بين سلوك دولة المؤسسات والثوابت الاستراتيجية رسائل إيرانية للداخل والخارج…

رنا العفيف

بداية… أحرّ التعازي للجمهورية الإيرانية الإسلامية قيادة وحكومة وشعباً، كما لا بدّ من تقديم التعازي لأهلنا في غزة وكلّ محور المقاومة وكلّ من شعر بالفقد في هذا الحدث الجلل والفاجعة الصادمة، أمام استشهاد الرئيس الإيراني الاستثنائي ابراهيم رئيسي ورفاقه الذين ترجموا مفهوم الثورة الإسلامية في الداخل وفي المحافل الدولية، ما هي دلالات مشهدية عملية انتقال السلطة للرئيس بالوكالة وتحديد موعد الانتخابات الرئاسية في أقلّ من خمسين يوماً، أيّ رسائل في هذا التوقيت الحساس؟
ثقيلة هي الساعات التي مرًت على الإيرانيين وعلى الحلفاء والأصدقاء وهم ينتظرون خبراً يُبرّد قلوبهم ويبدّد قلقهم على رئيسهم ومن معه، إلا انّ ذلك لم يحدث فكانت الصدمة وكان الحداد يعمّ شوارع إيران ومحافظاتها، وتوالت القرارات المتتالية حيال إعلان الخبر الصادم، وهي ثلاث في عملية انتقالية للرئيس بالوكالة وقائم بأعمال الخارجية الإيرانية ومن ثم تحديد موعد الانتخابات الرئاسية في أقلّ من خمسين يوماً كما يحدّد الدستور الإيراني..
طبعاً أتت هذه القرارات لتثبت أنّ الجمهورية الإسلامية هي دولة مؤسسات، وأنّ رحيل رئيس أو قائد عسكري أو مسؤول أياً كانت أسباب الرحيل، لا يوقف مسيرتها ولا يهزّ ثوابتها ونهجها، وبالتالي إيران تعلن موعد الانتخابات المبكرة في الثامن والعشرين من حزيران/ يونيو المقبل قبل انطلاق مراسم تشييع شهدائها على مساحة واسعة من جغرافية البلاد التي خدم الشهيد رئيسي شعبها حتى آخر لحظات حياته،
أيضاً تمدّد الحزن إلى الخارج ولم يقتصر على الداخل الإيراني، إذ غمر الدول الصديقة والحليفة التي سارعت إلى تأكيد عزمها على مواصلة النهج نفسه في العلاقة، وكذا خصوم إيران حرصوا على تقديم واجب العزاء وهم يدركون بأن لا شيء سيتغيّر في إيران بعد استشهاد رئيسي ورفاقه، وبالتالي الثوابت الاستراتيجية وتلك التي تتعلق بمسار القضية الفلسطينية التي تعيش أهمّ مراحلها مع طوفان الأقصى، هي ثوابت متينة وصلبة وقوية…
ودون أيّ إرباك أو قلق قامت الجمهورية الإسلامية بطمأنة الشعب الإيراني قبل تفاصيل الكشف عن الحادث، ووجهت رسالة راسخة وثابتة وصلبة بتحديد واستمرارية النهج على اعتبار أنها دولة قوية مفتوحة على شتى الاحتمالات من خلال التوجيهات المباشرة التي تفسّر وجهة المنظومة السياسية والمؤسساتية والدستورية التي تستطيع من خلالها استيعاب أي حدث جسيم وطارئ، والشعب الإيراني قادر على تخطي هذا المصاب رغم الألم الكبير الذي تسبّبت به الخسارة الفادحة.
كان فحوى الرسائل للداخل هو استمرارية النهج السياسي الإيراني في البعد الداخلي وأيضاً الخارجي، ومقارباتها لا تختلف جذرياً بانتقال الرئاسة من شخص إلى آخر بناءً على قواعد وأسس متينة في ثوابت الاستراتيجية العُليا سواء على مستوى المنطقة أو الشعوب أو الأقطار، نظراً للعلاقات المتينة بين إيران ومعظم هذه الشعوب والأقطار…
وكان لوزير الخارجية الشهيد الدكتور حسين أمير عبد اللهيان أنشطة دبلوماسية على مستوى المنطقة والعالم، لها مفاعيل قوية ببناء الجسور والعلاقات الوطيدة، وقالها هو نفسه في إحدى جولاته الأخيرة من محطة حياته في المنطقة بأنّ إيران على استعداد دائم للانفتاح على الدول العربية وإقامة علاقات وطيدة مع الدول العربية، وبالتالي ديمومة الاستمرارية في النهج هي الرسائل التي وجّهتها إيران للداخل والخارج ليس بالكلمة وإنما بالأفعال، وخير شاهد اتخاذ القرارات والإجراءات برشاقة استراتيجية، وهذا ما يدفع الطمأنينة في قلوب الشعب الإيراني تجاه هذا النهج الذي يحمل ملفات وقضايا الشعوب المستضعفة لنصرتها والذي لم يهتز يوماً في تموضعه لتكمن خصوصيته على المستوى الإقليمي والدولي دون إرباك، وتجسّد هذا فعلياً بعملية انتقال السلطة إلى الرئيس المؤقت محمد مخبر، وكذلك تعيين الدبلوماسي العريق الدكتور علي باقري كني قائماً بأعمال وزارة الخارجية.
وللتذكير… كنا قد رأينا نفس الصلابة ونفس الأداء الرفيع للمؤسسات عند استشهاد اللواء قاسم سليماني، وأيضاً عند رحيل العديد من الشخصيات المعتبرة والمؤثرة في البلاد، فسقف الإدارة لدى إيران لا تقف عند أشخاص، وقد شهدت إيران في السابق هزات كبيرة وتجاوزتها، واللافت في هذا المصاب اللحمة الوطنية بكلّ مكوناتها ممن افترشوا الأرض في الشوارع تضرّعاً لله يدعون لسلامة الرئيس ورفاقه، وهذه واحدة من الحالات الوطنية المعبّرة عن تماسك وتعاضد الجبهة الداخلية التي كان يترصّدها المتربصون والأعداء وخصوم الجمهورية الإسلامية، وفي مقدمة هؤلاء الكيان «الإسرائيلي» الذي كان ينظر بشكل مختلف إلى ما يجري في إيران، وشتان بين الفقدان ومراحل ما بعد ذلك، إذ تمنى هذا الاحتلال أن يكون هناك إرباك في داخل الجمهورية، لكن ما حصل ويحصل هو عكس ما تمنّى، حيث نشهد التماسك الكبير في أداء الجمهورية الإسلامية في إيران على المستوى الداخلي، والاستمرارية في الملفات التي تربك الأعداء والخصوم في المنطقة، كما نرى بأم ّالعين الاهتمام الكبير بموقع إيران القديم الجديد التي وضعت نفسها إيران فيه على الخارطة السياسية الدولية والعالمية، وهذا كان لافتاً جداً، وبالتالي فغنّ «إسرائيل» تنظر إلى إيران دائماً بعين الحاقد الناقم التاريخي التي تبسط أعينها ومن خلفها ويقف معها إلى جوهر الشجرة الإيرانية التي ترتوي دائماً بدماء الشهداء الطاهرة، وهي تخشى هذه الشجرة العملاقة لأنها تحمل بوصلة قوية وصلبة لتثمر ثمارها في أولوية القضية الفلسطينية

شاهد أيضاً

إردوغان والأسد إن التقيا “قريباً”.. في بغداد أم أبو ظبي؟

  توفيق شومان تبدو المساعي العربية والإيرانية والروسية في سباق غير معهود لإنتاج تسوية سورية …