هآرتس”: وقف نار أحادي مع لبنان.. ومن بعده حرب بغطاء دولي!

تعكس الصحف الإسرائيلية يومياً واقع الإرتباك الذي يعيشه المستويان السياسي والعسكري في إسرائيل، في كيفية التعامل مع الجبهة الشمالية مع لبنان. وفي مقالة نشرها نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق تشاك فرايليخ في “هآرتس”، يدعو إلى وقف نار أحادي الجانب لتحشيد المجتمع الدولي وراء إسرائيل ومن ثم اطلاق انذار نهائي لحزب الله، وصولاً إلى الاستعداد “للمخاطرة بتصعيد شامل”، على حد تعبير فرايليخ.

“إن الشمال يحترق، وخطر الحرب الواسعة، والمتعددة الجبهات، يتصاعد، ولا تزال إسرائيل غارقة في وحل غزة. وكان الافتراض السائد هو أن حزب الله غير معني بتصعيد كبير، ويسعى لوقف إطلاق النار، لكن قدرة “حماس” على الصمود، والتدهور الشامل للمكانة الاستراتيجية الإسرائيلية زادا من ثقة محور المقاومة، ومن استعداده للمخاطرة بمواجهة شاملة. توجد أمام إسرائيل اليوم بضعة بدائل، يجب النظر إليها في ضوء إمكان تطبيقها عسكرياً وسياسياً، ومفاعيلها الداخلية، وعلينا بصورة أساسية أن نسأل ما إذا كانت تنطوي على إمكانات إحداث تحسن كبير في مكانتنا الاستراتيجية، أو إذا كنا سنضطر إلى دفع الفاتورة، والعودة إلى نقطة البدء.

أولاً؛ خيار الاستمرار في السياسة المعمول بها حالياً:

حتى الآن، حرص كل من إسرائيل وحزب الله على إبقاء المواجهة تحت “عتبة التصعيد”. وهذا المصطلح الضبابي بصورة مقصودة تم شدّه كثيراً مؤخراً، ولا ينطوي على قاعدة أمنية يمكن الاستمرار فيها، فالضرر اللاحق ببلدات الشمال يتفاقم. وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، ضاق الجمهور الإسرائيلي ذرعاً بالجولات القتالية المحدودة عسكرياً وزمنياً، وبات معنياً بايجاد حلول. وفي المقابل، فقد نجحت سياسة توازن الرعب على مدار سنوات طويلة بعد حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، وإذا كانت هذه السياسة قد أدت إلى تأجيل آخر طويل الأمد للحرب، فينبغي عدم استبعادها تماماً.

ثانياً؛ خيار وقف إطلاق النار من جانب واحد:

وهذا على أمل عزل حزب الله، وإلزامه وقف إطلاق النار، ومراكمة شرعية دولية داعمة لحملة عسكرية ضده إذا تطلّب الأمر ذلك. ولا توجد طبعاً أي ضمانات بأن يستجيب حزب الله كما هو مأمول، ومن شأن هذا الخيار أن يُفسَر بأنه ضعف، ناهيك بمصاعب تطبيقه من ناحية سياسية داخلية.

ثالثاً؛ وقف أحادي الجانب لإطلاق النار، مترافق مع إنذار نهائي:

إذ يمكن لإسرائيل أن تعلن وقفاً أحادي الجانب لإطلاق النار، مع إطلاق تحذير لحزب الله؛ فإذا لم يوقف نيرانه خلال فترة محددة، خلال 72 ساعة فرضاً، فإن إسرائيل ستوجّه ضربة قاسية. وتتمثل ميزة هذا الخيار في مراكمة شرعية دولية داعمة له. ومع ذلك، فإن إدارة بايدن ستعارض هذا الخيار، وخصوصاً عشية الانتخابات، ومن المعقول افتراض أن حزب الله ومحوره سيرفضان الامتثال للإنذار، وأننا سنفقد عنصر المفاجأة، وستزداد مخاطر اندلاع حرب واسعة النطاق.

رابعاً؛ مبادرة سياسية:

وهذا لَرُبَّمَا على شكل مواصلة الجهود الأميركية للتسوية في جنوب لبنان. صحيح أن التسوية السياسية أفضل، لكن المخاطر المحيطة بتطبيقها وبقائها أكبر. وعلاوة على ذلك، فإن التسوية السياسية تتطلب سلسلة من التنازلات الإسرائيلية الجغرافية على امتداد الحدود، وعلى الرغم من أنها ستكون ضئيلة، فإنه سيكون من الصعب قبولها داخلياً، ناهيك بالشك في أنها ستضمن الهدوء على الحدود على المدى الطويل.

