طقوس رمضانية (الحارة المصرية زمان في رمضان)…

بقلم هبه عبد الفتاح

لا شك أن شهر رمضان يتمتع بأجواء وروح تختلف عن باقي شهور العام ، ولكن أجواء رمضان في مصر وفي الحارة المصرية والاحياء المصرية القديمة على وجه الخصوص ( حاجة تانية ) ، و سنحكي هنا عن رمضان في مصر ، وكيف يستقبل المصريون شهر رمضان بطريقتهم الخاصة، وما يصاحبه من احتفالات، وما يرتبط به من عادات وتقاليد تمسك بها المصريون عبر عقود من الزمن.

نتحدث عن رمضان في مصر ،لان رمضان في مصر “حاجة تانية” ، فحتى قبل أن يستطلع المسلمون هلال شهر رمضان في مصر ، وتبدأ الاحتفالات والتجهيزات والاستعدادات، فتجد الشوارع رُسمت بريشة فنان وتحولت تحولاً كبيراً، وتجد البنايات بمختلف أحجامها وقد تحلت بزينة رمضان المُبهجة وتلألأت بالفوانيس والإضاءات المرتبطة بهذا الشهر المبارك، وتسمع وأنت تسير في شوارع المحروسة الأغاني الرمضانية الشعبية عبر الأثير ، والتي تهبك نفحة من البهجة وتجدد الأمل حتى قبل أن يبدأ شهر رمضان بأيام ، وتجد الشوارع وقد اكتظت بالناس الذين خرجوا لشراء لوازم شهر رمضان من مواد غذائية وغيره ، والكل في هذه الأيام يتبادل التهنئة والمعايدات التي لا تخلو من “خفة الدم” المصريه ، وتجد الشباب وقد تجمعوا ووضعوا خطة “لدوري كرة القدم الرمضاني” الخاص بكل شارع ، وتجد السيدات وقد أعددن جدول بالعزائم والولائم والوجبات التي سيعدونها في رمضان، أما الأطفال فقد وجدوا في اللعب بالفوانيس وترديد الأغاني الرمضانية غايتهم من اللهو والمرح، أما الجد والجدة فقد تجددت الحياة في أعينهم وسارت الضحكات لا تفارق وجوههم بتجدد العهد الرمضاني، فهم يعرفون أن رمضان هو ما سيجمعهم أكثر وأكثر مع الجميع، وسيجدون في رمضان الفرصة لاستعادة الذكريات الطيبة ، وسيخبرون أحفادهم أخيراً كيف كان يبدو رمضان فيما مضى من الأعوام.

وتدنوا الأيام بتثاقل وبطء قبل بداية شهر رمضان لتختبر صبر المصريين وشوقهم لشهر الرحمة والمغفرة، والكل متأهب لرؤية هلال رمضان، والكل يدعوا أن يُعجل الضيف الكريم ولا يؤجل ، وما أن تثبت رؤية هلال شهر رمضان المبارك في مصر إلا وتتواصل مظاهر الاحتفالات على مدار 30 يوم متوالية غير منقطعة.

فبعد ثبوت هلال رمضان في مصر تبدأ مظاهر الاحتفال بشهر رمضان ، حيث يتبادل الأهل والأصدقاء التهنئة بالطرق والوسائل المختلفة، وتبدأ صلاة التراويح مع أولى ليالي شهر رمضان المبارك حيث يتجمع الأصدقاء والجيران لأداء الصلاة في جماعة بعد أن يرتدوا الزي الرمضاني التقليدي المزخرف والمنقوش بالرسومات الإسلامية .

وبعد صلاة التراويح يتبادلون التهنئة بشهر رمضان، ويستريح الشباب قليلاً ليبدأوا أولى مباريات دوري كرة القدم الرمضاني الخاص بكل شارع، ويستمروا في لعب كرة القدم حتى قبل الفجر بساعة تقريباً ، ليعود كل منهم إلى بيته لتناول السحور مع أسرته ، كل ذلك في جو مفعم بالبهجة التي نشرتها زينة رمضان ،و التي كست كل شارع وبيت مهما كانت إمكانياته المادية، وصوت المنشدين انطلق من مكبرات الأصوات في المساجد يُنْبأ عن ضيف حل ليُربت على القلوب المنهكة فينسيها ما حل بها طوال العام .

