حضرة الاعلامي ليس هكذا يتحدثون عن حزب الله أم هكذا يدافعون عن المسيحية؟

 

بقلم ناجي أمّهز

حضرة الاعلامي قبل ما تبلش بمطالعة المقال اتمنى عليك ان تختلي بنفسك خمس دقائق وتتخيل ان داعش تجتاح لبنان ولا يوجد المكون الشيعي، او اقله المكون الشيعي لا يمتلك ما يمتلكه اليوم من اسلحة، وتخبرني ماذا ستفعل وكيف تتصرف.

وبحال وجدت الجواب، أرجو أن تكتبه لي، لأن الدول الكبرى عندما تُخبرها أن المسيحيين في المشرق قادرون على مواجهة التكفيريين لا يصدقون ذلك، ويقولون: هل يعقل أن يكون المسيحيون في المشرق أقوى من جيش الاتحاد السوفياتي الذي سقط أمام التكفيريين؟

أولاً، حضرة الاعلامي، الشيعي لبناني لبناني متل ما الماروني لبناني لبناني، وبنفس التاريخ وبنفس الوقت هما لبنان على مر التاريخ، ولا يوجد فرق بين إلياس وعلي، منذ فجر التاريخ هذا هو تكوين لبنان.

أنا من بلاد جبيل، أختي برناديت التي باركها البطريرك صفير، هذا الحديث في بداية 1980، يعني بالتأكيد بيتنا ليس طائفياً. في بداية 1982 انتقلنا من جبيل إلى طرابلس لأن والدي كان من محبي العميد ريمون إده، وبدأت الأحزاب اليمنية تضايقه كما ضايقت حتى المسيحيين الذين كانوا مع العميد ريمون إده. لن أخبرك كيف هرب والدي ومن ساعده وبأي طريقة، أنت صحفي وأعتقد أن مخيلتك قادرة على استنتاج الصورة.
والدتي توفيت في طرابلس عام 1987، وفي منتصف 1988 عدنا وسكنا في جبيل مع الجدة لأن والدي كان يعمل في الخليج، وفي طرابلس لم يكن لدينا أحد.

بنهاية 1988 التحقت بالجنرال ميشال عون مثل الكثير من المسيحيين والمسلمين لأن ذاكرتنا تعبت من أفعال اليمين المسيحي ومن الوجود السوري، ولأنني كنت أكتب اليافطات وأصمم الشعارات، أصبحت من أقرب المقربين للقيادة العونية. تعرف في ذلك الوقت كان كل شيء يُرسم باليد، وكانت الكتابة والعمل على الدكتيلو.

يعني بدون تسميات يمكنك اعتباري شاهد ملك على حقبة تاريخية بأدق تفاصيلها ومن خلال النخبة المسيحية صاحبة القرار. وغالبية الأسماء التي تتذكرونها اليوم وتتحدثون عن أمجادها، أنا أعرفها شخصياً.

في عام 1990 رحل ميشال عون هو ورفاقه، وكثير من الناس المسيحيين رحلوا أيضاً. يعني يمكنك القول إنه بعد نفي الجنرال ميشال عون وسجن الدكتور جعجع، 70% من الشباب المسيحي رحل، لذلك اليوم لا ترى في الحشد المسيحي أو في الاحتفالات المسيحية عنصر الشباب، ترى غالبية الحضور من رعيل الثمانينات. لأن كل الشباب هاجر، ومن يهاجر لا يعود.

الله يرحمه، كان هناك صديق من بيت الناكوزي وهو من الفلاسفة الكبار، كان يأخذ قنينة “الماء” ويجلس على شاطئ البحر ويعد “الفلوكة” وهي تذهب إلى قبرص، وتطلع إلى أوروبا أو أمريكا أو حتى تذهب إلى الشريط الحدودي. ويقول لي: ” ناجي، أمثالك الذين سيأتون يوماً ويدافعون عما تبقى من المسيحية، نحن نخطئ كثيراً. كان يجب أن نستمع جيداً لبيار الجميل، لكن نحن الموارنة يبهرنا الشكل، وشياكة وحركات كميل شمعون لم تتركنا نستمع جيداً لشيخ بيار.

