(الحبّ ممنوع)

ـ شوقي مسلماني

(آخِر من يعلم)
الحقَّ أقول إنّ شرّ البليّة ما يضحك فعلاً: فيديو قصير يُظهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ممتدحاً رئيس صربيا الجالس إلى يمينه ضيفاً عليه في البيت الأبيض، وممتدحاً قراره بنقل سفارة بلاده ـ صربيا ـ في “إسرائيل” من تلّ أبيب إلى القدس. ويظهر الرئيس الصربي في الفيديو مثل من يبحث في أوراقٍ أمامه عن شيئ ضائع، ثمّ يتلفّت ناظراً إلى مرافقيه ليسمع حقيقة ما هو سمع من ترامب للتوّ ولا علم له به، ثمّ يمسح جبهته بكمّ سترته وكأنّما ليزيل عرقاً متصبّباً، ويعدّل بأصابعه أطراف “شنيوره” ـ ناصيته ـ مقدّم شعر رأسه ـ بلغة جسد لا تخطئ إذا هو في “عصفوريّة” ـ مستشفى مجانين؟. وكتب صحافي صربي مقالاً ساخراً بعنوان: “الرئيس آخر من يعلم”.

(أنكر ونكير)
من رأى “دونالد ترامب” أيّام الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة السابقة على شاشة فضائيّة “سي أن أن” رآه حقّاً بشِعاً من مومياءات، أو كائناً من كائنات “د. فرانكشتاين”، ومن رآه على شاشة فضائيّة “فوكس نيوز” رآه إمّا “جون ترافولتا”، وإذا هو عربي، قولوا “عمر خورشيد”، ومَن في حينه أيضاً رأى منافسته “هيلاري كلينتون” على شاشة فضائيّة “سي إن إن” رآها، وقولوا جميلاتي الأمميّات: “آل ماكفرسون” أو “نعومي كامبل”، أو قولوا كما يقول اللبناني إذا أعجب بصبيّة: “نخلة جويّا” أو “قمر مشغرة”، وفيما من رآها على شاشة “فوكس نيوز”، قولوا رآها، إذا هو مسلم شيعي، ولا ” الِشمر” اللعين الذي قتل إمام الشهداء “الإمام الحسين”، ومن يراهما بعيني قلبه الكبير وعقله المستنير وضميره الحي الحرّ، على المحطّتين، يراهما ولا “أنكر ونكير”.

(أحد اللحى)
أحدُ اللحى هو بحقّ، وغير متجنٍّ عليه، وستدركون ذلك، من الذين يقرأون القرآن الكريم والقرآن الكريم، كما يُقال، يلعنهم. لم يبد أسفاً أنّ همجاً اعتدوا على “جنازة” في بيروت، وبالرصاص الحي، وقتلوا ثلاثة وجرحوا 16. قيل له، تساهلاً واحتراماً لعمامته، من القرآن: “من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً”، وقيل له: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”. ولكنّه، وكما قال الشاعر العربي عمرو بن معدي كرب بن ربيعة الزبيدي: “لقد أسمعتُ لو ناديتُ حيـًا \ ولكن لا حياة لمـن تنادي \ ولو نارٌ نفختُ بها أضاءت \ ولكن أنتَ تنفخ في رماد “.

(خطّ القلب مقفل)
“كلّ كلمة صادقة هي بالضرورة خطوة إلى الأمام”، قال الأوّل، ووافقه زميله ولكن ليس من دون تصويب، من وجهة نظره، وقال بإصرار: “كلّ كلمة صادقة هي خطوة إلى الأمام فعلاً تجد لها ألف عائق يعترض سبيلها”، وقال الثالث بسخرية: “إذا أخبار عن الصدق فأعلموني رجاءً”، وتساءل الرابع إذا خلاف لا يكفّ وبلا ملل بين “المشايخ والخوارنة والحاخامات والله”؟. وختم خامسهم الأخير قائلاً: “ذلك يا أصدقاء لأنّ خطّ القلب مقفل”.

(مشهد)
ضابط من دول العالم الثالث في قوى الأمن، قال واقفاً، مخذولاً، خلف مكتبه المرتّب، وهو يُعيد سمّاعة الهاتف ببطء وحذر شديدين إلى موضعها: “لا بدّ أن أحدهم ارتكب جرماً، وأنا يجب أن أتستّر عليه، يا لهذا “النكد”. شجّعتني زوجتي وقالت أنها تنوّرني “عشان نِقِبّ فوق الدنيا”، لكنّي أنا حمار”.

