علينا تكريس انقلاب الصورة قبل فوات الأوان

بقلم علي خيرالله شريف

زرع الغرب وخاصةً الولايات المتحدة الأميركية في وجدان شعوب العالم، على مدى عقود من الزمن، مفاهيم مغلوطة عن كياناتِهِم وعن الكيان الصهيوني. فصوَّروا أنفُسَهُم على أَنَّهُم يُمَثِّلون القِيَم الإِنسانِيَّة والأخلاق وحُقوق الإِنسان وحقوق الطفل والحرية والديمقراطية، وغيرها من القيم السامية. حتى أَنَّهم أَسَّسوا جَمعِيَّاتٍ وَهيئات دَولِيَّة بعناوين تلك المفاهيم والقِيم، وجعلوها تنشر، عبر العالم، المفاهيم المغلوطة التي يريدونها. كما أنهم زرعوا في أذهان الناس قناعة أن كيان “إسرائيل” هو الكيان الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط، والكيان الحضاري الأوحد، الذي يحترم الأخلاق وحقوق الإنسان.
نحن اليوم أمام فرصة تاريخية، سقطت فيها تلك الصورة المزَيَّفة التي رسمها الغرب لنفسه ولكيان “إس-را-ئيل”. أسقطها طوفان الأقصى وأسقطها الإجرام الص-هيو-ني، بشكلٍ لم يسبق له مثيل، في حرب الإبادة الجماعية التي يخوضها ضد البشر والحجر ومقومات الحياة، حتى بلغ عدد المجازر التي ارتكبها في غزة أكثر من 3500 مجزرة لغاية اليوم، في بقعة جغرافية لا تتجاوز 365 كلم مربع، فأوقعوا أكثر من 150 ألفاً بين شهيد وجريحٍ ومفقود. وكُلُّ أدائه يَدُلُّ على عزمه متابعة حربه التدميرية إلى ما هو أبعد من فلسطين.
إن ما نشهده اليوم من نقمة شعبية وطلابية عالمية على “إس-را-ئيل” والولايات المتحدة الأميركية وعلى الأنظمة الغربية، قد مزق تلك الصورة. وتجلَّى ذلك في المظاهرات التي تعم العواصم والمدن، وفي أنشطة الاحتجاج والغضب المتنوعة والصادقة، وفي التعبير الصريح عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بمختلف الطرق والأساليب. هذه النقمة هي غير مسبوقة منذ قيام كيان العدو على أرض فلسطين. وهي تُمَثِّلُ انقلابَ الصورة التي كان الغرب قد رسَّخها في الأذهان، وسخر لها إمبراطورياته الإعلامية الـمُهَيمِنة على الساحات الدولية كافة. إنَّه انقلابٌ للصورة بكل معنى الكلمة، وبالأحرى إنه تصحيحٌ للصورة التي كانت مقلوبة ومخادعة.

من ناحية ثانية، تعمد أميركا والدول الغربية حالياً إلى ترميم تلك الصورة، عبر العودة إلى خداع الرأي العام العالمي، بذرف دموع التماسيح أو بمحاولاتٍ كاذبة لإسقاط المساعدات من الجو، أو إدخالها من البحر، وعبر التصريحات الكاذبة والمراوغة عن الوضع الإنساني، وأيضاً عبر البروباغندا والقمع الذي تمارسه ضد شعوبها الغاضبة، في حين أنهم يحاصرون القطاع ويقصفونه بأفتك أنواع السلاح. ومحاولات الترميم هذه تُنبِئ بأنه في حال تم وقف إطلاق النار، سنشهد حملات إضافية من الغرب لإعادة تصوير نفسه سيد القِيَم وحقوق الإنسان. وسنشهد قوافل وهمية للمساعدات، ووفوداً طبية وإغاثية من كلِّ حدبٍ وصوب، وحملاتٍ استعراضية ليصوِّروا أنفسهم مجدداً ابطال السلام والقِيَم. وبالتأكيد لن تكون تلك الحملات إلا استكمالاً لحرب الإبادة بقناعٍ إنسانِيٍّ مخادع.