ثم قبل الفجر بحوالي ساعتين أو ثلاث ساعات يبدأ المسحراتي جولته في الشوارع موقظاً من نام ومنبهاً المستيقظ أنه قد اقترب وقت السحور ، ويتجول وبرفقته بعض الأطفال بفوانيسهم مرددين أغاني رمضان وأناشيده في فرح وسرور ، ويجتمع أفراد الأسرة ليتناولوا السحور وسط قرآن ما قبل الفجر وتواشيحه التي تعتبر سمة أساسية في هذا الشهر الكريم في مصر ، وبعد صلاة الفجر في جماعة تهدأ الأجواء ليسكن أغلب الناس بضع ساعات قبل أن يُعاودوا نشاطهم في اليوم التالي.

ومع حلول وقت الظهر تبدأ ربات البيوت في تجهيز وإعداد الأكلات الرمضانية والولائم والعزائم، وقد يجتمع بعضهن في بيت العائلة ليتشاركن في إعداد وليمة للعائلة بأكملها، فالتجمعات العائلية واللمة والإفطار الجماعي أهم ما يُميّز شهر رمضان لا سيما في مصر.

وتجد الأطفال يلهون ويلعبون طوال اليوم بالفوانيس، وقد يشاركون في إعداد الطعام، أو حتى قد ترسلهم أمهاتهم لتقديم أطباق من الحلوى للجيران، ويظل تبادل الحلوى مستمراً طوال شهر الخير.

ومن أهم مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في مصر هي موائد الرحمن، وهى موائد طعام تُنْصب في الشوارع لإطعام الصائمين ، ويتسابق المصريون في هذا الشهر الكريم إلى إطعام الصائمين، فمنهم من يقوم بتجهيز وجبات أُعدت في المنزل أو تجهيز المشروبات والتمر ، ويقومون بتوزيعها وقت آذان المغرب على الناس في الشوارع والطرقات.

وما أن يُأذن للمغرب حتى يتسابق الجميع في تقديم المشروبات لبعضهم البعض، ثم يؤدون صلاة المغرب في جماعة، ثم يتناولون طعام الإفطار سوياً ربما لأول مرة منذ رمضان في العام الذي يسبقه.

وفي بعض الأحياء في مصر – خصوصاً المناطق الشعبية التي يترابط أهلها – تجدهم يُخصصون يوماً لإفطار جماعي لكل العائلات في نفس الشارع، فكل عائلة تعد ما تستطيع من طعام، وقبل آذان المغرب تُرص الموائد وتعلوها أصناف وأنواع من الأطعمة التي أعدوها، وبعد الآذان يتناول جميع سكان الشارع طعام الإفطار مع بعضهم في منظر مهيب يكاد لا يتكرر في أي مكان في العالم إلا في مصر.

ومن المظاهر الطيبة في الاحتفال بشهررمضان في مصر هى “شنط رمضان” ، حيث يقوم المصريون قبل شهر رمضان بتحضير وتجهيز شنط رمضان، فيقومون بشراء المواد الغذائية الأساسية وياميش رمضان بأعداد كبيرة ، وتقسيمه على شنط أو حتى كراتين يطلق عليها “كراتين رمضان” ، ثم يقومون بتوزيعها على الأسر الفقيرة ، حتى يخففوا عن تلك الأسر عبء مصاريف شهر رمضان ، و تستطيع تلك الأسر صيام شهر رمضان .

وفي العشر الأواخر من رمضان تجد مجموعات من الجيران من نفس الحى يجمعون ما يستطيعون من المال، كل على قدر استطاعته، ليشتروا قبل حلول عيد الفطر ملابس ليوزعوها على الأطفال الأيتام أو الفقراء ممن لا يستطيع أهلهم شراء ملابس العيد لهم ، كل ذلك وأكثر من أوجه الخير كمظهر من مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في مصر.

 

فمظاهر الاحتفال بشهر رمضان متعددة ومبهجة في ذات الوقت، وقضاء رمضان في مصر أمر حقاً يستحق التجربة ، فكانت  البداية مع وليام لاين الذى زار مصر أكثر من مرة خلال فترة حكم محمد على باشا فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، وسجل ما شاهده فى كتابه الشهير (عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم)، وخصص جزءا من الحديث عن احتفالات المصريين للحديث عن احتفالات شهر رمضان المعظم، وهنا نرى أن الكثير من مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم لم تتغير على مدار قرنين من الزمان، فمع بداية شهر رمضان تتلألأ الجوامع أنوارًا كما فى الليالى المتعاقبة ، وتعلق المصابيح عند مداخلها وفوق المآذن .

