في طور التكوين .. إسرائيل جديدة ، فلسطين جديدة

 

من بين حقائق التاريخ العنيدة في منطقتنا ، بداية ظهور “إسرائيل الجديدة” بعد جولة حرب ابادية على غزة استمرت تسعة أشهر ، دون ان تستطيع إسرائيل “القديمة”تحقيق أي من أهدافها المعلنة او السرية ، حتى لو افترضنا انها ستحقق أهدافها في القضاء المبرم المطلق على حماس ، و تحرير رهائنها امواتا أم أحياء ، فإن هذا بحد ذاته لن يعد نصرا . ربما سيفرحون يوما او يومين ، شهرا او شهرين ، لكن ليس أكثر من ذلك ، سيقولون : كلفنا ذلك ثمنا باهظا من قتلى الجيش و جرحاه ، واستغرق الامر وقتا طويلا و ثقيلا ، و حتى القضاء على حماس والقسام ، عشرون ألف مقاتل او حتى خمسون ألفا ، و معهم مثلهم من المدنيين او حتى ضعفهم ، فإن هذا لن يشكل نصرا بالنسبة لإسرائيل التي سحقت جيوش ثلاثة دول وازنة في ستة أيام ، لأن حماس ستعيد تشكيل نفسها من جديد ، وقد يكون بأشكال جديدة ، مركز ثقلها سينتقل الى الضفة و القدس و الداخل ، في مخيمات لبنان و الأردن و اليمن و العراق و ربما سوريا ، و ستحصل على المزيد من الدعم متعدد الاوجهه ، بما في ذلك التسليح والتدريب و التصنيع الإيراني ، واذا كان لدى حماس إمكانية تنفيذ طوفان اقصى واحد ، فسيصبح لديها اكثر من إمكانية و اكثر من طوفان ، لأنها ببساطة ليست منقطعة الجذور و لا الفروع ، فهل بهذا تكون إسرائيل قد انتصرت ؟؟؟

إن الانتصار بمعناه الحقيقي الشمولي هو السيطرة على الأرض ، و هذا ما لا تقول به إسرائيل ، باستثناء بعض أحزاب اليمين المتطرف الفاشي ، والذي لا يحظى بأي دعم دولي ، بل يراه الكثير من الإسرائيليين انفسهم انها خطر على سمعة إسرائيل ، بل ووجودها . السيطرة على الأرض لكي يتحقق النصر الحقيقي ، لا تقتصر على أرض غزة ، بل يجب ان تمتد الى الضفة الغربية و بعدها الى جنوب لبنان ثم الى العراق و سوريا و اليمن ، فهذا هو محور المقاومة الذي تنتمي له حماس ، و تعد جزءا أساسيا من مكوناته ، بل الجزء القيمي و المعنوي ، المبدئي و العقدي الذي يمثل فلسطين و مقدساتها . و هنا لن تظل ايران ساكتة تنتظر إسرائيل لاحتلالها كي يكتمل نصرها .

الانتصار الحقيقي ، هو الانتصار على الذات ، وحشيتها وحيوانيتها و أسلحتها و نزعاتها في القتل و التدمير والانتقام ، و ذلك بالسلام مع الأعداء . لقد سجلت إسرائيل انتصارا نوعيا عندما عقدت اتفاقية سلام مع منظمة التحرير بقيادة فتح ، عدوتها آنذاك ، التي بذلت كل الوسائل و خاضت العديد من المعارك للقضاء عليها ، لكن إسرائيل التي قررت اغتيال رابين و تصدير نتنياهو لم تستغل جنوح الفلسطينيين للسلام ثلاثون سنة ، بل استغلت “سلاميتهم” للقضاء على ما تبقى من ارضهم و تطلعاتهم و احلامهم في ان يتحرروا من نير احتلالها و بطشها و اذلالها بإقامة دولتهم المستقلة ، فجاءتهم حماس ، و من خلفها محور قوي ، تتركز قوته في صدقه واخلاقه و مبادئه .

على إسرائيل الجديدة ، سواء المنتصرة على حماس ، او المنهزمة ، و معها محورها الاجرامي التوحشي التوسعي التخلفي التسلطي ، العالمي والعربي و الفلسطيني ، ادراك ، انه بعد الآن من الصعوبة بمكان ان يكون هناك سلطة فلسطينية غير مقاومة .

شاهد أيضاً

رحل الأمين على الحدود وبقيت العهدة عند الأمين الأول نقاط على الحروف

ناصر قنديل صعقني الخبر كما يوم رحيل الأنيس، فالأمين كان صديقا لصيقا كما كان النقاش، …