تَيَمُّناً بما دعا إليه سماحة السيد عبد الملك الحوثي وكل قادتتا الأبرار، نحن بحاجة ماسة، لحملةٍ كبيرة تهدف إلى تثبيت الصورة الجديدة للغرب وللكيان. وذلك عبر حملاتٍ على كل المستويات. فلا يكفي أن يكون دورنا تحليل الخبر على الشاشات والصفحات حتى بات مجتمعنا يزخر بأعدادٍ هائلة من المحللين السياسيين الذين يسجنون أنفسهم في توصيف الواقع. بل من الضروري أن نبادر، في دول محور المق_او_مة وكل الدول الحُرَّة في العالم، إلى خوض معركة الوعي والبصيرة لتكريس هذا الانقلاب للصورة قبل فوات الأوان، عبر تنظيم حَمَلاتٍ عالمية مستمرة ومتواصلة وواسعة النطاق في عدة مجالات واتجاهات، بالتعاون مع الدول التي تضامنت مع غزة عبر المواقف السياسية والقضائية الدولية والشعبية، وعبر مبادراتها إلى قطع علاقاتها مع العدو وفرض إجراءات اقتصادية ضده. وكلها كانت مواقف أكثر شجاعةً وإنسانيةً وأصالة من مواقف الكثير من الدول العربية والإسلامية.

أما الحملات المفترض أن تبادر إليها دول المحور وكل النُخَب فيها، فيجب أن تشمل المجالات السياسية والدبلوماسية والإعلامية والاقتصادية والتجارية والقضائية والأدبية والفنية والثقافية والاجتماعية وغيرها، وتتضمَّن ما يأتي:

1. جولات دبلوماسية مكوكية ودؤوبة، على دول العالم، وحثها على أن تترجم رفضها للجرائم بمحاصرة الكيان على الساحة الدولية وقطع علاقاتها معه، على كل المستويات.

2. تفعيل ملاحقة قادة الكيان قضائياً، عبر رفع دعاوى عليها في كل الدول، للوصول إلى أقصى حد من التضييق عليهم وعلى أسفارهم وعلاقاتهم، وتحريك الإنتربول لملاحقتهم واعتقالهم، ووضع أسمائهم وأسماء داعميهم على لوائح الإرهاب.

3. القيام بحملات عالمية إعلامية وأدبية وفنية وثقافية، بكل اللغات لتكريس انقلاب الصورة في أذهان الشعوب، وإفشال محاولات الغرب ترميمها.

4. تفعيل المقاطعة لبضائع العدو وبضائع داعميه في أوسع مساحة ممكنة من الساحة الدولية.

ولتبدأ هذه الحملات بالتنسيق القوي مع الدول التي بادرت إلى اتخاذ إجراءات ضد العدو، مثل البرازيل وكولومبيا وبوليفيا وتشيلي وفنزويلا وجنوب أفريقيا والنيجر وغيرهم. ثم تمتد إلى روسيا والصين، ثم إلى الدول الإسلامية والدول التي ما زالت صامتة ورمادية. فإن ذلك حتماً سيؤدي إلى تحقيق إنجازات مؤلمة للعدو حتى ولو كانت جزئية.

نتمنى على الدول التي ذكرناها أن تبادر بأسرع وقت إلى هذا النشاط الهام جداً قبل أن تنجح أميركا في ترميم صورتها وصورة ربيبتها.
وعلى الصعيد الإعلامي، على السيدات والسادة المحللين السياسيين، الذين بات أغلب عملهم يقتصر على تحليل الحدث والخبر، كما قال سماحة السيد عبد الملك الحوثي، أن ينتقلوا إلى مرحلة تقديم أفكار تخدم المعركة وتخدم المجتمع وتخدم الأهداف العليا في معركة الوجود التي نخوضها. لأن المراوحة الفكرية التي نعيشها في ظل البراكين التي تعصف بالأمة من كل الاتجاهات، تؤدي بنا إلى جمود فكري وإلى ترك الغرب يُغَيِّرُ ويُبَدِّلُ بالمشهد كما يحلو له.

*الاثنين 13 أيار 2024 ميلادي*
*الواقع فيه 4 ذو القعدة 1445 هجري*

شاهد أيضاً

“ هواوي” وهجومها العكسي على العقوبات الأميركية

نعمت الحمد كانت شركة “هواوي” متفوقة على العالم في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، ما مهّد …