ماذا يعني إجلاء الدبلوماسيين والرعايا الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين من السودان فجأة؟ وما هي المعلومات التي دفعت الى هذه الخطوة؟ وكيف نرى سيناريوهات المستقبلين القريب والبعيد لحرب الجنرالات؟

عبدالباري عطوان:  

عندما تبدأ الدول الكبرى في إجلاء رعاياها ودبلوماسييها من أي بلد يواجه أعمال عنف وحروب داخلية، فهذا يعني ان المواجهات الدامية بين الفصائل المتقاتلة ستطول، وتزداد شراسة، وغياب أي حلول قريبة، او وقف اطلاق نار دائم في الأفق.

بريطانيا وامريكا وفرنسا والصين ودول أخرى باتت حريصة جدا على التوصل الى هدنة، ولو لمدة ثلاثة أيام في السودان، ليس حرصا على حقن دماء الشعب السوداني ضحية صراع الجنرالات الأكبر في البلاد، وانما لإعادة فتح مطار الخرطوم من أجل تأمين خروج أعضاء بعثاتها الدبلوماسية، واكبر عدد ممكن من رعاياها، نتيجة التوصل الى قناعة مستندة الى معلومات، بأن هذه الحرب ستطول.

الدول الغربية، والولايات المتحدة الامريكية على وجه الخصوص، هي التي أوصلت السودان الى هذه النهاية المأساوية، ومن خلال مؤامرة بدأت قبل عدة عقود بدعم حرب الانفصال في الجنوب، وبعد ان تحقق هذا الهدف، جرى الإنتقال الى المرحلة الثانية، والأكثر خطورة، وهي تفكيك البلاد الى دويلات متناحرة على أسس عرقية ومناطقية، وهو سيناريو بدأ في العراق، وانتقل الى ليبيا، وسورية، يبدأ دائما بتأسيس الميليشيات وبحل الجيش الوطني او استنزافه، واضعافه، وبذر بذور الفتنة الداخلية، مذهبية كانت او عرقية، للوصول الى الفوضى والتقسيم.

بدأوا تفكيك السودان بتجويع شعبه ووضعه على قائمة الإرهاب، وبإختراق الجيش السوداني وعرقلة انتقال السلطة الى المدنيين، من خلال انقلابات متعددة، وكانت عبر مؤامرة التطبيع، وبذر بذور الانشقاق في الجيش، ودخول “إسرائيل” وأجهزتها الأمنية على هذا الخط، هو الحلقة الأخيرة والأكثر دمارا في هذا المخطط.

رفّع السودان من على قائمة الإرهاب كان مصيدة، واكذوبة، وحيلة لدخوله نادي التبعية لامريكا، ولدولة الاحتلال الإسرائيلي، وإبعاده بشكل متسارع عن محيطيه العربي والإسلامي، وقطع علاقاته مع حلفائه التقليديين، أي الصين وروسيا وايران وهكذا كان، وتحضيره للأسوأ، أي الفوضى التي ستقود الى التقسيم.

الشعب السوداني الطيب المضياف المؤمن، وهويته العربية والإسلامية هما الضحية الكبرى لهذه الحرب الاهلية العسكرية التي من المرجح ان تطول، لعدم قدرة أي من المعسكرين المتقاتلين حسمها لصالحه بشكل نهائي وبسرعة، والمرحلة المقبلة ستشهد حالات إستقطاب وتدخلات خارجية بالمال والسلاح ليس لاستنزاف السودان، وانما للمنطقة بأسرها أيضا، ولنا فيما حدث ويحدث في الصومال وليبيا وسورية والعراق احد الأمثلة في هذا المضمار.

انها “الفوضى الخلاقة” التي بشرت بها كونداليزا رايس وعملت على تنفيذها حرفيا هيلاري كلينتون، وبدأت بالحرب على العراق ومن ثم الانتقال الى خديعة “الربيع العربي” وأخيرا الى الحرب الاهلية العسكرية في السودان.

الجنرالان عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دوقلو (حميدتي) مجرد أدوات استخدمتها أمريكا لتدمير السودان، مثلما استخدمت بعض جماعات الإسلام السياسي لتحقيق الهدف نفسه، أي تفتيت واستنزاف الامة العربية لتكريس الهيمنة الإسرائيلية، نقولها وفي القلب حسرة، وفي الحلق مرارة، ولعلها تكون مفجرا لصحوة شعبية سودانية تكون لها الكلمة الأخيرة في نهاية المطاف.. والله اعلم.

شاهد أيضاً

انكشاف أمني خطير لاتصالات اللبنانيين… “التقدمي”: إخبار برسم القضاء حول جريمة “قدموس”

انكشاف أمني خطير لاتصالات اللبنانيين… “التقدمي”: إخبار برسم القضاء حول جريمة “قدموس” *صدر عن مفوضية …