اغتيال قادة في “حزب الله” خطوة تسبقُ “حرب الزوال

د.جواد الهنداوي* 

 

تظّنُ قيادة الكيان المُحتل بأن نجاحها في اغتيال قادة في الحزب يُربكهُ ميدانياً ،ويقلّل من كفاءته القتالية ، وترى ( واقصد قيادة الكيان المحتل ) في ضعف الحزب بعد غياب بعض القادة فرصة مواتيّة جداً لشن الحرب ،لاسيّما وانَّ الامين العام للحزب ،السيد حسن نصر الله ،لم يخفْ في خطابه ليوم 2024/6/20 ، الدور والاهمية العسكرية للقائد الشهيد ابو طالب ، و دور واهمية من سبقوه من القادة .

وصفتُ في العنوان الاغتيال خطوة ،نعم هي خطوة تسبقُ شّنْ الحرب ،ولكنها ، ميدانياً واستراتيجياً ،  سياسة مدروسة و شاملة ، ولا تستهدف قادة في حزب الله وفي لبنان فقط ، و انما تستهدفهم وغيرهم من قادة الحرس الثوري الإيراني ،في لبنان وفي سوريّة .

ووصفتُ الحرب ،التي تنوي إسرائيل شنّها ، بانها ” حرب زوال “. نعم ،ستكون حرب زوال لإسرائيل ،وبدون مبالغة ،وسترتكبُ إسرائيل خطأ آخر و فادحا و سأبيّن ذلك .

و اقصدُ بحرب زوال ،ليس بالضرورة انهيار وغياب الكيان من المشهد السياسي والجغرافي ، وانما تآكله جغرافياً ومعنوياً ، وادراك المحتلين و داعميهم ببدء العّد العكسي لحياة الكيان والرحيل ، وربما ستكون قبرص ، احدى محطات الرجعة او اعادة انتشارهم ،لاسيما ولهم ( واقصد لليهود ) تاريخ حافل بالوقائع و الاحداث والمخططات ، ومنذ حكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ، ولا يزالوا فاعلين في مخططاتهم لهذه الجزيرة ،والتي اتخذوها محطة لاحتلال فلسطين ، ويرونها قاعدة جغرافية متوسطيّة مهمة جداً لمخططاتهم تجاه لبنان وسوريّة .( للاستزادة عن علاقة اليهود وقبرص ،أطّلع على مقال السيد حسني محلي ،بعنوان تهديدات السيد حسن وحسابات اليهود في قبرص …، صحيفة رأي اليوم الإلكترونية لتاريخ 2024/6/21).

لماذا حربُ زوال ؟

ستكون الحرب ،والتي تُقرعْ طبولها و تُزمّر أبواقها ،في ظرف زمني جّداً سئ لإسرائيل ولمحور الابادة ، و جداً مناسب لحزب الله ومحور المقاومة . ظرف زمني متميّز على الساحة الدولية ، و على ساحة اطراف الصراع ،او المنطقة .

على الساحة الدولية ،نجدُ متبوعي اسرائيل و داعميها ،اطراف محور الابادة ،  منهمكين ومُتعبين في حربهم مع روسيا ،والتي تدار رحاها ميدانياً في أوكرانيا ، ولكن سياسياً في جميع أنحاء العالم .ها هو الرئيس بوتين يقلقُ امريكا ( الداعم الاول لإسرائيل ) ،لزيارته كوريا الشمالية ،وحديثه او رغبته في نقل سلاح نووي لها ، بالاضافة إلى ابرام اتفاق استراتيجي بينهما ،لم تعلن بنوده ، وسبقَ هذه الزيارة لخصم وعدو امريكا  ،تصريحات الرئيس بوتين باستعداده تسليح الدول المعادية لأمريكا .

