بين كلام ا-ل-س-ي-د وجولة الهدهد المسافة “صفر”

أحمد موسى 

كواليس| منذ الثامن من أكتوبر وإسرائيل توغل قتلاً وتدميراً في غزة من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها مروراً بوسطها وصولاً حتى رفح التي لم تسلم ، ولرفح أبعاد في التوغل (قتلاً وتدميراً) ، إنه السيطرة على محور فيلادلفيا ورسالة أبعد من مصر.

فعلت إسرائيل كل شيء ، حتى التنكيل والتمثيل بكل من قتلت ، شيوخاً ونساءً حتى “براءة الطفولة” لم تسلم ، فاستحقت إسرائيل أنها الأكثر إجراماً والأدنى أخلاقياً ، إنها “النازية” بعينها و”الداعشية” بفعلها. قتلت وسفكت الدماء ومثلت بمن استشهد في أبشع صورة بكل فضاعةِ وإجرام ومشهدية حرب “إبادة” يندى لها الجبين.

وصورة الجيش الذي لا يقهر هُشّمت وتمزقت ، وراح نتنياهو ومجلس حربه يبحث لهثاً بين الضحايا ومجازره عن صورة “نصر” كاذب تثبته رجل إسرائيل الأول والأوحد بين قادته ومن تسول له ، فكان أسراه ال120 ضباطاً وجنودا لعنة تلاحقه بين مجلس حربه وكابيناته ورعاته الدوليين والاقليميين.

فتحت أكثر من جبهة “إسناد” لغزة ، آلمته اليمن وشلّت أيدي رعاته ، فقطعت أوصاله بحراً ، وأوجعته جبهة لبنان حتى نالت منه عميقاً ، حتى أصابت من قلبه مقتلاً ، حتى أنه لم يعد باستطاعته الوقوف على رجل ونصف ، فقئت عيناه ، وحدّت من سمائه ، ودقت الأهداف كانت اليد الطولى متمكنة أبعد مما يتوقعه ، وقواعده الاستخبارية والأمنية خثّرت ، وكاد البحر يبتلعه أو كاد البلع أهون.

مستوطنات على طول الجبهة الشمالية وعرضها هجرت وأفرغت وتحولت إلى مدن “أشباح” ، ومواقع وقواعد عسكرية واستخباراتية وتجسسية أضحت “دمى” على قلاع من الرمال المتحركة تتآكلها رياح ح-ز-ب الله ، وسلاح الجو الإسرائيلي لم تفلت شباكه ، فكان اصطيادها سهلاً ، بعد أن أدخل صواريخ دقيقة لم تكن في الحسبان.

تطورات دراماتيكية تسارعت في الداخل الإسرائيلي ، سياسياً وعسكرياً وأمنياً أصابها المزيد من التآكل ، انقسامات وانشقاقات واستقالات ، سيطر عليها الخلافات إلى حد كبير من “التخوين” فأصابها عميقاً ، خلافات طفت على سطح الرعاة الدوليين والاقليميين ، فتعمق الخلاف بين نتنياهو وبايدن وكأن “اللاثقة” بين الطرفين أشبعت مراوغة “ليطفو الخلافات علانية” وفق مصادر مطلعة ، خاصة وأن نتنياهو يصر على ما قاله “تحقيق أهداف حربه على حساب تطلعات بايدن وفريقه السياسي في تحقيق الورقة التفاوضية لإنهاء الحرب في غزة وعدم توسعها” ، لكن تعنت نتنياهو جعله أمام اجتماع مجلس الحرب والمؤسسة السياسية أمس “عدم الخروج بورقة مدروسة واضحة” ، فضلاً عما كشف مؤخراً أن اجتماع نتنياهو وهوكشتيان كان “سيئاً”.

وأمام تلك التناقضات والفوضى السياسية والخلافات في المواقف التي يبدو أنها تضرب عميقاً في السياسة والعسكر والأمن داخل إسرائيل ، كانت التضاهرات المطالبة بإبرام “الصفقة” وانهاء الحرب تكبر ككرة الثلج والتي لم تتوقف عند هذا المطلب ، بل ذهبت بعيداً مطالبة “بإسقاط الحكومة والانتخابات المبكرة”. وضع ترك كيان في مهب الريح ، عواصف سياسية تعصف بمكوناتها ، ومؤسسة أمنية وعسكرية ينخرها سوس الهزيمة ، وحكومة يتآكلها الشارع ، وتفلت دولي-إقليمي أصابه “التفكك” فيما “العزلة” تأخذ مكانها عميقاً في الكيان الإسرائيلي.

