الحرب الإعلامية والنفسية.. ميدانٌ آخر لتفوّق المقاومة ضدّ العدو

 

مهدي سعادي

منذ السابع من تشرين تشرين الأول/أكتوبر والعدو “الإسرائيلي” يشن حربًا إعلامية ونفسيةً ضخمة لا تقلُّ أهميةً عن حربه العسكرية، ويضخ عددًا كبيرًا من الشائعات على مختلف جبهات محور المقاومة وخاصةً في غزة ولبنان، انطلاقًا من شيطنة حركات المقاومة الفلسطينية لتبرير حرب الإبادة على قطاع غزّة إضافة إلى محاولات تلميع صورته الإجرامية التي وثقتها عدسات أهل غزة ونقلوها أمام العالم أجمع، وصولًا إلى سعيه لتشويه سمعة المقاومة الإسلامية في لبنان على مدى أعوام وتحريض الرأي العام المحلي والإقليمي ضدّها والتهويل وبث الخوف في بيئة المقاومة. وفي مقابل محاولات العدو الصهيوني، لدى المقاومة أساليبها الخاصة في خوضِ هكذا حربٍ ضدّ العدو وردِّ كيده إلى نحره. وقد شهد الماضي ما باستطاعة المقاومة فعله في ميادين الحرب الإعلامية والنفسية.

وفي هذا السياق أكّد مدير مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير الأستاذ هادي قبيسي في حديث لموقع “العهد” الإخباري أنّ المقاومة هي التي بدأت الحرب النفسية بطرق متعددة، بدايةً مع خطابات الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله التي وجهها للعدو ومستوطنيه وطالبهم فيها بمنع حكومتهم عن شن الحرب على لبنان، إضافةً للرسائل التي جرى إرسالها على هواتف مستوطني الجليل الصهاينة مرارًا وتكرارًا، وصولًا إلى الطائرة المُسيّرة “الهدهد” التي جالت فوق مناطق متعددة من فلسطين المحتلة، ووصلت إلى مدينة حيفا مشخِّصةً الكثير من الأهداف الاستراتيجية القديمة والمُستحدثة.

ولفت قبيسي إلى أنَّ هذا المسار في الحرب النفسية كان له تأثيرٌ كبير، خصوصًا وأنَّ عشرات التصريحات من المسؤولين الصهاينة تجاه لبنان لم تُغيّر في موقف المقاومة، ولم تدفع أحدًا في بيئتها للدعوة لوقف العمليات ووقف الدعم للشعب الفلسطيني حتّى لا ينفّذ “الإسرائيلي” تهديداته، بل كان الموقف ثابتًا بأنَّ جبهة الإسناد في لبنان مرتبطة بغزة، ولن تتوقف إلا بوقف الحرب في القطاع.

وتابع قبيسي: “كان هناك أسبقية وأفضلية للمقاومة في الحرب النفسية، فما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر وما تبعه من إجلاء لأكثر من 42 مستعمرة في شمال فلسطين المحتلة، وهروب المستوطنين وعيشهم لظروف النزوح السيئة نفسيًا ولوجستيًا، خلّف حالةً من الخوف لدى مستوطني الشمال من قدرة حزب الله على تكرار عملية طوفان الأقصى على هذه الجبهة، إضافةً إلى أنّ جنود العدوّ “الإسرائيلي” الذين يتعرضون للاستهداف من قبل الحزب بشكل يومي، شبّهوا ما يحصل معهم بقولهم أنهم أصبحوا “كالبط في ميدان الرماية””.

واعتبر قبيسي أنّ “عجز العدوّ “الإسرائيلي” عن تحقيق الردع وكبح عمليات المقاومة، دفعه ومن يسانده محليًا ودوليًا، للعمل على إحداث خرق على المستوى النفسي في بيئة المقاومة، فقام “الموساد” بتسريب خبر مفاده أنهم توصلوا إلى المكان الذي يتواجد فيه السيد نصر الله، وزعموا أنّهم قادرون على استهدافه، ولنشر هذه الرواية قاموا بالطلب من وسائل إعلام عربية وإقليمية ترويج هذه الإشاعة، لكن حملتهم هذه فشلت، حالها كحال الحملة الثانية التي قادتها هذه المرة صحيفة “التليغراف” البريطانية، والتي ادّعت أنّ حزب الله يُخزن في مطار بيروت، المطار المدني المكشوف أمام الجميع والذي تتواجد فيه أجهزة أمنية متعددة، أسلحة وصواريخ دقيقة”، مؤكّدًا أنّ هذا الإجراء بيّن مدى الإخفاق على مستوى الحرب النفسية لدى العدو، فهذا الخبر كذّبه المعنيون في لبنان بشكل سريع، وفتحوا المطار أمام المسؤوليين والإعلاميين، وبدلًا من ترميم العدوّ لخسائره في الحرب النفسية والإعلامية، منيّ بإخفاقٍ أكبر.

وبحسب قبيسي فإنّ المقاومة بالمقابل لديها: “تدفق مواد مصورة يومي مهم جدًا، يتطور من حيث الإخراج والتصوير مع تطوّر الأسلحة، إضافةً إلى بنك الأهداف الكبير الذي يوجد بحوزتها، وإدارة ناجحة تتجلى من خلال عرض الإنجازات اليومية أمام جمهورها وأمام شعوب المنطقة والعالم، وتميّز في الخطاب العملياتي والميداني”.

وحول تأثير خطابات السيد نصر الله، أكّد قبيسي لـ”العهد” أنّ هذه الخطابات خلال المراحل المختلفة للحرب كان لها تأثير كبير على تماسك الرأي العام والنخبة السياسية في لبنان، ورسائل خطاباته كانت تخترق الداخل “الإسرائيلي” الذي أيقن وبشهادات لمعلِّقيه ونخبه السياسية والعسكرية، بأنّ السيد نصر الله غير خائف من الحرب والمقاومة جاهزة ومستعدة لها، وبالتالي التهديدات لم تنفع ولم تفد، والمقاومة انتقلت إلى الطرف الذي يملك اليد العليا في التأثير النفسي في الداخل “الإسرائيلي”، متسلحةً ببيئة حاضنة متماسكة ومستعدة للدخول في أي مواجهة مقبلة.

ووفق قبيسي فإن هناك ضغطًا نفسيًا متراكمًا على كيان الاحتلال وقيادته ومستوطنيه، مؤكّدًا أنّه في هكذا لحظة وفي هكذا ظروف، تصبح أهمية الحرب الإعلامية مضاعفة عما في السابق، لأن الكلام يكون مقرونًا بالعمل وبالاختبار العسكري اليومي الميداني.

إذًا، فشل العدوّ “الإسرائيلي” حتّى اللحظة في إحداث خرق في جبهة المقاومة الداخلية بفعل القيادة الحكيمة لهذه الحرب، ويشهد للحزب توازنه وثباته رغم حجم الضغوط السياسية والإعلامية والعسكرية الهائلة التي تمارس ضدّه، توازنٌ تترجمه المقاومة بثباتها الميداني وتصعيدها المتواصل للعمليات عند كلّ تصعيد يقوم به العدوّ هنا أو هناك، وكما قال السيد نصر الله “بيننا وبينكم الميدان والأيام والليالي”.

شاهد أيضاً

إردوغان والأسد إن التقيا “قريباً”.. في بغداد أم أبو ظبي؟

  توفيق شومان تبدو المساعي العربية والإيرانية والروسية في سباق غير معهود لإنتاج تسوية سورية …