ويرصد وليام لاين بعض مظاهر رمضان فى منتصف القرن التاسع عشر، وتظن أنه يحكى عن بعض مظاهر الصيام فى قاهرة القرن الحادى والعشرين، إذ يقول: «وتكتسى الشوارع نهارا منظرا كئيبا ، وتغلق معظم المحلات أبوابها، ويعود الازدحام إليها كالعادة فى فترة بعد الظهر ، وتفتح المحلات أبوابها، ويكون المسلمون طوال صيامهم نهارا نكدى المزاج، ويتحولون ليلا بعد الإفطار إلى ودودين محبين بشكل غير عادى ، ومن الشائع فى رمضان رؤية التجار فى متاجرهم يتلون آيات من القرآن أو يؤدون الصلوات أو يوزعون الخبز على الفقراء ، ويتوافد فى هذه الأوقات أبناء الطبقات الدنيا إلى المقاهي، ويفضل بعضهم كسر صيامه بفنجان قهوة .

وتقدم البيوت بعض المشروبات والمكسرات كما هو الحال اليوم ، فيرصد المستشرق الإنجليزى تقديم البيوت المصرية «الزبيب ، والتمر المجفف ، والتين المجفف، والكحك ، والبندق المحمص ، والجوز، وبعض قلل الشربات من السكر والماء»، ثم يتحدث عن الطقوس اليومية للصائمين ، فيؤكد على ازدحام المساجد بالمصلين لأداء صلاة التراويح.

ويتابع: «يتناول المسلمون فطورهم عامة فى منازلهم ، ويمضون بعده ساعة أو ساعتين أحيانا فى منزل أحد الأصدقاء، ويرتاد بعضهم – خاصة أبناء الطبقات الدنيا – المقاهى فى المساء، فيعقدون اللقاءات الاجتماعية ، أو يستمعون إلى رواة القصص الشعبية (ما يشبه المسلسلات فى زمننا هذا) ، ويتدفق الناس إلى الشوارع طوال جزء طويل من الليل، كما تبقى محلات بيع الشربات والمأكولات مفتوحة ، وهكذا ينقلب الليل نهارًا بفضل الأغنياء خاصة الذين ينامون فى النهار».

وإذا تركنا القرن التاسع عشر خلفنا، فسنجد الكاتب أحمد أمين، الذى يعد من كبار المفكرين المصريين فى القرن العشرين، وهو صاحب (فجر الإسلام)، وقد كتب واحدا من أمتع كتبه بعنوان (قاموس العادات والتقاليد والتعابير العامية) 1953، الذى يرصد فيه تفاصيل الحياة المصرية فى النصف الأول من القرن العشرين، وهنا يقدم لمحات توثيقية بحس أدبى رفيع عن تفاصيل احتفالات المصريين بشهر رمضان، ومن المدهش أن معظم الاحتفالات تكاد تكون واحدة مع ما نمارسه الآن من الاحتفال بالشهر الكريم، إذ يقول: «وإذا عشت رمضان فى مصر، رأيت الحياة البيتية تتأقلم برمضان، فاحتفال بالإفطار وإحسان إلى الفقراء، وسهر للسحور والمسحراتية، ومدافع الإفطار والسحور، والإمساك، وكثرة الابتهالات، وإخراج زكاة الفطر قرب العيد».

وتكاد مائدة المصريين تكون واحدة فى شهر رمضان على مدار القرن العشرين، فيرصد أحمد أمين أنه «فى رمضان يروج الإفطار على الفول المدمس، وتكون الحلوى كنافة وقطايف وقمر الدين مطبوخا أو منقوعا»، أما قمر الدين فـ «هو كثير الاستعمال فى رمضان، وخصوصا إذا جاء رمضان فى الصيف، وبعد نقعه أو طبخه يضاف إليه العسل الأسود أو السكر، وهو من لوازم رمضان كالكنافة، وكثير من الناس يفطرون عليه فى رمضان، ولعل تسميته بقمر الدين جاءت من أنه يهل على الناس فى رمضان وهو شهر الدين»، وهو يشدد على أن «الكنافة والفول المدمس من لوازم رمضان والعزائم»، كما يؤكد أن الإقبال على الفول فى رمضان أكثر من بقية شهور العام، وهو نفس الوضع القائم حتى الآن.

ويذكر أمين بعض عادات المصريين فى رمضان قائلا: «وقد اعتاد الأغنياء والمتوسطون أن يحضروا فى رمضان فقهاء يقرأون القرآن إلى السحور كل ليلة»، ومن عادات «بعض الناس أن يصففوا أمام بيوتهم قللا نظيفة ملأى فى رمضان ليشرب منها المارون وقت الإفطار»، وهى نفس فكرة تواجد بعض الشباب فى الطرق يوزعون المشروبات على أصحاب السيارات المارة وقت الإفطار.

