جنون الدعاية السوداء ومطلقيها

نسرين نجم: اختصاصية في علم النفس الاجتماعي

عرفت بالكثير من المسميات ” الحرب الباردة”، ” حرب تصنيع الافكار”، ” الحرب الدعائية” وغيرها وكلها تصب في خانة “الحرب النفسية” التي تعتبر من أنجع أسلحة الحرب غير المكلفة لا بشريا ولا ماديا، فما عليك الا ان تصنع خبرا وتنشره بقصد” التأثير في الروح المعنوية وعلى سلوك اي جماعة لغرض عسكري معين” …. ولهذه الحرب الآثار الهامة التي لا تقل أهمية وفتكا وضراوة عن الحرب العسكرية، فالحرب النفسية سلاحها الكلمة والصورة فقط…
انظروا كيف يستخدم العدو الصهيوني الحرب النفسية من على لسان قادته مثال ما ورد في منشور احد هؤلاء المسؤولين الصهاينة بأن جنوده سيتناولون الطعام في مطعم بالحمرا، ويسهرون بمكان آخر في بيروت، وحتى ان كبار مسؤولي الكيان المؤقت ومنذ السابع من اوكتوبر لم يتوانوا عن ضرب مواعيد لغزو لبنان وآخرها كان في الخامس عشر من حزيران ثم تأجلت للخامس عشر من تموز، وحتى أن هؤلاء يستخدمون مواقع التواصل بدقة من خلال نشر معلومات مضللة تنتشر كالنار في الهشيم، ويخصصون لها محللين سياسيين واعلاميين وبلوغرات وحسابات وهمية لترسخ في عقول المتلقين وتؤثر فيهم الاثر الفعال، اضف الى ذلك انه في وطننا العزيز لبنان هناك فئة من الناس يتعاونون وينسقون مع العدو بشكل مباشر او غير مباشر لنشر مثل هكذا مهاترات وأضاليل وحتى قيل عنهم بأنهم صهاينة أكثر من الصهاينة في هذا المجال، فيعملون على تنفيذ اجندة العدو بحذافيرها، وللأسف بعض جمهور المقاومة والرأي العام عموما لربما لعدم فهمهم لحقيقة وخلفية الامور يساعد بشكل غير مباشر على نشر هذه التغريدات تماما كما حصل عندما شاركت الالاف من الحسابات بنقل تغريدات بين مسؤول في الكيان المؤقت واعلامية لبنانية، بغض النظر عن مضمون هذه التغريدات، لكن مجرد مشاركة هذه التغريدة ونقلها على صفحتك او حتى الدخول الى صفحة هذا المسؤول الصهيوني والتعليق عنده، فأنت حققت أهداف العدو من خلال الاخذ والرد معهم.
وايضا نرى انه عندما تحصل غارة ينتظر العدو على مواقع التواصل ويدقق بالمعلومات والصور والأسماء التي تقدمها هذه الفئة غير المسؤولة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفعلا يحصل على ما يريد نتيجة غياب الوعي وعدم التزام البعض بتعليمات القيادة بعدم نشر اي معلومة.
إذن الحرب النفسية والدعاية السوداء من اخطر الوسائل في الحروب لانها تستهدف العقل والروح والتفكير بقصد تحطيم المعنويات والقضاء على الرغبة في القتال، ولكي تواجهها وتقاومها تحتاج الى جانب الوعي والصبر تطبيق مبدأ” وداوني بالتي كانت هي الداء” وهذا ما اعتمده محور المقاومة والتي كان له المفاعيل الكبيرة والهامة في نفوس الصهاينة من صغيرهم الى كبيرهم، بحيث استخدموا الحرب النفسية بأشكال وانواع متعددة إن كان من خلال الفيديوهات التي عرضت وتعرض للعمليات النوعية للمقاومة خاصة “فيديو الهدهد” الذي قلب المعايير رأسا على عقب، ايضا الموسيقى المنتقاة لهذه الفيديوهات، الصيحات والصرخات التي تعلو، أنواع الاسلحة التي دائما في تجدد وتطور، عنصر المفاجأة الذي لم يغب عن قاموس محور المقاومة منذ السابع من اكتوبر، وحتى حين ظهور قادة المقاومة بخطاباتهم بكل ثقة ومصداقية وموضوعية وإيمان، كل هذا شكل عامل مدمر لا مفتت للروح المعنوية عند الصهيوني، فبرزت مشاعر القلق والخوف وعدم الامان والتوتر بشكل كبير وهذا ما نلاحظه عند سكان المستوطنات الذين هربوا من بيوتهم على الحدود الشمالية الى فنادق، ومنهم من هاجر الى غير رجعة لان اغلبهم على قناعة بأن كيانهم ليس كما صوره القادة الصهاينة بأنه الارض الموعودة بل هم متأكدون بأنهم عالقون في حرب ابدية، ولا يمكن أن نغفل عن الانهيارات العصبية والانتحار الذي يعيشه جيش العدو، والاعداد الكبيرة التي تحتاج الى علاج..
بالعودة الى مواجهتنا لهذه الحرب النفسية، ولكي نحافظ على قوتنا وانتصارنا وانجازاتنا ومكتسباتنا علينا ان لا ندخل في بازار الرد على الابواق التي تدفع لها السفارات ان كانت الاميركية أو البريطانية أو العربية المطبعة لتأخذ البلد نحو الفوضى ولاثارة النعرات الطائفية والمذهبية، فعدم الرد على هؤلاء يحجمهم، ومع الوقت ستنتهي حفلتهم الجنونية في الاتهامات ونشر الاضاليل لانهم متجهون وبشكل منطقي وعقلاني الى هزيمة نكراء وعندها لن ينفع الندم…
لذا علينا اظهار الحقائق وانجازات المقاومة، وعلينا الصبر والوعي وعدم الانجرار وراء اي اشاعة ونشرها والترويج لها، والتأكد مما ينشر بالعودة الى الجهات المعنية وانتظار بياناتها الرسمية فالأمر ليس سبق صحفي، فالحرب النفسية الاعلامية الحاصلة في هذه الايام أشد ضررا واذى، فالجسد يقتل مرة واحدة بينما الروح في هذه الحرب تقتل عشرات المرات في اليوم الواحد.

شاهد أيضاً

السللة والذللة

شعار اطلقه ابا عبد الله الحسين ع يوم العاشر من محرم بعد محاصرته من قبل …