(الحبّ ممنوع)
في سبعينات القرن العشرين أوقفه ضابط أمن الحدود، وحين رآه يحمل كتاباً هو مجموعة شعريّة للشاعر محمود درويش بعنوان “حبيبتي تنهض من نومها” أخذه منه، “فلفش”، أو “بحبش”، أو “فتّش”، فيه، حتى أخيراً سأل مستغرِباً أو مندهشاً: “إيشْ هادْ، ما فيْ صوَر”؟. قال له د. أسامة: “هذا كتاب شِعر”. وعلى الرغم صادره منه، فالحبّ “ممنوع”.

(الصكّ)
دخل عبد السلام النابلسي مسرعاً، والكاميرا تتأرجح من كتفه، رافعاً، كأنّما راية النصر، “صكّاً” ـ “شيكاً”. وانحنى عند طرف مكتب العندليب عبد الحليم حافظ الذي بدا كأنّه هنا وليس هنا وبيده قلم لا يتحرّك فوق ورقة ناصعة البياض. ولوّح له أمام عينيه بالصكّ وقال: “مكافأة من الإدارة، أكتب يا صديقي، وأنا سأصوّر وسأصوّر، أكتبْ “أيوه”، أنا يا صديقي عندما لمستْ أصابعي “الشيك” شعرتُ “إنّي عاوزْ أَصَوَّرْ وأَصَوَّرْ”. وتركه له أمامه وخرج، ثمّ سرعان ما رجع، ولم ير عبد الحليم في مكتبه، تملّكته الحيرة الشديدة، والنابلسي فنّان جميل، والتفت ورأى موظّفةً تدخل إلى المكتب وتنظر إليه شزراً وتعطيه ما تركه هو ذاته فوق المكتب. فهِمَ وحزنَ. وهو يُريد أن يلحق به قالت له: “وهو يقول لك أيضاً إنّه لا يريد بعدُ أن يكتب غير ما يمليه عليه ضميره الحي”.

(عتاب)
وقع عراكٌ بين السينمائي المشهور “فريد شوقي” ومواطنه وزميله الكبير أيضاً “محمود المليجي”، وكما هي العادة، أو كما في أكثر أفلامهما المشتركة، نزف أنف “المليجي” بلكمة وجّهها إليه صديقه ـ عدوّه، وفيما “المليجي” يمسح الدمّ الذي يسيل من أنفه عاجلته عجوز وهي في منزلها تشاهد على التلفاز، فيما تقترب من الشاشة الصغيرة كأنّما ليراها المليجي ذاته جيّداً، أو لكي يسمعها جيّداً جدّاً، وقالت: “هيكْ أحسنلكْ؟، يخربْ بيتكْ، بتستاهلْ، خلّي الدمّ ينزل من مناخيرك، الله لا يردّك”.

(اخرجوا أنتم)
“أنبّهكِ إذا استمرّيتِ بالدخول مع آخرين إلى باحة موقف السيّارات، ولو هو مهجورة غالباً وتحديداً ليلاً، سنوقفكِ أنتِ ومن معكِ أيضاً وأيضاً”، قال الشرطيّ الأميركيّ “الأبيض” لشابّة جميلة من “الهنود الحمر” ـ سكّان أميركا الأصليين، وهي ترتدي ملابس جلديّة سوداء ضيّقة، مثل تلك التي ترتديها متمرّدات، وفيما هو يردّ إليها محفظتها ومفاتيحها وجوّالها إيذانا بإطلاق سراحها قالت: “سنستمرّ حتى أنتم تخرجون”. قال لها بلهجة الواثق: “أقول لك ممنوع، لا تفعلوا، هي أرض تملكها بلديّة المدينة”. قالت له، وقد وقّعت ورقة إطلاق سراحها، واستلام ممتلكاتها أو ما هو لها وهي تنظر إليه بشجاعة: “أقصد حتى تخرجوا من أميركا”. وكم فعلاً بعدُ عميقة هي الجراح في صدور الناجين من سكّان أميركا الأصليين. ودفعتِ البابَ وخرجتْ بخطى متحدّية أو لا مبالية.