ويضيف في موضع آخر: «المدفع يستعمل عادة عند المصريين فى مواقف خاصة، فيطلق عند الإفطار فى رمضان وعند السحور وعند الإمساك»، أما سلف الفوازير الاستعراضية فهو الأراجوز أو القراجوز ، وهو «شخصية محبوبة جدا فى الشارع المصرى، وأكثر ما تقام فى ليالى رمضان وفى الأعياد».

ونكتشف من كتاب أحمد أمين أن أغنية (وحوى وحوى) كانت معروفة فى الأحياء الشعبية قبل زمن الراديو والتلفزيون ، بل الواقع يقول إنها خرجت من الواقع إلى شاشات التلفزيون لتعيش فى الذاكرة المصرية، إذ يقول: «هى أغنية فى رمضان بين الصبيان، يجتمع الأطفال بعد الفطور وبأيديهم فوانيس صغيرة بالشمع، زجاجها ملون بألوان مختلفة، من أحمر وأخضر وأزرق وأصفر.

وينشد منشدهم: وحوى وحوى! فيجيب الآخرون إيّاحة! ثم يستمر المنشد: بنت السلطان، لابسة قفطان، بالأحمر، بالأخضر، بالأصفر»، وينشد الأطفال وراءه كلمة إياحة، ولا أدرى معناها هل هى كلمة مصرية قديمة؟ أو هل هى مشتقة من حوى يحوى، أى عمل كما يعمل الحواة، بدليل قولهم: لولا فلان ما جينا، ولا تعبنا رجلينا، ولا حوينا ولا جينا».

نذهب إلى شهادة أخرى بعد نحو 30 عاما من شهادة أحمد أمين، وهذه المرة نجدها عند الدكتورة نعمات أحمد فؤاد، التى قدمت فى كتابها (القاهرة فى حياتي) 1986، جزءا من سيرتها الذاتية، ومن ضمنها علاقتها بشهر رمضان، إذ خصصت له فصلا كاملا.

وتقول: «ورمضان يتميز فى كل شيء عن الشهور الأخرى، فى الطعام وتوقيته ونوعيته، فى السحور، فى الأذان، فى النوافل. ففى الطعام يفضل كثيرون أن يتناولوا شرابا ساخنا أو شرابا محلى بالسكر، وغالبا ما يكون قمر الدين، وفاكهة طازجة أو مجففة ،ثم يؤدون صلاة المغرب، وبعدها يتناولون فطور رمضان التقليدى الذى تتفنن فيه ربة الدار وتحتشد له من أول يوم».

وتمضي في وصفها: «ومهما تنوعت وتعددت أصناف الطعام فإن الفول المدمس مرموق فى موائد رمضان فى الفطور، وهو طبق أساسى فى السحور، ومن تقليدات رمضان الكنافة والقطايف ، وفى رمضان يفضل كثيرون تناول فطورهم فى بيوتهم لحاجة الإنسان إلى الراحة بعد صيام طويل، خاصة إذا جاء رمضان فى فصل الصيف».

الكثيرون اليوم، يتحدثون بلوعة عن ذلك الزمن الجميل وطقوس رمضان الحميمة فيه، وكيف أن الناس كانت تنتابها أحاسيس مختلفة بقدوم هذا الشهر الكريم، حيث أنه كان بالفعل موسماً لطقوس رمضانية أهم من موضوع الابتعاد عن الطعام والشراب، وإنما لإعادة ترتيب العلاقات الاجتماعية والإنسانية سواء بين أفراد الأسرة الواحد أو بين عناصر المجتمع ، لا نقول أن الصيام في ذلك الزمن لم يكن صعباً، ولكن الأصعب أن لا تصوم .

لم يكن التلفزيون في ذلك الوقت قد فرض نفسه كأحد عناصر رمضان الأساسية، وهو وإن كان موجوداً، ولكن على نطاق ضيق، فلم يكن الرجال ينشغلون بمشاهدته، وإنما كان شيئاً ترفيهياً لا يؤخر الناس عن أداء واجباتها الاجتماعية والدينية.