و لا اريد ان اكتب عن الاوضاع السياسية الداخلية المعروفة لدول محور الابادة ؛ قرب الانتخابات الامريكية، تدهور حال الاحزاب التقليدية في دول اوروبا ،وصعود اليمين المتطرف ، الرأي العام لشعوب العالم المؤيد لفلسطين و المُعادي لإسرائيل ،والذي يحرج الحكومات الغربية ، الخطر الاقتصادي الكبير للصين على اقتصاد امريكا وهيمنتها ،آراء و اقلام كتّاب و سياسيين ومفكرين و صحفيين و أكاديميين غربيين بدأوا يصرحّون علناً ،دون حذر من ردود افعال اللوبيات اليهودية و الصهيونية المسيطرة ، بجرائم الكيان و بكلفة دعم الكيان على دولهم ، ومنذ ثمانية عقود .

و ما هو اهم من الساحة الدولية وتفصيلاتها على مصير الكيان ، هي ظروف وتجلّيات احتضاره في المنطقة ، فهو مُحاصر براً وبحراً بحركات مقاومة مُسلحّة عقائدياً و عسكرياً ، و مدعومة ، وعلناً ،من دولة كبيرة و متمكنّة عسكرياً و اقتصادياً وهي إيران ،والتي تُشكّل العمود الفقري لمحور المقاومة ضد الاحتلال و جرائمه . يكفي لنا ان نستشهد بفشل الكيان المحتل الذريع امام صمود المقاومين في غزّة .

زمن انتصارات الكيان مضى وولى ،وبدأ زمن صمود وانتصار المقاومة ،و زمن ” القضية الفلسطينية ” وما يتبعها مضى وولى ايضاً ، وبدأ الآن زمن ” دولة فلسطين ” . مَنْ ذا الذي يعتقدُ بأن إسرائيل ما تزال تمتلك الأمل و القدرة على الوجود بسلام وهي تفقد ،يوما بعد يوم ،مقومات الردع التي كانت تمتلكها وتهدّد و تعربد ،بواسطتها ،في المنطقة .

الحرب القادمة ستكون حرب وجود ،و انتصار لهذا الطرف او ذاك ، يعني القضاء الكلي او الوجودي لهذا الطرف او ذاك ،فهل اسرائيل ،ومن يدعمها ،قادرون على القضاء على محور مقاومة ،بطوله وعرضهِ ،وقوامه حركات مقاومة شعبيّة اثبتت قدراتها وصمودها ، وخلفه دول مواجهة داعمة .

إذا اندلعت الحرب فلن تتوقف بشروط امريكا و اسرائيل ،و انما بشروط محور المقاومة ، والبرهان على ما اقول هو واقعٌ تشهدهُ محاولات امريكا لوقف حرب استنزاف اسرائيل في غزّة ، ورفض فصائل المقاومة في غزّة القبول إلا بشروط المقاومة .والبرهان الآخر هي معارك استنزاف اسرائيل في شمال فلسطين مع مقاومي حزب الله ، وجهود امريكا وجولات مبعوثها المتعددة إلى لبنان ،من اجل إقناع او تهديد حزب الله و قيادة الدولة اللبنانية بوقف الحرب وانسحاب مقاومي حزب الله والسماح لمحتلي ومستوطني الكيان بالعودة إلى شمال فلسطين ،و جميع المحاولات قوبلت بالرفض القاطع من قبل حزب الله ، وكذلك من قبل الحكومة اللبنانية و رئيس مجلس النواب اللبناني ،  والموافقة الاّ وفقاً للشروط التي وضعها حزب الله ،إلا وهي توقف إسرائيل عن حرب الابادة في غزّة وقبول إسرائيل بشروط المقاومة في غزّة .

هل تدرك امريكا ،الراعي الاول لإسرائيل ،ان نتيجة حرب الزوال القادمة تعني إمّا زوال اسرائيل و إمّا زوال محور المقاومة ،وفي مقدمة المحور ايران ؟ فأيهما اقربُ إلى الواقع والعقل والمنطق ؟

 

        *سفير عراقي سابق. رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل /2024/6/22.

