من قال: كرمال عين تكرم مرجعيون؟

إعداد علي منير مزّنر

قبل نهاية القرن الماضي، اشترى البارون روتشيلد اليهودي قرية “المطلّة”، إحدى قرى منطقة مرجعيون في ذلك الزمان، من مالكها جبور بك رزق الله من صيدا، وذلك في نطاق أحد المخطّطات الصهيونيّة، لجعل قرية المطلّة قرية يهودية، و«مغط” حدود “أرض الميعاد” إلى ما وراءها.
وكان زعيم المطلّة الشيخ علي الحجّار من زعماء الدروز المعروفين ومن أصحاب المكانة عندهم، إذ سبق له أن قاد إحدى حركات العصيان المسلّح ضدّ الدولة العثمانية وبطش بإحدى حملاتها، فقتل بعض أفرادها وشتّت شمل من تبقّى منها.
واضطرّت الدولة يومئذٍ إلى توسيط الوجيه المرجعيوني ملحم راشد بينها وبين الحجّار، ولكن بدون جدوى. وعُرف أنّه استسلم في ما بعد بواسطة نسيب باشا جنبلاط وعُفي عنه.
وفي أحد الأيّام، استدعاه القائمقام رفعت بابان بك إلى جديدة مرجعيون لغاية ما. وعند المساء توجّه عائدًا إلى قريته، إلّا أنّ فرسه وصلت صباح اليوم التالي إلى المطلّة بدون فارسها، فهبّ رجاله يبحثون عنه حتى عثروا عليه مقتولًا ومطروحًا قرب نبع الحمام في مرجعيون.
قيل إنّ قائمقام مرجعيون كان وراء مصرعه، كما أشيع بأنّ أحد زعماء المنطقة كان يترصّد خطواته، إلّا أنّ مقتل الحجّار ما زال حتى الآن سرًّا مغلقًا لم يستطع أحد أن يكشف عن حقيقته، وقد يجوز التكهّن، بالنسبة إلى تسلسل الأحداث، بأن إزالة “الحجّار” من الطريق قد سهّلت عملية اقتلاع الدروز من قرية المطلّة وتسليمها إلى اليهود، قبل نهاية القرن الماضي.
الذي يهمّنا الآن هو أنّ جماعة “الحجّار” إتّهموا أهالي جديدة مرجعيون بقتله، فذبحوا عسّاف الصغير على الفور، قرب جسر الخردلي، وأخذوا يجيّشون للهجوم على الجديدة. وبنو معروف، كما هو معروف، لا يبيتون على ثأر ولا ينامون على ضيم، فكم بالحري إذا كان قتيلهم من عيار الشيخ علي الحجّار.
هذا مع العلم أنّ الهجوم على جديدة مرجعيون مغرٍ وهيّن: بيوتها عامرة وأهلها مسالمون، يتنافسون على اقتناء النفائس ولكنّهم لا يخبّئون البنادق في مخادعهم.
لذلك لجأ أهالي الجديدة إلى المراجع المسؤولة، وتوجّه بعض وجهائهم إلى بيروت حيث قابلوا رضا بك الصلح وطلبوا مساعدته فأبى وقال لهم “إقلعوا شوككم بأيديكم”.
وذكّر رضا بك أهالي الجديدة بحادثة خان الزهارية عندما فكّ صاحب الخان حمارًا لرجل من صيدا وربط مكانه فرسًا لرجل من الجديدة، فنشأ عن ذلك خلاف بين الرجلين، وتألّب الصيادنة على الجدادنة وأهانوهم، فقدم هؤلاء شكاوى قاسية اللهجة إلى مقام والي بيروت.
كان رضا بك الصلح، يومئذٍ، يشغل وظيفة حسّاسة في مركز ولاية بيروت، وأراد بحكم وظيفته أن يتوسّط بين الصيادنة والجدادنة فرفض هؤلاء وساطته قائلين: “إبن صيدا ما بينعطى ريق حلو”.
وبلغت هذه العبارة مسامع رضا بك، ولذلك رفض في ما بعد أن يتوسّط لأهالي الجديدة في قضيّة مقتل الحجّار.
في ذلك الوقت كانت عليا فرنسيس قد شقّت طريقها لتصبح من أسياد المواقف في المنطقة، وشعرت بأنّ الجو قد اكفهرّ بسرعة، وأنّ ملابسات جريمة مقتل الحجّار قد تتطوّر إلى فتنة طائفيّة فانتخبت وفدًا من وجهاء المسيحيين في المنطقة وهبطت إلى بيروت وقصدت رضا بك الصلح بالذات.
فرحّب رضا بك بعليا فرنسيس أجمل ترحيب، وطيّب خاطرها وخواطر صحبها وقال في معرض الكلام: “كرمال عين تكرم مرجعيون”.
وقد ذكر محمد جابر آل صفا في “تاريخ جبل عامل” أنّ رضا بك ذهب إلى مرجعيون وأشرف بنفسه على التحقيق في جريمة مقتل الحجّار فكشف ملابساتها ورفع تقريرًا يبرّئ فيه ساحة المسيحيين ويلقي تبعة القتل على عاتق القائمقام المذكور، لكن الأهواء السياسية – كما يقول آل صفا – طمست ذلك التقرير، وطوت صحيفته وذهب دم الشيخ هدرًا.

في الزوايا خبايا.

شاهد أيضاً

دولياً وعربياً وأحزاب وشخصيات سياسية وحزبية دانت بشدة العدوان الإسرائيلي على لبنان وأبرزهم: حردان وحجازي والداوود وأبو حمدان

أحمد موسى كواليس| إدانات واسعة عربياً ودولياً ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان ، واصفين ذلك …