قادة إسرائيليون فاقدو الثقة بقدرات جيشهم على حرب شاملة

 

     زياد  سامي عيتاني

قبل خمس سنوات، جمع رئيس أركان الجيش الاسرائيلي آنذاك أفيف كوخافي كبار القادة العسكريين في “ورشة عمل النصر” لوضع الأساس لخطة الجيش المتعددة للسنوات القادمة، وحينها خرجت قيادة الجيش من ورشة عمل الفحص الذاتي ببعض الاستنتاجات المقلقة، وأبرزها أنه على مدار ثلاثة عقود تآكل التفوق العسكري الكامل الذي تمتع به الجيش الاسرائيلي، بحيث أن “حماس” و”حزب الله”، اللذين كان يُنظر إليهما ذات يوم على أنهما جماعتان “إرهابيتان” ضعيفتا الموارد يمكنهما تنفيذ تفجيرات عرضية وهجمات خاطفة صغيرة، تمتلكان الآن قدرات تقترن بجيوش دول.

وقد حدد كوخافي التحدي الذي ينتظر قوات الجيش الاسرائيلي في مواجهة جيشي هاتين المنظمتين “المتطرفتين”: “انهم موجودون في قلب المناطق الحضرية بطريقة لامركزية، ما يجعل من الصعب للغاية تحديد موقعهم وتدميرهم، ويسمح للعدو بمهاجمة الجبهة الداخلية لاسرائيل بصورة فاعلة بمرور الوقت، إذ تمكنوا من بناء قدراتهم بشكل مطرد، في المقابل أنشأ الجيش الاسرائيلي قوة تعتمد على الاستخبارات والقوة الجوية، وهي القوة المقصود منها ردع أعدائه في عمليات قصيرة عرضية”. ودعا كوخافي إلى زيادة القوة الفتاكة للقوات البرية، وتحسين الترابط بين الطيارين والمشاة والدبابات والمسيّرات، ووضع أجهزة استشعار أفضل في ساحة المعركة لتحديد موقع (العدو) أولاً.

إلا أن قيادة الجيش الاسرائيلي، بحسب خبراء عسكريين، لم تدخل هذه القدرات على القوات البرية، ما جعل حركة “حماس” تتمكن من إختراق غلاف غزة خلال عملية “طوفان الأقصى”، التي تسببت في بحرب إستنزاف هي الأطول التي يخوضها الجيش الاسرائيلي، من دون أن يتمكن من الحسم الميداني منذ حوالي ثمانية أشهر، فوحداته الهندسية الخاصة تعمل ببطء مع الأنفاق الفردية، والجيش الاسرائيلي لا يزال غير قادر على العثور بسهولة على الأصول الاستراتيجية الرئيسية لـ “حماس”، أو القادة الكبار والرهائن المحتجزين داخلها.

ويؤكد الخبراء أن التحديات التي قد يواجهها الجيش الاسرائيلي في لبنان ستكون أعظم بكثير، إذ ان “حزب الله” يمتلك أسلحة مضادة للدبابات ومسيّرات هجومية أكثر تقدماً، وبالتالي فإنه ومن خلال القتال في دفاعات معدة مسبقاً في منطقة مفتوحة، سيكون بوسعه إستهداف قوات الجيش الاسرائيلي من على بعد كيلومترات.

ومع إرتفاع حدة التصعيد بين “حزب الله” وإسرائيل منذ عدة أسابيع، وسط الخوف من نشوب الحرب الشاملة بين الطرفين، يبقى السؤال المركزي: هل الجيش الاسرائيلي قادر على شن حرب شاملة على جنوب لبنان؟ يجيب خبراء عسكريون على إطلاع على الأوضاع داخل إسرائيل والتطورات الميدانية، بأن عوامل عديدة تحول دون قدرة بنيامين نتنياهو على تحديد الساعة “صفر” لشن حرب موسعة على “حزب الله”. ومن أبرز تلك العوامل التي يستندون إليها:

