حقيقة البعبع الأمريكي على مدى عدة عقود والولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في اداراتها المتعاقبة تقدم نفسها للعالم على أساس أنها بعبع مخيف لا يمكن لأي طرف مواجهتها أو الاقتراب منه وقد صدق الكثيرون هذه الكذبة الكبرى

 

خاصة أولئك الحكام الذين وضعتهم سيدتهم أمريكا على رأس أنظمة تابعة لها وتأتمر بأمرها أغلبهم في الوطن العربي وعندما تثور شعوبهم ضدهم تتخلى عنهم وتبيعهم بأرخص ثمن لأن مصلحتها لا تقتضي التمسك بهؤلاء الحكام وهم في أضعف حالاتهم فاقدين ثقة شعوبهم بهم والأمثلة على ذلك كثيرة من الماضي والحاضر وممن تصنعهم امريكا أدوات لها للمستقبل فليس لهم أية قيمة مقدرة لديها لقاء ما قدموه لها من خدمات وتنفيذ أجنداتها التي تفرضها عليهم .
على سبيل المثال لا الحصر الإمبراطور هيلاسلاسي إمبراطور الحبشة والإمبراطور محمد رضا بهلوي شاه إيران ومكاريوس الفلبين وأنور السادات رئيس مصر ومن بعده حسني مبارك وعلي عبدالله صالح في اليمن والعديد من الحكام في افريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا كانوا من أشد من أخلصوا لأمريكا ومكنوها من أن تحكم شعوبهم نيابة عنهم وتعربد فيها كما تشاء ومع ذلك تخلت عنهم في أحلك الظروف عند محاسبة شعوبهم لهم فتركتهم فريسة تنهشها ارادة الشعوب الحرة التي وعت ولو في وقت متأخر لمصلحتها وأدركت أن بقاء أولئك الحكام على رأس الأنظمة سيلحق بها المزيد من الضرر في ظل استمرار الهيمنة الأمريكية وإن كانت بعض الشعوب لم تستطع أن تمنع أمريكا من العودة اليها من جديد كما حدث في مصر العروبة التي يتفرج جيشها اليوم على ما يقوم به الجيش الصهيوني من إبادة جماعية للأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة وهو الجيش الذي كانت قضية فلسطين بالنسبة له قضيته الأولى منذ قيام ثورة 23 يوليو عام 1952م في مصر وخسرت مصر بسبب موقفها القومي والدفاع عنها ودعمها لحركات التحرر من الهيمنة الأمريكية والدول الاستعمارية بشكل عام جزءا من أرضها التي لم تعد لها سيادتها الكاملة عليها حتى اليوم ونقصد بذلك صحراء سيناء ومعابرها الحدودية المرتبطة بأرض فلسطين وتحديدا قطاع غزة لأن ارادة الحكم المستقلة في مصر العروبة أصبحت تسير من قبل أمريكا والكيان الصهيوني الذي استطاع أن يكبل مصر بالعديد من الاتفاقيات حيدتها تماما وأخرجتها من معادلة الصراع العربي- الإسرائيلي بالإضافة إلى إغراقها بالديون التي وصلت حسب الاحصائيات المتداولة إلى ما يقارب مائة وعشرين مليار دولار مما جعل مصر في وضع لا تحسد عليه ويخشى أن يتحول هذا الوضع الاقتصادي الصعب إلى قنبلة قد تنفجر في أي وقت فتصيب النظام والشعب على حد سواء وهذا ما لا نتمناه أن يحدث لمصر التي تعود منها العرب أن تكون هي أول من يمد يد المساعدة للشعوب التواقة للتحرر من هيمنة الاستبداد والاستعمار وكانت تعد مأوى لاستضافة كل حركات التحرر في مختلف بلدان العالم عندما كانت أمريكا لا تستطيع التدخل في شأنها الداخلي بعكس مايحدث اليوم من هيمنة وتحكم على قرارها السياسي حيث أصبحت مكبلة ومسيرة لا مخيرة.
