هل يُحَضِّر البطرك الراعي لإحياء بوسطة عين الرمانة؟

بقلم علي خيرالله شريف

إن “غبطة” البطريرك الراعي لا يصدر منه غبطةٌ ولا سرور. فهو إن سكت أسبوعاً فإنه يمضي وقته يفكر في التصعيد الأسبوع القادم. تكاد لا تمر عِظَة أو تصريح إلا ويتهجم فيه على من قدَّموا الغالي والنفيس على مذبح الوطن. في حين أنه منذ بداية طوفان الأقصى في ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣، لم يَنبُس بِبِنتِ شَفَة عن المجازر التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني في غزة ورفح والضفة الغربية، والتي تجاوزت ال ٣٥٠٠ مجزرة، برعاية أميركية فرنسية بريطانية أطلسية. ولم ينطق بجملة إدانة واحدة لجرائم الاحتلال في جنوب لبنان، وكأنه يناصر الذئب ضد الحمل.
لم يكترث صاحب الصولجان البطريركي بكل هذه الجرائم بحق الفلسطينيين، ولم يُدلِ بتصريح استنكارٍ واحد، وكأن في الأمر تناغماً بينه وبين حكومة العدو في التعتيم على الإبادة الجماعية والتصويب على المقاومة.
وصل الجحود والكره بالبطريرك إلى أن يصف ح. الله بالإرهابي. وهذا كلام خطير يصدر عن رجل دين يمثل طائفة كبيرة في لبنان أنجبت قادة شرفاء مقا_وم_ين مثل العماد إميل لحود والعماد ميشال عون وغيرهم من وزراء وسياسيين وأدباء وشعراء من الذين لا يرضون بأن يكون لبنان منتهكاً ولا مذلولاً.
تدور الشبهات حول بشارة الراعي منذ أن أصر على زيارة الكيان الصهيوني بحجة زيارة رعيته هناك، ضارباً عرض الحائط نصيحة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسي مجلس النواب والحكومة وبعض الوزراء والنواب، بإلغاء تلك الزيارة. ولم يكتفِ يومها بالإصرار على الزيارة، بل أرفقها بتصريحاتٍ من حيفا وبيت لحم والقدس، نالت من الم_قا_ومة وبيئتها، ومَجَّدت العملاء وصوَّرَتهم على أنهم أكثر وطنيةً من باقي اللبنانيين. تخيلوا أنه صَوَّرَ المتعاملين مع العدو لقتل أهل الجنوب اللبناني وتعذيبهم وهدم بيوتهم وتهجيرهم وحرق أرزاقهم، على أنهم أكثر وطنية من باقي اللبنانيين… وكأنه يعتبر أن الوطنية هي بأن تكون عميلاً وليست بآن تكون مضحياً من أجل الوطن. وهذا المفهوم يناقض كل تعريفات الوطنية على وجه الأرض والمتوارثة منذ فجر التاريخ.
ثم أتبع الراعي الزيارة بتعيين المطران الياس الحاج رابطاً متجولاً له مع حيفا وتل أبيب وباقي أرجاء الكيان، إمعاناً بعناده وتشبثاً برأيه المنحرف عن أدنى المبادئ الوطنية. وعندما تم توقيف المطران الياس الحاج من قبل القوى الأمنية لاستجوابه بتهمة التعامل مع العدو ونقل أموال طائلة منه إلى لبنان، ملأ البطرك الدنيا صراخاً وعويلاً، يا غيرة الدين.

تاريخ الراعي يشهد له بطائفيته ومذهبيته منذ أن كان مطراناً، إذ كان يحوص ويلوص ويعقد المؤتمرات الصحافية كلما لاحت له فرصة للتعبير عن عنصريته وهوايته للشحن الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، لدرجة أنه منذ سنوات، أراد أن يمدح الإمام موسى الصدر في ذكرى تغييبه، فقال أن “السيد موسى كان منيح لأنو بيشبهنا”. فبرر صفات السيد موسى الصدر الفاضلة والحسنة بأنه يشبه المسيحيين ولولا ذلك الشبه لما كان الإمام هكذا، وهذا يدل على أنه لا يطيق أن يُمدَح شخص من طائفة أخرى. وهذا النفس الطائفي لم يصدر عن أي رجل دين أو قيادي في الأطراف الآخر.ى

إن اتهام البطرك لل_مق_اومة بالإرهاب تزامن مع كلام صحيفة تلغراف البريطانية الصهيونية عن كذبة وضع الم_قا_ومة لصواريخ في مطار بيروت. وطبل للكذبة بعض السياسيين الموتورين والحمقى من أحزاب اليمين المتصهين والأفراد الحاقدين من مذاهب أخرى، لتبرير أي عمل عدواني محتمل على مطار بيروت الدولي. وهذا التزامن يثير الريبة في النفوس والعقول.

لن ندخل في جدل بيزنطي مع البطرك الراعي، فقط نقول له إذا قرر أن يضع كل بيضه في سل الأميركيين والصهاينة، فإنه لن يكون رابحاً بأي شكلٍ من الأشكال، والشعب اللبناني، بكل طوائفه لن يرضى بذلك. لأن إرادة الشعوب بالتحرر من الهيمنة الأميركية لن تكسرها المواقف المغردة خارج مصلحة الوطن، والمُجانِبَة للحقيقة، والراكبة لموجة الكذب والتضليل.

لقد ابتُلِيَ لبنان ببعض رجال الدين ممن ينتهجون العصبية والعنصرية، من كل الطوائف، وأكثرهم حدة وخطورة البطرك الراعي والمطران الياس عودة، وهذا بلاءٌ عظيم يُضاف إلى طاقم المراهقين المتربعين على زعامة بعض المراكز الحزبية وعلى منابر بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. والحل الوحيد لإنقاذ الوطن من شر هذه الشرذمة، أن يتم تحريك القضاء لمحاكمتهم ووضع حد لعربدتهم. وهذا يتطلب تحركاً واسعاً ودؤوباً للوطنيين والشرفاء من النواب والقانونيين والنخب الإعلامية من كل الطوائف والأحزاب والفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية، لمحاصرة هذه الحالات الشاذة، مهما علا كعبها، قبل أن يتفاقم خطرها وقبل أن ينتهي البطرك الراعي وأقرانه مثل سمير جعجع وغلمانه ورهطه، من التحضير لإحياء بوسطة عين الرمانة، فيصبح الوطن في خبر كان.

*الخميس ٢٧ حزيران ٢٠٢٤*

شاهد أيضاً

نهيان بن مبارك: تعزيز الإبداع لدى الشباب يضمن مستقبلاً مشرقاً

استقبل الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش، اليوم الأربعاء، في أبوظبي، وفد …