لقد التقيت وجلست واجتمعت مع قيادة الكنيسة في لبنان سواء كانت مارونية أو روم، وتحدثت بما يجب أن يُقال، والكبار تصغي جيداً لكل كلمة تقال ويتوقفون عندها. حتى الكتل السياسية اللبنانية الأساسية، ومن كل الطوائف، تستمع وتبحث عن مقالاتنا، لأن إذا أردت أن تتحدث في السياسة وتعمل في السياسة، يجب أن تقرأ لأشخاص عاشوا التاريخ والواقع السياسي.

القصد من هذه النقاط والاشارات، أن النضوج السياسي يحتاج إلى وقت. عندما كان الجنرال عون في المنفى والدكتور جعجع في السجن، كان أمثالنا هم القيادة لأن المرحلة كانت تحتاج إلى أبطال وثوار. حتى يمكن أن السوريين وغيرهم لم يريدوا قتلنا، لأن أحيانًا وجود النقيض هو نوع من الحياة والبقاء.

ولما خرج السوريون، انتهى دورنا ولم يعد لنا حتى وجود. حتى العونية لم يبقَ شيء من ذاكرتنا فيهم، كما تسمع.

الفكرة حضرة الاعلامي انك ما نسبته الى الشيعة غير دقيق ابدا.

ليس الشيعة هم من جلبوا الفلسطينيين إلى لبنان، المارونية السياسية هي التي جلبت الفلسطينيين.

ليس الشيعة هم من أدخل الجيش السوري إلى لبنان، السياسة المارونية أدخلتهم لإخراج الفلسطينيين.

ليس الشيعة هم من أدخلوا الجيش الإسرائيلي إلى لبنان، الموارنة أدخلوا الجيش الإسرائيلي وساعدوه لإخراج الجيش السوري والفلسطينيين الذين أدخلوهم إلى لبنان.

ليس الشيعة هم من بدأ الحرب الأهلية، اليمين الماروني هو الذي بدأ الحرب الأهلية، وكلمات بشير الجميل لا تزال موجودة في 14 أيلول 1982 عندما قال “لا تنسوا أن عمري 34 سنة” وتحدث عن المقاومة المسيحية التي أصبحت لبنانية يوم انتخابه.

ليس الشيعة هم من جعلوا سمير جعجع يختلف مع إيلي حبيقة أو الشيعة هم سبب صراع القوات الكتائب.

ليس الشيعة هم من أشعلوا حرب الإلغاء بين الجنرال عون والقوات.
الشيعة ليس لهم علاقة بأي شيء مما تتحدث عنه.

الشيعة يدفعون الدم من اجل بقاء لبنان، لان لا مكان لهم الا لبنان.

في سنة 1997، التقيت بأحد أهم الأشخاص في الرابطة المارونية، وكان قد عاد من جولة أوروبية أمريكية. التقيت به عند طبيب قرب مستديرة الحايك، هل تعرف ماذا قال لي؟ قال لي إن السوريين فرض عليهم اتفاق الطائف كما فرض على الموارنة. بل تم تهديد السوريين من الأمريكيين بأنه إذا لم يمشوا باتفاق الطائف، سيحركون الإسلاميين ضدهم وأن السوريين مع اليمين الانعزالي، هل تصدق ذلك؟
هل تصدق أن السوريين كانوا يرفضون اتفاق الطائف لأن بقاء الصلاحيات مع الرئيس الماروني اللبناني أسهل في التفاهم والاتفاق من انتقالها لمجلس الوزراء؟
حتى السوريون كانوا يعتبرون أن سحب الصلاحيات من الرئيس اللبناني الماروني هو تمهيد لخلق ثورة في سوريا لانتزاع الصلاحيات من يد الرئيس السوري ووضعها بيد مجلس الوزراء.