أما في اليمن قبل أن تقوم ثورة 21 سبتمبر الشعبية عام 2014م فقد كانت أمريكا هي الحاكم الفعلي لليمن ولم يكن القادة التي تتحكم في ارادتهم يقطعون أمرا حتى تشهده وتوافق عليه لدرجة أنها عندما شعرت بخطورة التذمر ضدها من قبل الشعب سارعت إلى القيام بتدمير السلاح اليمني الذي كانت تعتقد أنه سيضرها وفي مقدمة ذلك منظومة الدفاع الجوي تحت اشراف السفير الأمريكي وبذلك ضمنت لطيرانها المسير الذي كان يسرح ويمرح فوق كل مناطق اليمن أجواء آمنة فكان يقتل الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال بحجة أنهم إرهابيون وما حدث في قرية المعجلة بمحافظة أبين انموذجا ما يزال شاهدا حتى الآن على الاجرام الأمريكي والمؤسف أن تلك الجرائم كانت تتم تحت مسمع ومرأى ممن كانوا يعتقدون أنهم حكام لليمن ولم يجرؤ أيا منهم أن يستنكر ما كانت تقوم به أمريكا من اجرام في حق اليمنيين عبر طيرانها المسير بل إن المدبر عبدربه منصور هادي الذي خلف علي عبدالله صالح في حكم اليمن بموجب المبادرة الخليجية كان معجب جدا بالطيران المسير الأمريكي لدرجة أنه وصفه في خطاب له أذيع على الهواء قي القناة الفضائية اليمنية آنذاك بأنه أعجوبة العصر، ولم تهتز له شعرة إزاء الضحايا الأبرياء الذين كان يحصدهم هذا الطيران الأعجوبة حسب وصفه، في تلك الفترة كنت أحضر اجتماعات مغلقة يتم فيها مناقشة التحضير لعمل اعلامي يتم من خلاله صناعة رأي عام يخدم النظام ويبرر له أفعاله، وعندما كان يذكر اسم أمريكا كانت تحمر وجوه المسؤولين الحاضرين خوفا منها وكأنها حاضرة بجانبهم، لكن عندما تغير الوضع عام 2014م وأمتلك الشعب اليمني زمام أموره بعد تحرير قراره السياسي من سيطرة الخارج تبين للجميع أن أمريكا ليست بذلك البعبع المخيف الذي كان يتصوره عملاؤها عنها وأنها مهما بلغت من القوة والعظمة فإن بإمكان أي شعب حر مقاومتها والوقوف في وجهها والتمرد على هيمنتها وهذا ما حدث في اليمن عقب قيام ثورة 21 سبتمبر الشعبية ليس ذلك فحسب وإنما تمت هزيمتها في البحرين العربي والأحمر وخليج عدن من خلال ضرب سفنها ومدمراتها الحربية وإجبارها على الانسحاب وملاحقتها إلى المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط مع حليفتها بريطانيا العجوز وقد شهد قادة عسكريون امريكيون بقوة اليمن الجديد بقيادة قائده الحكيم والشجاع السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي مؤكدين أنهم لم يتعرضوا لمثل هذا الوضع من المقاومة للنفوذ الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية، وعليه فإن الإدارة الأمريكية لا تفكر حاليا إلا في كيفية استعادة هيبتها التي كانت تخوف بها الأنظمة والشعوب بهدف الخضوع لسيطرتها، وهي الهيبة التي كشف الشعب اليمني ممثلا في قواته المسلحة وقيادته الحكيمة زيفها وكسر بمواجهته المباشرة لثلاثي الشر العالمي أمريكا وبريطانيا وإسرائيل حاجز الخوف أمام الشعوب الأخرى، وكان لهذا العمل الجبار في مواجهة أمريكا والذي لم يسبق لأي شعب من الشعوب أن قام بمثله منذ أن نصبت أمريكا نفسها شرطي العالم ثماره الإيجابية حيث تحركت الشعوب الحرة وخاصة في افريقيا مطالبة بإنهاء النفوذ الأمريكي وسحب قواعدها العسكرية وهو ما سيشكل بداية لبروز عالم جديد لا تكون فيه أمريكا هي صاحبة النفوذ أو المهيمنة عليه.

شاهد أيضاً

الانتخابات في أوروبا والانقلابات الكبرى إلى أين؟

ناصر قنديل لا يبدو الحديث عن الموجة اليمنية الكاسحة في أوروبا دقيقاً، عندما نعاين نقطة …