  1. خسارة إسرائيل للردع الذي حققته مع “حزب الله” منذ العام 2006 وحتى نشوب الحرب مع حركة “حماس” في 7 أكتوبر الماضي، وهو ما يفرض عليها إستعادته بمعزل عن مجريات ونتائج الحرب الجارية حالياً مع “حماس” في غزة.
  2. يعتبر قادة عسكريون سابقون في الجيش الاسرائيلي أن “هزيمة حزب الله، تحتاج إلى حرب طويلة ومعقدة للغاية، ولن تكون حرباً طويلة ومعقدة فقط، بل إنها حرب لن تكون إسرائيل مستعدة للانتصار فيها”.
  3. في الوقت الذي يخوض فيه مئات الآلاف من الجنود الاسرائيليين معارك ضد “حماس” منذ أكثر من ثمانية أشهر في غزة، فإن الجيش يحرق مخزوناته من القذائف والقنابل الدقيقة وصواريخ “القبة الحديدية” الاعتراضية.
  4. تمركز قوات الجيش الاسرائيلي حالياً خلف الدفاعات وعلى المنحدرات الخلفية بعيداً عن صواريخ “حزب الله”، لذلك فإن الاجتياح من شأنه أن يعرض هذه القوات للخطر.
  5. حتى إذا تمكن الجيش الاسرائيلي من الاستيلاء على مساحات داخل الأراضي اللبنانية (وهذا صعب للغاية)، فسوف يظل “حزب الله” قادراً على إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
  6. الضغوط التي تمارسها أجهزة الأمن والتي تريد الاستمرار في تنفيذ عمليات الاغتيال لقادة “حزب الله”، على الرغم من أن مثل هذه العمليات هي السبب الأهم في قيام الأخير بتصعيد هجماته ضد إسرائيل.
  7. سيؤدي الدخول في حرب شاملة ضد “حزب الله” إلى إضعاف قوة العمليات العسكرية التي يشنها الجيش الاسرائيلي في غزة للقضاء على “حماس”، وبالتالي قد تنتهز الأخيرة الفرصة لاستعادة سيطرتها على القطاع، ما يعني عملياً التخلي عن الهدفين الكبيرين للحرب هناك وهما: استعادة الرهائن، والقضاء على حكم “حماس” في غزة.
  8. خشية إسرائيل من رد فعل “حزب الله” وربما إيران نفسها في حالة شنها حرباً شاملة على لبنان، والذي سيتمثل في إطلاق آلاف الصواريخ والقذائف والطائرات الانتحارية المسيّرة على أراضيها، ما سيتسبب في خسائر جسيمة في أرواح السكان والجنود، عدا إصابة المراكز الصناعية بأضرار شديدة ترتب أزمة اقتصادية عنيفة قد يمتد تأثيرها لسنوات طويلة مقبلة.

في سياق متصل، طالب الجنرال الاسرائيلي المتقاعد القائد السابق في سلاح المدرعات، إسحق بريك، بالحل الديبلوماسي والتعاون مع واشنطن لقبول تسوية كأفضل الحلول للجبهة الشمالية. ودعا نتنياهو وقيادة الجيش إلى اتخاذ قرار حاسم وفوري بإعادة بناء الجيش، وإن تطلب الأمر حتى نصف عام، قبل اتخاذ أي خطوة وصفها بالمتهورة التي من شأنها أن تؤدي إلى هزيمة إسرائيل أمام “حزب الله”. وقال: “علينا أن نعلم أننا سنهزم في حرب على لبنان التي، حتماً، ستتسع إلى حرب إقليمية مقابل جيشنا الضعيف الذي تنقصه 15 وحدة قتالية وينقصه السلاح ومنظومات دفاعية لمسيرات حزب الله، لذلك الحل هو الاعتراف بوضعنا وإعادة بناء جيشنا ويمكن ذلك في غضون نصف عام”.

أما الجنرال احتياط، الرئيس السابق لوحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، يعقوب عميدرور، فحذر من قرار الحرب على لبنان، مشيراً إلى أن هناك حاجة، إلى جانب قوات كبيرة ومدربة ومستعدة، إلى تنسيق بين جميع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وهناك حاجة الى التزود بالأسلحة. وقال: “لا مجال أمامنا إلا الانتظار بأمل نجاح الجهود الديبلوماسية وفي الوقت نفسه إنهاء مهمة غزة ونقل الوحدات النظامية إلى الشمال لأن الحرب تجاه حزب الله ستكون صعبة جداً على إسرائيل”.

هذه المقاربة، تؤكد بما لا يقبل الشك، أن إسرائيل غير مهيأة ولا مستعدة عسكرياً للحرب الشاملة، التي لن تقتصر على جبهة الجنوب، بل قد تفتح عليها جبهات عدة برية وبحرية، ما يجعلها تراهن على مبادرة الرئيس جو بايدن لإمكان التوصل إلى حل ديبلوماسي-أمني، وهذا ما يمكن إستنباطه من تغيير وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت من خطابه بعد عودته من واشنطن.

شاهد أيضاً

بردونيات

عبدالله_البردوني عجز الكلامُ عن الكلام والنور أطفأه الظلام والأمن أصبح خائفاً والنوم يرفض أن ينام …