سأخبرك بشيء أهم وأعمق من هذا بكثير، لتعرف أهمية الشيعة عند النخبة المارونية.

جيش لبنان الجنوبي الذي كان يتعامل مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، كان أحد مفاصل القوة عند الموارنة في لبنان. لأن بعض الموارنة عندما كانوا يريدون شيئًا من أمريكا أو أوروبا، كانوا يتحدثون مع قيادة الجيش الجنوبي، وقيادة الجيش الجنوبي كانت تطلب من الحكومة الإسرائيلية، والحكومة الإسرائيلية كانت تطلب من اللوبي الصهيوني، وهكذا كانت طلبات بعض الموارنة تُنفّذ دون اعتراض.

مع تحرير الجنوب وانهيار جيش لبنان الجنوبي، لم يجد جيش لبنان الجنوبي أحداً في العالم يدافع عنه أو يطالب به، بما فيهم العدو الإسرائيلي الذي حاول أن يقتلهم قبل خروجه من جنوب لبنان من خلال زجهم في معارك مع المقاومة.

أتعرف أن النخبة المارونية في ذلك الوقت منعت أي تصريح ضد الشيعة ورحبت بالتحرير، رغم الخسارة العالمية الكبيرة التي كان يستفيد منها الموارنة في العلاقات السياسية الدولية.

هل تصدق أنه في عام 2000 عندما تردد الكثيرون في التوقيع على عريضة منظمة العفو الدولية بسبب انتهاك حقوق الإنسان للدكتور سمير جعجع خوفاً من السوريين، أنني كنت أول شخص وقع على هذه العريضة، وبعدها زارني عبد المتعال كورشاب، وهذا الشيء ذكرته في مقال نُشر عام 2014.

ويمكنك مراجعة موقع البي بي سي وجريدة عرب تايمز التي تصدر في أمريكا، وترى مقالاتي منذ التسعينات، وبعدها ستستغرب كيف ما زلت حيًا.
أنا لا أنكر أنني عشت مع النخبة المارونية التي كان أحدهم يفتح هاتفه في جونية فيرن جرس الهاتف في البيت الأبيض أو في قصر الإليزيه، وتعلمت منهم كل ما أعرفه، وكيف بني وأسس هذا الشرق، ومع انتهاء هذه النخبة ينتهي لبنان الذي نعرفه.

لقد أخبرتك بين السطور عشرات الأسرار والمعادلات، إذا كنت ترغب في أن تصبح قائدًا في السياسة، أتمنى عليك أن تقرأ جيدًا، ويجب أن تعرف ليس هكذا يدافعون عن الموارنة ولا هكذا يتهجمون على الشيعة.

انا من وجهة نظري ان حزب الله خشبة الخلاص للبنان، والدليل ان وجودك اليوم على السوشيال ميديا هو لأنك بالأمس تحدثت عن حزب الله، لذلك علّة الوجود هي التوازن، ويجب التعامل بتوازن، والأهم وأكرر دائمًا هو استمرار التحالف الماروني الشيعي.

في الختام هذا هو الفرق بيني وبينك. أنا رغم كل ما أعرفه عن المارونية السياسية وتأثيري المباشر، لم أكتب ولا مرة واحدة أو أنتقص من دورهم، لأنني أعرف دور الموارنة في بقاء الشيعة وبقاء لبنان، ويجب على الموارنة أن يعرفوا دور الشيعة لاستمرار بقائهم واستمرار بقاء لبنان.

شاهد أيضاً

إردوغان والأسد إن التقيا “قريباً”.. في بغداد أم أبو ظبي؟

  توفيق شومان تبدو المساعي العربية والإيرانية والروسية في سباق غير معهود لإنتاج تسوية سورية …