خامساً؛ ضربة عسكرية محدودة لتجديد قوة الردع:

هذا بالإضافة إلى فرض وقف إطلاق النار على حزب الله، وإبعاده عن الحدود. لكن تتمثل المشكلة هنا في أن ما يمكن أن يبدأ كضربة محدودة النطاق، لن يظل بالضرورة على هذا الحال، كما أنه لا توجد ضمانات بتحقيق أهدافها. لذا، فإن هذا الخيار لن يحظى بشرعية دولية (أميركية)، كما أن الجمهور الإسرائيلي قد ضاق ذرعاً بوعود التحسينات المحدودة للأوضاع.

سادساً؛ شن معركة هادفة إلى تغيير الوضع الراهن:

إن حزب الله يتعاظم بصورة مستمرة منذ نحو عقدين، والمواجهة الواسعة النطاق، على ما يبدو، ليست سوى مسألة وقت فقط. وفي هذه الأثناء، تحولت إيران إلى دولة على عتبة دخول النادي النووي، وأي تأجيل آخر للسعي لحرب تشبه يوم القيامة على الحدود الشمالية ربما ينتهي بمواجهة مستقبلية بعد أن تملك إيران السلاح النووي، وهذا الواقع الاستراتيجي ممنوع أن نصل إليه. إن إسرائيل متأهبة وعلى أتم الجهوزية، والجيش راكم خبرة قتالية مهمة في غزة، وتمكّن من استعادة الثقة بالذراع البرية، بينما المحور الإقليمي المناهض لإيران، الذي تقوده الولايات المتحدة، قد أثبت قدراته لدى قيامه بصد الغارة الإيرانية. وفي المقابل، فإن هناك خطر حدوث تصعيد يصل إلى مواجهة متعددة الجبهات، وستتعرض الجبهة الداخلية، والاقتصاد، والمرافق العسكرية الاستراتيجية لضربات خطِرة، وسيتحول العداء الموجه إلى إسرائيل في العالم إلى عاصفة، من شأنها أن تغير نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة. إن إعادة انتخاب بايدن هي مصلحة إسرائيلية واضحة، وهناك خشية لدى كثيرين من أن الاعتبارات السياسية الداخلية هي التي تحرك إسرائيل، وأن الأزمة السياسية الداخلية المستمرة ستجعل من الصعب عليها إدارة القتال.

بعد فشل جهودنا الرامية إلى إحباط تعاظُم حزب الله، والسعي الإيراني نحو السلاح النووي، يُحظر علينا أن نفشل ثانيةً. وطالما كانت الرغبة في العمل الآن بصورة هجومية ضد حزب الله هي رغبة مفهومة لدى الجمهور، فإنه من الضروري أن نمارس سياسة منضبطة ومدروسة تدمج الخيارات المذكورة أعلاه، إذ لا يوجد خيار واحد صحيح أكثر من غيره.

وسنعرف، فور أن تضع الحرب في غزة أوزارها، ما إذا كان حزب الله سيفي بالتزامه وقفَ إطلاق النار، وإذا كان يمكن التوصل إلى تسوية. إن تأجيل حرب ما ربما يؤدي إلى تبدُد إمكانات اندلاعها. وعملياً، ربما نضطر إلى العيش تحت هذا التهديد لمزيد من الوقت، وهذا استنتاج صعب، وخصوصاً لسكان الشمال، الذين سيضطرون إلى اتخاذ قرار ما إذا كانوا سيعودون بهذه الشروط إلى منازلهم أم لا. وفي هذه الأثناء، ينبغي استغلال المرحلة التي تسبق الانتخابات الأميركية من أجل التوصل إلى تفاهمات مع إدارة بايدن، ومع المحيطين بترامب، بشأن استمرار الخطوات، فالدعم الأميركي لنا مصيري، وزيادة إمكانات تحصيل هذا الدعم تفرض علينا تبنّي “برنامج بايدن”، الذي يشمل التقدم في اتجاه دولتين لشعبين، إلى جانب التطبيع مع السعودية، وتمكين المحور المناهض لإيران. وهناك شك فيما إذا كان نتنياهو قادراً على ذلك.

في ظل هذه الأوضاع، تتزايد إمكانات وصولنا أخيراً إلى حرب شاملة. وفي أي حال، سيكون من الصواب أن نعلن أولاً وقفاً أحادي الجانب لإطلاق النار لنتمكن من حشد الشرعية الدولية وراءنا، وبعدها النظر في إطلاق إنذار نهائي تجاه حزب الله، مع استعدادنا للمخاطرة بتصعيد شامل”

. (*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية

شاهد أيضاً

“ هواوي” وهجومها العكسي على العقوبات الأميركية

نعمت الحمد كانت شركة “هواوي” متفوقة على العالم في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، ما مهّد …