك كانسيخسرنا أراضينا! أقول هذا حتى لا تتسرع في أعمالكالقادمة، يجب أن تتأكد أنك في جانب الحق

– صحيح أنت محق، أعدك بأني في المرة القادمة سوف أتأكد

– بالتوفيق يا بني، لولا نقاء ضمائركم ما كنا هنا

– هذا واجبي، وحقًا أعتذر عن الذي سببته لكم اليوم، هيا لمنأخذ من وقتكم أكثر

ضرب كفًا بكف وقال معاتبًا:

– أهذا يعقل يا بني؟! يجب أن تأخذوا واجب ضيافتكم، وأيضًالدي عمل لكم.. في الحقيقة ابن صديقي متهم بجريمة قتل،لكنه لم يقتل، كنا نبحث عن محامي يستطيع أن يثبت هذا،وبالذي فعلتموه اليوم أنا متأكد أنكم ستنجحون في ذلك، ولاتقلقوا إذا أخرجتموه سوف تأخذون أضعاف ما كان سيعطيهلكم علي..  ها ماذا تقولون؟!

أجبته وأنا أضحك مثل الأبله بأننا موافقون، لا أصدق هذا! كنتحزين من أجل الخمس ملايين! والآن في يدي أضعافهم! بجانب الكثير من القضايا الذي أصبحت تأتيني! حقًا صدقالذي قال “حين تغلق باب حرام بيدك؛ سوف يفتح الله لك الكثيرمن أبواب الحلال”

شاهد أيضاً

عشق الذنوب

بقلم :د٠ سرى العبيدي ✍️ سفيرة الجمال والثقافة العالمية✍️ عشقت ذنوبي بعد أن شفت أيمانكم …