نتنياهو يحشر بايدن انتخابياً.. كي يكون “جمهورياً”!

 

     سميح صعب

لم يُعارض الرئيس الأميركي جو بايدن يوماً عملية إسرائيلية في رفح، ولم يقل يوماً إنه يعارض القضاء على “حماس”، وبقي حتى أيام خلت يقاوم الضغوط التي يتعرض لها من الجناح التقدمي في الحزب الديموقراطي كي يضع قيوداً على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، كرافعة لحملها على وقف الحرب في غزة.

ظلّ جو بايدن يؤمن أن “عناق الدببة” مع بنيامين نتنياهو، وفق تعبير الصحافة الغربية، سيكون كفيلاً بجعل رئيس الوزراء الإسرائيلي يتجاوب مع المطالب الأميركية في ما يتعلق بطريقة إدارة حرب غزة، وعدم تجاوز الخطوط الحمر الأميركية.

ومنذ أشهر، لا يكف بايدن عن تكرار لازمة أن الهجوم الإسرائيلي على رفح يستوجب وضع خطة مسبقة لإجلاء أكثر من مليون نازح لجأوا إلى المدينة من مختلف مناطق القطاع التي شهدت توغلات إسرائيلية. بينما كل الخطط التي تقدم بها القادة العسكريون الإسرائيليون لإجلاء المدنيين لم تقنع المسؤولين الأميركيين.

صار عامل الوقت ضاغطاً على جو بايدن مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ولا سيما في ضوء تفجر الاحتجاجات الطلابية داخل الولايات المتحدة من الساحل إلى الساحل، وتشكيلها تهديداً لفرص فوزه بولاية ثانية؛ لذا، أوفد بايدن مدير الاستخبارات المركزية الأميركية (“سي آي إيه”) وليم بيرنز إلى الشرق الأوسط للعمل حثيثاً على التوصل إلى وقف الحرب في غزة.

بين خياري الولاية الثانية أو إدخال تعديل على سياسته حيال غزة، اختار بايدن الذهاب نحو ما يعتبره “سياسة متوازنة”، تقوم على اقناع نتنياهو بعدم شن “عملية كبرى” في رفح بما يؤجج الاحتجاجات في العالم ويُعمّق من المأزق الداخلي للرئيس الأميركي.

وأتت موافقة “حماس” على المقترحات المصرية والقطرية (والأميركية أساساً) لوقف النار، بمثابة صاعق أخرج الخلاف المستتر بين بايدن ونتنياهو إلى العلن. وتقدم الجيش الإسرائيلي بعد ساعات من إعلان “حماس” ليصل إلى الجانب الفلسطيني من معبر رفح.

هذا التطور دفع بايدن إلى التأكيد في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية للتلفزيون، أن ادارته علقت إرسال 3500 قنبلة زنة 2000 رطل و500 رطل إلى إسرائيل، كرسالة تؤكد معارضة أميركا اجتياحاً واسعاً لرفح قبل تأمين سلامة النازحين المدنيين إليها. والأخطر في كلام بايدن اعترافه بأن هذا النوع من القنابل الأميركية قتل مدنيين في عمليات القصف الإسرائيلي على القطاع في الأشهر السبعة الماضية. واعتراض بايدن لم يكن على الوصول إلى معبر رفح، إنما تحدث عن خوفه من التقدم نحو عمق المدينة المكتظة بالنازحين.

بايدن يريد الهدنة في غزة ليس “لأنه يحب حماس”، كما يقول بن غفير، وإنما لإنقاذ نفسه، عبر تبني مسار سياسي يشمل، كما بات معروفاً، اتفاقات أمنية مع السعودية وتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب والدفع نحو حل الدولتين. وهذا أمر لن يتسنى انجازه في حال استمرار الحرب، أما نتنياهو فأولويته الحفاظ على ائتلافه “أكثر من العمل على جعل بايدن سعيداً”، كما يقول آرون ديفيد ميلر

ما لم يقله بايدن لشبكة “سي إن إن”، قاله بعد يومين الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي في إيجازه الصحافي اليومي، وهو أن اجتياح رفح يصب في مصلحة زعيم “حماس” في غزة يحيى السنوار، لأن هذا الاجتياح سيؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، بما يفاقم مشهد النبذ الذي تواجهه إسرائيل في العالم. آخر

ما كان يريده بايدن هو اتخاذ قرار تعليق شحنة قنابل إلى إسرائيل والتهديد بوقف تزويدها بقذائف المدفعية في حال مضت في غزو رفح في توقيت بالغ الحساسية بالنسبة للحملة الإنتخابية الرئاسية. ولطالما قاوم بايدن الضغوط التي مارسها عليه الجناح التقدمي في الحزب، وآخرها إرسال 57 نائباً ديموقراطياً رسالة إليه كي يفعل شيئاً لوقف الحرب في غزة، حتى لا يخسر انتخابات الخريف المقبل.

