الأول من أيار غير الجغرافيا الإنسانية

الدكتور وسام حمادة

الأول من أيار تاريخٌ شكَّلَ خارطةً إنسانيةً رُسِمَت بعرقِ وتعبِ ودمِ عُمّالٍ حُطِّمَت أحلامُهُم وطُحِنَت عِظامُهُم على صخرةِ الجَشَعِ الرأسمالي وأسيادِهِ مِمَّن احترفوا سَلخَ جُلودِ مَن إستعبدَهُم على مَرِّ السنينِ من الفلاحين والمزارعين المقهورين، الذين بَذَروا الأرضَ وَجَعَهُم ورَووها صُراخاً وأنيناً،

الأول من أيار تاريخٌ لِحركةٍ مَطلبيةٍ فَرَضَت صَمتَ الراحةِ على الآلةِ وصانِعيها لِثماني ساعاتٍ وحَقَّقَت للعُمالِ الكثيرَ من المُكتَسَباتِ والحقوقِ المُحِقةِ وشَكَّلَت للكادِحين مَنابرَ وإتحاداتٍ ونقاباتٍ مَطلَبيةٍ ساهمَت بفرضِ قوانينَ تحميهم وتحمي عائلاتِهِم مِن عَوَزٍ وإستغلال، وعلى الرَغمِ من إرتباطِ عيدِ العُمالِ عموماً بالحركاتِ اليساريةِ والعُمّاليةِ بل والشيوعيةِ منها إلا أنَّ هذا العيدَ تَعَدّى هذه الحركاتِ وعَبَرَ الجغرافيا الإنسانيةِ لِيُصّبِحَ رمزاً لِنِضالِ الطبقةِ العاملةِ من أجلِ حقوقِها المسلوبة، واليوم وبعد مرورِ 138 عاماً على إنتفاضةِ عُمّال شيكاغو في الأولِ من أيار من العام 1886 ومن ثم في تورونتو حيث شاركَ أكثر من 400 ألف عامل في تلك الإنتفاضةِ ليسقطَ على أثرِها عددٌ من العُمّالِ بين قتيلٍ وجريحٍ رَسَموا الأولَ من أيار عيداً لِشهادتِهِم، وعلى أَثَرِ سُقوطِ المنظومةِ الشيوعيةِ في الإتحادِ السوفياتي أواخرَ القرنِ العشرين وسقوط نظام القطبية وتفرد الولايات المتحدة بالساحة الدولية وتراجع الحركات المطلبية نَجِد أن سُلطةَ المالِ المتمثلة بالولايات المتحدة وشركائها أخذَت تَعبَثُ ومن جديدٍ بحقوقِ الطبقةِ الكادحةِ عَبرَ تخفيضِ وإلغاءِ جزءٍ أساسي من التقديماتِ الإجتماعيةِ، وفي لبنان ذاك البلدُ الرائدُ في الحركةِ العُمّاليةِ والنَقابيةِ لم يسلم من تداعيات هذا الخلل العالمي، وهو اليوم يعيشُ أسوأ حياتِهِ المَطلبيةِ فالقِوى النقابيةُ ضُرِبَت على يد سلطة فاسدة والحركاتُ المَطلبيةُ طُيِّفَت والأحزاب التقليدية والتي رفعت شعار العامل وحقوقه دخلت في موت سريري والعاملُ دخلَ في آتونِ حيتانِ المالِ ورجالِ الأعمال الذين اكتنزوا عرق وتعب العمال في خزائن سُيجت بقوت المساكين كل ما امتلأت صاحت هل من مزيد…

شاهد أيضاً

“ هواوي” وهجومها العكسي على العقوبات الأميركية

نعمت الحمد كانت شركة “هواوي” متفوقة على العالم في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، ما مهّد …