وساطات عديدة وورقات “تسوية” جالت بين واشنطن وتل أبيب تولتها قطر والقاهرة ، قبلتها ح-م-ا-س بعد أن أجرت بعض التعديلات والترميم ، سوقها بايدن نيابة عن إسرائيل ، تعنت نتنياهو الواهم بخياراته ، تعنت جاء ك”الصفعة” لبايدن ، وعلى وجه السرعة أرسل الأخير مبعوثه آموس هوكشتاين ، تنقل بين إسرائيل ولبنان ، والتقى قائد الجيش العماد جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي ، قائلاً: “نمرّ بأوقات صعبة”، وقال: “الوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل في غاية الخطورة ونسعى لوقف التصعيد تفادياً لحرب كبيرة”، لقد حمل المبعوث الاميركي آموس هوكشتاين في جولته على رئيسي مجلس النواب اللبناني نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي “رسالة إسرائيلية شديدة اللهجة وأكثر خطورة من الرسائل الماضية بضرورة التفاوض ووقف إطلاق النار على الحدود والا فإن التصعيد سيصبح حتمياً” وفق المحيطين بالجولة والمقربين من هوكشتاين.

هوكشتاين لم يكن أكثر من “ساعي بريد” لنتنياهو في جولته، بدليل أن الرسالة “التصعيدية” التي حملها إلى المسؤولين اللبنانيين وهي تنم عن موقف متهور لنتنياهو ، رسالة لن تمر بلا إجابة ، فحلق “الهدهد” بكل هدوء، هدوء أشبه ب”المتمكن” والمتحكم بسير الأمور بدقة عالية جداً، عاد الهدهد وكانت الإجابة أكثر من واضحة وأقرب من”مسافة صفر” ، استكملت بالموقف الأكثر صرامة وإتقان وثقة والنبأ اليقين، وقالها ا-ل-س-ي-د ن-ص-ر الله: “إذا فُرضت الحرب على لبنان.. سنقاتل بلا ضوابط ولا قواعد ولا أسقف، ولن نوفر ما تصل إليه أيدينا”، هو قتال أبعد من إسرائيل وأقرب إلى السماء ويم البحار ، والسيد الحافظ ل”بنك أهداف حقيقي وكبير ولدينا القدرة على الوصول إليها”، لافتًا الى أنَّ العدو يعرف أيضاً “وأن ما ينتظره في البحر المتوسط كبير جدًا، وكل سواحله وبواخره وسفنه ستُستهدف”.

مشيراً إلى”امتلاكهم كمّاً كبيراً جدًا جدًا جدًا من المعلومات”، مشيراً إلى أن ما نُشر أمس الثلاثاء 19 حزيران/يونيو هو “القليل” عن تصوير حيفا و”جوار حيفا وما قبل حيفا وما بعد ما بعد حيفا”، بينما المُسيّرة (الهدهد) “حلَّقت لساعات” ، مشدداً على أن مقاومتنا تقاتل وفق “رؤية ومعلومات”، ذلك يعني أن (الهدهد) التحليق والمسح الجوي تم لفترة طويلة استطاعت المسيرة “مسحاً جوياً كاملاً لمناطق ومدن وأماكن حساسة استخباراتياً واستعلاماتياً عسكرياً ومدنياً واستخبارياً أبعد من حيفا وأقرب من أماكن الرؤوس النووية وأماكن أكثر حساسية” ، فالكلام عن أبعد عن حيفا والجوار لها مدلولاتها العسكرية والأمنية الحساسة والغير معلومة حتى عن دائرة الحكم الضيقة” وفق خبراء في علم العسكر والتفسير الاستخباراتي.

وبين طيات الكلام على أننا “لن نوفر ما تصل إليه أيدينا”، فلا تفسير له أقل من “عرض البحر وأفق السماء” وفق مختصين ، الذين أضافوا أن مكنون الرسالة فيها الكثير من ا”لأهداف الراعية للإسرائيلي المزود له بشحنات الأسلحة والبوارج الحربية وشحنات الأسلحة”، مستعيداً بذلك جملة شهيرة من قاموس العام 2006 “أنظروا إليها إنها تحترق”، إذ قالها ا-ل-س-ي-د ن-ص-ر الله صراحة ب”قدرتهم على خوض المعركة براً جواً وبحراً”، قدرة وضعت الجليل والجولان من ضمن بنك الأهداف”المكتملة”، وفي ذلك المسافة “صفر”.

شاهد أيضاً

“ هواوي” وهجومها العكسي على العقوبات الأميركية

نعمت الحمد كانت شركة “هواوي” متفوقة على العالم في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، ما مهّد …