ومن المؤكد أن بايدن كان يعلم أن خروج الخلاف مع إسرائيل إلى العلن، سيُعتبر بمثابة هدية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تُخفّف من حصار الدعاوى القضائية المطبق عليه، والذي سارع إلى القول إن “كل يهودي أميركي يصوت لبايدن يجب أن يشعر بالخجل من نفسه”. هذا عدا عن هجمات عنيفة شنّها الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ، الذين اعتبروا أن ما فعله بايدن هو “خيانة” إسرائيل، برغم أنه لم يمضِ أسبوعان على توقيع الرئيس الأميركي حزمة مساعدات عسكرية لإسرائيل بـ26 مليار دولار، وتزويدها بعشرات الآلاف من القنابل منذ بدء الحرب، فضلاً عن صد الهجوم الإيراني عنها ليلة 13-14 نيسان/أبريل الماضي.

والمسؤولون الأميركيون يتهمون نتنياهو بتسريب مسألة تعليق شحنة القنابل، ليزيد الضغط على الرئيس الأميركي من قبل جماعات الضغط اليهودية في الحزب الديموقراطي ولدى الجمهوريين.

بايدن يريد الهدنة في غزة ليس “لأنه يحب حماس”، كما يقول وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتشدد إيتامار بن غفير، وإنما لإنقاذ نفسه في المقام الأول، عبر تبني مسار سياسي في الشرق الأوسط يشمل، كما بات معروفاً، اتفاقات أمنية مع السعودية وتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب والدفع نحو حل الدولتين. وهذا أمر لن يتسنى انجازه في حال استمرار الحرب. وإذا كانت هذه هي حسابات بايدن، فإن حسابات نتنياهو وفق ما يقول المفاوض الأميركي السابق في الشرق الأوسط آرون ديفيد ميلر “تتركز على الحفاظ على ائتلافه أكثر من العمل على جعل بايدن سعيداً”.

ويشعر نتنياهو بأن شعبيته بدأت تتحسن بعد الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية، ولهذا يراهن على أن اجتياح رفح أو على الأقل التوصل إلى اتفاق تحت النيران يتضمن بوضوح صيغة غالب ومغلوب، بما يرضي بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين يُهدّدان بالخروج من الائتلاف في حال لم يستمكل الحرب. وبرغم أن زعيم المعارضة يائير لابيد عرض على نتنياهو شبكة أمان لعدم سقوط حكومته في حال أبرم اتفاق لتبادل الأسرى، فإن الأخير لم يوافق.

وبحسب استطلاع نشره معهد الديموقراطية الإسرائيلي، فإن 55 في المئة من اليهود المتشددين يعطون الأولوية لاحتلال رفح على صفقة لتبادل الأسرى. والمتشددون هم القاعدة التي يسعى نتنياهو لاسترضائها برغم أن 62 في المئة من مجمل الإسرائيليين يفضلون صفقة التبادل على اقتحام رفح.

وعلى الرغم من التسليم بأن إسرائيل قادرة على اجتياح رفح من دون شحنة القنابل المذكورة نظراً إلى أن لدى الدولة العبرية مخزوناً كافياً من الأسلحة التي تضمن لها التفوق التكتيكي في غزة، فإن إسرائيليين كثيرين يتساءلون عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بالعلاقات الأميركية – الإسرائيلية على المدى البعيد، وعما يمكن أن يؤول إليه الوضع في حال انفجرت الحرب على جبهات أخرى، وتحديداً جبهة الشمال مع “حزب الله”.

وفي معرض المواجهة بين بايدن ونتنياهو، تبرز أسئلة حول المدى الذي يُمكن أن يذهب إليه الرئيس الأميركي في وضع تهديده بتعليق شحنات أسلحة هجومية أخرى موضع التنفيذ، إذا ما مضى الجيش الإسرائيلي في التوغل داخل رفح؟

المعلق في صحيفة “النيويورك تايمز” الأميركية بيتر بايكر، يسأل هل يمكن أن يقف نتنياهو في لحظة ما ليقول لجمهوره أن تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، يجعله مضطراً للتراجع خطوة إلى الوراء والعودة إلى طاولة المفاوضات؟

في الوقت الحاضر، يمكن اعتبار مفاوضات التهدئة في حالة “موت سريري”، برغم أن البيت الأبيض يرفض الإقرار بفشل الديبلوماسية ولا يزال يتمسك ببصيص أمل في لي ذراع نتنياهو، كما فعل رونالد ريغان الجمهوري مع مناحيم بيغن عامي 1981 و1982 وجورج بوش الجمهوري مع اسحق شامير عام 1991، وقبلها هدّد جيرالد فورد الجمهوري عام 1975 باعادة النظر بكامل العلاقات مع إسرائيل بعدما لمس تلكؤاً إسرائيلياً في التجاوب مع مفاوضات السلام التي كانت ترعاها واشنطن مع مصر، ودوايت أيزنهاور هدّد إسرائيل بعقوبات اقتصادية إذا لم تنسحب من سيناء بعد حرب 1956.

هذه الأمثلة كفيلة بأن تُخرج بايدن الديموقراطي من عقدة “خيانة” إسرائيل، التي يرفعها في وجهه الجمهوريون بغرض الاستغلال السياسي قبل استحقاق تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

شاهد أيضاً

المسلحون السوريون إلى النيجر..

أحمد رفعت يوسف  تحدثنا في تقارير سابقة بأن المسلحين السوريين المتورطين بعمليات ارهابية والذين سيتعذر …