(حيّوا العراقي)
ويومها خسرت العراق في لعبة كرة القدم أمام كوريا الجنوبيّة 2 ـ صفر، على رغم الإداء الجيّد للفريق العراقي حقّاً، وكان الجمهور العراقي في ملعب أولمبك بارك ـ سيدني ـ أستراليا ـ ضخماً ومتحمّساً، وبغضّ النظر عن النتيجة ظلّ ـ وهو سرياني وكلداني وآشوري ومندائي وأيزيدي وأرمني وعربي وكوردي.. إلخ ـ وطوال الطريق إلى محطّة القطار عائداً إلى مناطقه، وتحت المطر، وسط الطبول والصنوج والزغاريد، يغنّي: “حيّوا العراقي”. سينتصر العراق على كلّ محاولات تمزيقه.

(الله لا يجبركن)
مواطنان أستراليّان أحدهما من أصل مقدوني وثانيهما من أصل يوناني يتقاذفان بالشتائم ويسيّران المظاهرات الحاشدة في شوارع سيدني ضدّ بعضهما البعض، “وما هي قضيّة الأخوين الكريمين”؟، أحدهما يقول إن الإسكندر الكبير مقدوني، وثانيهما يقول بل هو يوناني، وهما معاً تاريخيّاً كانا واقعاً تحت أمرته ورايته، فالإسكندر جمعهما، وهما يصرّان أن يتفرّقا بإسمه. وكم هما يشبهان “عرباننا” الذين هم في الماضي على حساب الحاضر، “الله لا يجبركن”!.

(زيلنسكي)
والأسخف هو أنّ رئيس أوكرانيا “مستر زيلنسكي”، قبل الحرب الروسيّة ـ الأوكرانيّة، كان يحرّض على شعب فلسطين وأهل غزّة، وكان يدعو الأوكرانيين إلى نصرة إسرائيل بكلّ قواهم. سمعنا خطابه في الكنيست الإسرائيلي وهو يقول إنّ الشعب الأوكراني يعاني مثل الشعب الإسرائيلي، وإنّ الشعبين ـ فُضَّ فوه ـ “محاطان بأعداء لا يسعدهم إلاّ أن يرونا أمواتاً”. ولكنّ فلسطينيّاً “نشميّاً” كتب تعليقاً على فايسبوك كان حقّاً دعاء مستجاباً: “الله يبليكْ يا زيلنسكي الصهيوني، بروسيا بوتين، تحتلّ بلدكْ، وتعرفْ يا مشؤومْ شُو معنى الإحتلالْ”.

(إزراييل فنكلشتاين)
قال عالم الآثار الإسرائيلي المعروف “إزراييل فنكلشتاين” إنّه “نخّل” فلسطين شبراً شبراً، طولاً وعرضاً، ومن أقصاها إلى أقصاها، ولم يعثر، هو وفريق عمله، على أثر لمملكة سليمان ولهيكله. حتى صرّح أخيراً قائلاً: “نحبّكَ يا سليمان ولكنّنا لم نعثر عليك”.

(علاج الصرع)
ادّعى النبوّةَ، وكانت سيّدة إلى جانبه، يبدو أنّها النبيّة “سجاح” ـ و”سجاح” تعني “المستقيمة” ـ وأضاف، في حوار تلفزيوني، ردّاً على سؤال، ما هو في خانة أيّ كلام أيضاً، وقال أكثر وأكثر وإنّه “نباتي” وفي آن له “كرش”. حتى قال أخيراً: “أنا نباتي، باكلْ عشبْ، بسْ جسمي كبير، أنا بالأصلْ: بغلْ”. وعلّق صديقٌ ساخراً: “دينٌ جديد لعلاجِ الصرع”.

(بإختصار)
قال الممثّل التلفزيوني اللبناني “أمين”، في حلقة من حلقات “فرقة أبي سليم الطبل”، لزميله “أسعد” الساذج، والذي كثيراً ما ينسى، وهما في متجر صغير يعمل فيه أمين: “الله يا أسْعُدْ إذا أعطى أَدهُشْ”. كانا يتحدّثان عن مصدر الثروة التي سمعا أنّها سقطت فجأة على رأس “فهمان”، المحتال كما في أغلب أعماله مع أبي سليم، وهو في آن زميل لهما تاريخيّاً في الحرمان. قال له أسعد، فيما يهمّ بالمغادرة، حاملاً سلّةً وتاركاً “أغراضاً” ـ “أشياءً” ـ “مشتريات” ـ على الأرض: “وحْياتكْ يا أمينْ إذا إجا “أدهُشْ” قُلّو يحمُلْ هالشاكُوشْ وباقي العدّه.. ويُلحقني”.

