عاش الحسين ويزيد أيضًا

علاء شدهان الجعفري القرشي

مات الحسين ليعيش ويَخْلُد، وعاش يزيد لينْقُص ويموت ويتلاشى.
ولكن ما معنى أن يعيش الحسين؟ وما معنى أن يموت يزيد؟

ألا نرى يزيدَ بين الحين والآخر؟ بنفس التبرير الذي يجعلنا نرى الحسين بين الحين والآخر؟
الأمر الذي يمنحنا الحق في تخليد الحسين، هو عينه الأمر الذي يمنحنا الحق في تخليد يزيد. فما زال منهجه حيًّا فاعلًا، طُــــرُقَــــهُ وأساليبَهُ.
إذًا: عاش الحسين وعاش يزيد أيضًا.

ما معنى ذلك؟
يدل ذلك على أحد أمرين: ثورة الحسين لم تحقق جميع أهدافها.
أو لم يكن من أهدافها قتل يزيد وموته وتلاشيه.
فماذا فعل الحسين إذًا؟ ما الشيء الذي كان يتطلّب شجاعة فريدة، وبصيرة نادرة ليتحقّق، فحققه الحسين، فنالَ مجده، وخلُدَ وعاشَ.
إنّه اكتشاف الطريق إلى قتل يزيد، لا قتل يزيد بالذات. فقد كان اصطناع جيش للإطاحة بيزيد أهون شيء على الحسين، وأسهل عليه من عيش لحظة من لحظات كربلاء.
يتطلّب اكتشاف الطريق بصيرة نادرة، بعد أن اختلط الصواب بالخطأ اختلاط الملح بالماء.
وتتطلّب الخطوة الأولى على ذلك الطريق شجاعة فريدة بعد معرفة حجم التضحيات التي تلي هذه الخطوة الأولى.

رسم الحسين ذلك الطريق بتروٍّ، وعمقٍ، وترك الوصول إلى نهايته إلى أجيال تتعاقب على السير فيه، لأنّه طريقٌ طويلٌ لا يكفي عمرُ إنسانٍ واحدٍ لبلوغ نهايته.

فهل وصل أتباعُهُ إلى نهاية الطريق الذي خطّه؟
ما زلنا نرى يزيد، وأخشى أنّه يزيد فعلًا، ولا ينقص. وهذا معناه: عدم هذا البلوغ، وذلك التحقّق.
مات الحسين ليعيش، لا بجسده، ولا بأسرته، ولا لذريته، ولا كـــرأسِ مالٍ رمزيٍّ تذهب فيه الأهواء كل مذهبٍ، بل ليحيى كـــفكرةٍ، ريثما تتحوّل إلى مبدأٍ، يستعين به السائرون على بلوغ نهاية الطريق.
يتغذى يزيد على الفساد ليزيد، فيقتلعه الحسينيون بالفضيلة فينقص، ويزداد نقصًا طالما اعتكز الحسينيون على الفضيلة، وأصرّوا على ذلك المبدأِ الذي أرسى أبعاده، ورفع معالمه الحسين يوم كربلاء.

وللفساد تشكّلات شتى، في المجتمع، سياسةً وأعرافًا واقتصادًا وأخلاقًا وقيمًا وإدارةً، وفي الدين، تزويرًا وتمويهًا واستغلالًا واتّجارًا وتلبيسًا. والفضيلة على خلاف ذلك كله.

ولا يكون الطريق طريقًا ما لم يتمكن مكتشفه من معرفة نهايته. عليه أن يحدّد بدأه ومنتهاه ليتمكن من إعلانه طريقًا. ومن دون تحديد منتهاه لا يكون طريقًا، بل مشي على غير هدى. ولا يكون ذلك إلّا لمن امتلك بصيرة وعمقًا في معرفة عالمه الذي يعيش فيه، ورؤية ممتدّة إلى مآلات الأمور.
قتلوه ظنًّا منهم أنّهم ضلّلوا الناس عن الطريق إلى يزيد، وغاب عنهم أنّه اختطّه بسيفه على صخور التاريخ، ورسمه بدمه على رمال الزمان، وأشار إليه ببريق عينيه، وعيّن خصائص كل يزيد بما لا مزيد بيانٍ عليه. ولم يبق إلا الوصول إليه. فلم يكن الحسين ينوي قتل يزيد، بل كان ينوي قتل كل يزيد.

شاهد أيضاً

💎سر الموناليزا..

الجميع قد شاهد لوحة الموناليزا وابتسامتها الغامضة والطريقة التي تنظر بها إليك، وطريقة جلستها ودقة …