شاهد أيضاً

يتساءل كثير من الإسرائيليين الآن، على وقع ما يسمعونه من اعترافات ويقرأونه من تحليلات وتقديرات مواقف إسرائيلية وأمريكية على وجه الخصوص للواقع الراهن للصراع المتفجر داخل إسرائيل بسبب الفشل فى تحقيق الأهداف التى جرى إعلانها للحرب على قطاع غزة والتخبط الشديد لدى القيادات الإسرائيلية فى معرفة التوجهات المستقبلية لمرحلة ما بعد هذه الحرب ليس فقط بالنسبة لقطاع غزة ولكن أيضاً بالنسبة لإسرائيل: «هل عاد التاريخ لينتقم» و«هل آن أوان دفع الأثمان وانسحاق الأسطورة الإسرائيلية»؟ يقارن هؤلاء الإسرائيليون ومعهم كثيرون فى العالم بين واقع التأسيس لكيان الاحتلال وإعلان دولة إسرائيل عام 1948، وبين الواقع المأساوى الراهن الذى أخذ يفرض نفسه على إسرائيل. المقارنة بين ما كان من توحد عالمى حول «الأسطورة الإسرائيلية» وبين الانفضاض العالمى عن دعمها، فى وقت أخذت تتفاقم فيه مؤشرات التفكك الداخلى فاقم من تدنى مؤشرات الثقة فى مستقبل كيان الاحتلال وكان الدافع الرئيسى لطرح هذا السؤال. ففى سنوات التأسيس الأولى لكيان الاحتلال، بل ومنذ مؤتمر بازل عام 1897 حدث تحالف بين الحركة الصهيونية كحركة سياسية معنية بإيجاد «الحل التاريخى للمشكلة اليهودية» وبين النظام الرأسمالى العالمى الذى قام بدور «الحاضنة» لهذا الوليد الجديد بفضل فعالية القوى المالية اليهودية العالمية فى إدارة النظام الرأسمالى العالمى. وإذا كان العالم قد بدأ يشهد انتفاضات مليونية عالمية، خاصة منذ تسعينيات القرن الماضى ضد النظام الرأسمالى العالمى وبالذات فى أوج تسيّد ما سمى «الليبرالية الجديدة» على هذا النظام ، فى حركة عالمية واسعة معادية ورافضة لهذا النظام، أخذت اسم «المجتمع المدنى العالمى» أو «ثورة الشارع السياسى العالمى»، فإن ما حدث من تحولات هائلة فى حركة، ثورة هذا الشارع السياسى العالمى المناهض للرأسمالية الليبرالية الجديدة. كرد فعل لحرب الإبادة الإسرائيلية الجنونية للشعب الفلسطينى فى قطاع غزة جاءت لتكشف الغطاء عن حقيقة التحالف بين الحركة الصهيونية العالمية ودولتها الإسرائيلية وبين النظام الرأسمالى العالمى، الأمر الذى أدى إلى إثارة الذعر لدى كبار العقول اليهودية خشية أن ينتقل عداء ثورة الشارع السياسى العالمى للنظام «النيوليبرالى الرأسمالى العالمى» إلى عداء ليس فقط لإسرائيل بل وأيضاً لليهود بشكل عام. ولعل هذا ما دفع الكاتب الأمريكى اليهودى الشهير توماس فريدمان إلى أن يكتب فى اليوم الرابع لحرب إسرائيل ضد قطاع غزة فى صحيفة «نيويورك تايمز» مناشداً الرئيس الأمريكى جو بايدن بالتدخل الفورى والسريع فى غزة «قبل أن يشكل هذا النزاع خطراً على يهود العالم». هذا الذعر وخلفياته أكده انفجار حركة الرفض الواسعة لطلاب الجامعات الأمريكية والأوروبية لحرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى، وانحيازها ودعمها لحق الشعب الفلسطينى فى الحرية وتقرير المصير . انفضاض العالم، عن إسرائيل بكل ما يعنيه ويحمله من مخاطر لا ينافسه إلا انفضاض كثير من الإسرائيليين عن إسرائيل نفسها والتدافع للهجرة إلى الخارج خشية ما بعد نهاية الحرب فى غزة التى بدأت معالمها تتكشف فى تفجر الصراعات السياسية داخل الكيان، والحديث عن «انقلاب عسكرى» محتمل ضد بنيامين نيتانياهو وحكومته، وفى كثافة اعترافات عدد كبير من القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين بأن «إسرائيل انهزمت» وأنها «غير قادرة على هزيمة حركة حماس، وتأييد مصادر سياسية وإعلامية أمريكية كبرى لهذا الاستنتاج. خطر التفكك الذى ينبئ باحتمال سقوط «أسطورة إسرائيل» أخذ يفرض نفسه من خلال العديد من المؤشرات المهمة أبرزها: – اتساع موجة الرفض داخل جيش الاحتلال الإسرائيلى للخدمة العسكرية فى غزة، حيث كشف النقاب عن موجة رفض للخدمة العسكرية فى غزة بدأت تنتشر فى الجيش الإسرائيلى تشمل مئات الجنود والضباط فى الاحتياط ، تحدثت عنها باستفاضة صحيفة «هاآرتس»، مؤكدة أن «المئات يغادرون البلاد ولا يعودون» من هؤلاء الجنود والضباط الذين وقع بعضهم (41 جندياً وضابطاً) أول خطاب حمل اسم «رفض خدمة» يصدره ضباط وجنود الاحتياط منذ بدء الحرب فى غزة. – اتهام بنيامين نيتانياهو قوى اليسار بالدعوة إلى اغتياله فى حوار مع «القناة 14» (23/6/2024)، وقال إنه «بات قلقاً على حياته وعلى حياة أولاده وزوجته»، وتحدث عن التهديد الذى يتعرض له من المتظاهرين أمام بيته. وبعد يوم واحد من هذه التصريحات خرجت زوجة نيتانياهو (سارة) بإعلان درامى اتهمت فيه الجيش بمحاولة تنظيم انقلاب عسكرى ضده خلال لقاء أجرته مع عدد من ممثلى عائلات (الأسرى الإسرائيليين) وكشفت النقاب عنه صحيفة «هاآرتس» . وأكد هذا الاتهام ابنها «يائير نيتانياهو» مع متابعيه على حساباته على الشبكات الاجتماعية عبر منشورات اتهم فيها قادة الجيش «بتنظيم انقلاب عسكرى على والده للتغطية على قصورهم فى مواجهة هجوم حماس على البلدات الإسرائيلية فى 7 أكتوبر 2023». – اعترافات نيتانياهو وقادة الجيش بالعجز عن هزيمة المقاومة الفلسطينية خاصة هدف القضاء على حركة حماس سياسياً وعسكريا. فبعد مضى ما يقرب من تسعة أشهر من شن حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة اضطر بنيامين نيتانياهو أن يعترف بالعجظ ويؤكد أن بلاده تحتاج إلى الأسلحة الأمريكية فى «حرب من أجل وجودها»، ما يعنى أن خطر الحرب فى غزة أضحى مهدداً للوجود الإسرائيلى نفسه، وجاءت اعترافات الناطق العسكرى الإسرائيلى دانييل هاغارى حول «استحالة القضاء على حركة حماس» لتؤكد عمق المأزق الذى يواجه المستقبل بل والوجود الإسرائيلى نفسه. – التحول العكسى لهدف فرض التهجير القسرى للشعب الفلسطينى من قطاع غزة لضمه إلى إسرائيل باعتباره «الهدف الاستراتيجى» لحرب الإبادة الإسرائيلية. فالشعب الفلسطينى أكد صموده، لكن العكس هو الذى يحدث الآن وهو الهجرة الفعلية الإسرائيلية إلى خارج الكيان هروباً من خطر «سقوط وتفكك الأسطورة»، فما يقرب من نصف مليون إسرائيلى غادروا البلاد منذ تفجر «طوفان الأقصى» خاصة إلى كندا واستراليا وألمانيا. الأسطورة تتساقط ، وهكذا يعود التاريخ لينتقم ويضىء الأمل ليس فى مجرد تحقيق حلم دولة فلسطينية، ولكن أمل استعادة كل فلسطين على أنقاض المشروع الذى يتهاوى. لكن يبقى السؤال الأهم: أين هى الحاضنة العربية التى سيكون بمقدورها احتضان هذا الأمل.. لحظة ولادته؟

د. محمد سعيد ادريس يتساءل كثير من الإسرائيليين الآن، على وقع ما يسمعونه من اعترافات …