(كارل ماركس)
“ألحّ فردريك انغلز لسنوات كي ينجز كارل ماركس كتابه “رأس المال”، حتى مرة دعاه الى تحديد موعد يلتزمه لإرساله الى المطبعة”، وهذا عين ما لم يحصل. وبعد عشر سنوات كان كارل ماركس لا يزال يكتب. والتأخير كشفَه تقرير مخبِر كُلّف تتبّع ماركس في حلّه وترحاله، وممّا ورد في تقرير له: “يقيم في بيت من غرفتين في لندن، يصيب المرض أفراد أسرته، الدائنون يطرقون بابه يوميّاً، آلام كبده تزداد، دمامل تستعرّ تحت جلده لدرجة إجباره على الكتابة أحياناً كثيرة واقفاً”. وبخطّ يد كارل ماركس مقدّماً خلاصةً له: “آمل أن يتذكّر البورجوازيون الخنازير دماملي إلى آخر يوم في حياتهم”.

(الحريّة)
الأيدي الآثمة اغتالت القاصّ والكاتب د. علاء مجذوب أمام بيته عائداً من ندوة أدبيّة في كربلاء ـ العراق. واستنكاراً لهذه الجريمة النكراء أهدى الفنّان التشكيلي محمّد خالد للشهيد “بوستر” ـ “ملصق” ـ ينتصر للإبداع وللحريّة: “13 رصاصة اخترقت جسد شهيد الثقافة والحريّة”. وأيضاً: “دمك مستباح أيّها المثقّف، يسيل في الشوارع، ولا يريدون أن يكون بعدُ عقل ولا فرح”.

(الله يا مناضل)
متأنّق، حتى تظنّه من “هوليوود”: مُورَّد “الخدّين”، مصفَّف “الشنيور” ـ الناصية ـ مقدّم شعر الرأس، معقود “الرسن” ـ “الكرافتة”، خاتمٌ كبير ـ ذهب ـ موشّى بالماس ـ في إصبعه، ساعة يد “آخر صرعة”، موبايل كبير، وهو في حوار تلفزيوني، وهو قائد حزبي ـ يا ساتر أستر ـ الغيمة هي سحابة صيف ـ حديثُه في “النضال” عن لبنان الذي لا عمل، لا ماء، لا كهرباء، والغرقى هرباً إلى الهجرة في البحار القريبة والبعيدة، ويريد مثالاً عن سير أمور أوروبّا “المنظّمة والوادعة”، على حدّ تعبيره، ويُشهد محاوِره على كلّ ما هو يقوله، فكلّما شاء أن يخفّف من ثقل أحمال “كفاحه”، أو بتعبير آخر كلّما أراد أن يريح رأسه، فهو يغوى “اليخوت”، والنوادي في أوروبّا فيها وفرة ورِقّة. سنويّاً نزهة في بلد أوروبّي؟، وغاوي “يخوت”؟، من أين لك يا مناضل؟. ولن ينكر عليك نضالك هذا إلاّ كلّ، قلْ لو شئت، “أنكر ونكير”، اللذين عندما تغادر عالمنا قريباً جدّاً بعونه سيسألانك أسئلة كم ستكون محرجة!.

(خيول المسلمين)
يبدو أنّك كنت في غضب شديد حين قلتَ له مردّداً: “كم من مصلٍّ لا يطيل صلاته لسوى الطمع، متلهيّاً، إمّا خلا، وإذا بصرت به ركع، يدعو، وجلّ دعائه: ما للفريسة لا تقع”؟. “ألا ليت اللحى كانت حشيشاً فتعلفها خيول المسلمين” و”سيملأ الأرض عدلاً بعدما مُلئت جوراً”.

[email protected]

شاهد أيضاً

كلماتٌ في وداع إسماعيل هنية “أبو العبد” “3”

وصية الشهيد لإخوانه ولسان حاله من عليائه د. مصطفى يوسف اللداوي الدوحة – قطر ارتقى …