شهادة زائفة عن الحياة…

الكاتبة الصحفية مؤمنات اللحام

أعلنتُ انسحابي من الحياة في وقت مبكر جداً..
كنت أشك في وجودي الحقيقي أكثر من يقيني بوجود الله..
ما من ألم استطاع إغوائي للإدلاء بشهادة زائفة عن الحياة على نحو ما أدركها…
لم أكن أقيم وزناً لأحد ولا حتى لأي شيء.. و لا أُكِنُّ لأحد أي مشاعر.. و كأنني الهاربة من عالم الاشباح .. أبدو كطيف خالي الجسد و المشاعر، بلا روح، أتأرجح على عداد الزمن ..
أسافر على متن الخطوط الوهمية من محطة ضياع لأخرى.. و من مدينة بؤس إلى مدينة ألم بالتناوب..
كل الكون في نظري كان عبارة عن خرقة ممزقة من بالة العالم الافتراضي ذو النوع الأول..
رغم اتفاقية الحياة التي فرضتها عليَّ ولادتي دون أدنى رغبة مني و رغم كل معاهدات التعايش مع الحياة التي وقعتها بانجازات بسيطة تارة و خذلان تارات كثيرة و مريرة .. إلا أنها كانت في كل مرة تخونني و تخرق كل البنود..
و لأنني اعلنت انسحابي مبكراً لم أعد أكترث لخرق اتفاقية او معاهدة قائمة على عدم رضا الطرفين ..
فكيف ل كائن يولد و يُقحم و يُزج في سجن الحياة بارادة الله و رضا منه و بدون أن يكون لهذا الكائن الرغبة او الرضا او القبول…
إن آدم خرق الاتفاقية و المعاهدة التي تمت بينه و بين الله و بسبب خرقه حُرم الجنة.. و لحقت تبعات خرقه كل نسله من بني آدم..
فلا يوجد الآن كائن على وجه الأرض إلا و ذاق كل أنواع العذاب و الحرمان و الضياع.. و أقسى أنواع العذاب.. محاربة العذاب بحد ذاته و محاولة الوصول الى اقل درجات السلام ليس أعلاها.. لا لشيء فقط لأننا خُلقنا على هذه الارض معذبين.. يكفي أنَّ أيّ شيء نحتاجه علينا بذل كل الجهد لنحصل عليه..
فكيف للرب ألا يُدخلنا في رحمته ولا يُدخلنا جنته..
أستغفرك يا ربي .. هل يمكن لأحد منا أن يرى نفسه أفضل من سيد البشر آدم ؟
لم لا؟
آدم رأى الله و علمه و خلق له زوجة تؤنسه و آتاه من كل شيء و أسكنه الجنه بجواره و اشترط ألا يقرب الشجرة و لا يأكل من ثمارها، و خرق آدم الشرط..
أما نحن لم نر الله الا في قلوبنا، عندما نذنب و نتوب، و نخشى الله حتى في نفوسنا، و نطمع بالخلود في الجنة.. فلا أظن أنَّ الله سيتركنا في منتصف الطريق الوعر، حيارى ولا سكارى مظلومين أو ظالمين مذنبين أو تائبين..
سيرجع كل كائن إلى أصله.. إلى انسانيته و إلى الفطرة التي جُبِلَ عليها…
أما انسحابنا من الحياة لا يكون إلا لرفع الراية البيضاء و التحرر من سجن الحياة، و كسر قيود البؤس و العروج مجدداً الى الجنة…
لكن لا شك أنها درجات و لكلٍّ درجته فيها حسب درجة العذاب في الارض..
كلما ازدادت درجة عذابه كلما ارتقى في درجات الجنة..
طوبى للمنسحبين من الحياة و المقيمين بين أهل الجنة مهما كانت درجتهم فيها.

شاهد أيضاً

إردوغان والأسد إن التقيا “قريباً”.. في بغداد أم أبو ظبي؟

  توفيق شومان تبدو المساعي العربية والإيرانية والروسية في سباق غير معهود لإنتاج تسوية سورية …