لقد ظل مشهد رمضان محافظاً على بعض رونقه، حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، لكن بعد ذلك التاريخ تغير الحال، وغزت الفضائيات البيوت ومثلها الاتصالات، وأصبحت الناس تتهرب من لقاء بعضها البعض، ولزم الرجال والنساء البيوت، يخرجون منها بتثاقل إلى أداء بعض الواجبات الاجتماعية ، وزاد الأمر سوءاً، مع انتشار أجهزة الموبايل والكمبيوتر والانترنت، حتى أصبح أفراد الأسرة الواحدة لا يتآلفون مع بعضهم البعض، وأصبحت تسمع عن أحدهم أنه لم ير أبويه وأخوته، منذ أشهر طويلة، رغم أنهم يعيشون على مقربة منه. وأصبح مألوفاً أن ترى رجلاً يحث الخطى مسرعاً إلى البيت من أجل أن يشاهد المسلسل الذي يتابعه ، أو أن الناس صارت تبرمج حياتها وفقاً لمواعيد عرض الأعمال التلفزيونية.

حيث لم يعد رمضان في العصر الحالي طقساً دينياً أو اجتماعياً، وإنما طقساً تلفزيونياً بامتياز، ترى أحدهم يأكل وقت الإفطار وعينه على التلفزيون أو على جهاز الموبايل يحمله في يد ويأكل باليد الأخرى ، وإذا ما تحدث معه أحد أفراد الأسرة يطلب منه شيئاً، لا يرد عليه ، أو بالأحرى لا يسمعه ولا ينتبه إليه.

من عاش زمان الماضي ، هو من يكتوي بنيران هذا الزمن الحالي ، فما أصعب أن تعيش بين زمنين، أحدهما لا يشبه الآخر نهائيا .

ولكن مهما حدث ، ومهما اختلفت الأزمان وتطورت أحداثها ، فإن التفاصيل دائما هي التى تربط ذكرياتنا بشهر رمضان، والطقوس الاجتماعية تجعل لشهر الصوم طعما ولونا مصريا مميزا، حتى أنك تسمع دائما أن رمضان فى مصر شيء آخر عن مختلف البلاد العربية والإسلامية، ولا تأخذك الدهشة عندما تعرف أن عادات رمضان متجذرة فى الوجدان المصرى، كما رصدها الكثير من الشهادات الأدبية فى كتب متخصصة فى رصد العادات والتقاليد المصرية في شهر رمضان الكريم ، فعلى مدار قرنين من الزمان لم تتغير العادات المصرية فى رمضان، بل إنها مستمرة وتزيد رسوخا مع الوقت .

فنجد دائما الزينه الملونة و الاجواء الرمضانية الرائعة و الفوانيس المعلقة تستقبل الزوار ، و روحانيات رمضان المميزة تزين الحارات الضيقة ، مثل خان الخليلي ، فالبعض يجلسون على المقاهي ، وآخرون يقومون بالتقاط الصور التذكارية مع اصدقائهم ،
وفوانيس رمضان التي تربينا عليها زمان فيها صنعه وبهجة مختلفة تماما، فما يحدث في تلك المنطقة لن تجده في اى دولة فى من دول العالم ، لذلك لن نشعر أبدا ببهجة رمضان الا في الحسين و خان الخليلي و شارع المعز .

حيث تعد منطقة خان الخليلى وسكة القبوه و الحسين و شارع المعز بمحافظة القاهرة من أشهر الأماكن التى يتردد عليها الوافدين طوال شهر رمضان الكريم .

( خان الخليلي )

حارة خان الخليلي يتخللها محلات لبيع الملابس الفلكورية التي تلقى إقبالا كبيرا من الزوار في الأيام الأخيرة لشهر رمضان، علاوة على محلات لبيع الفوانيس بأحجام و أشكال مختلفة و غيرها من مختلف أشكال الزينة المبهجة بهذا الشهر الفضيل ، وموائد الإفطار تملأ الحارات الضيقة في وقت الإفطار ، حيث أن اى عابر سواء كان سائحًا أو غريبًا يجلس ليشارك المواطنين الأكل، في أجواء رمضانية مبهجة، وكذلك الزينة التي اعتاد المصريون تعليقها مع الأيام الأولى لشهر رمضان تغزو الحارات الضيقة ، والأجواء الروحانية التي يبعثها مسجد “الحسين” لم تغب ، فهى تخطف قلوب زوارها.

فمنذ أكثر من ستة قرون، أقيم بجوار جامع الحسين خان الخليلي ، ليصبح فيما بعد أشهر سوق شرقي لصناعة التحف والنحاسيات، والفضيات، والجواهر، والإكسسوارات المختلفة ذات الأشكال الإسلامية والفرعونية، وأعمال الفسيفساء، والعطور الشرقية، والكتب التراثية، وورق البردي، والخواتم، والملابس، وأزياء الرقص.

و ستظل رواية خان الخليلي لـ “نجيب محفوظ”، من أهم الأعمال التي نقلت أجواء رمضان في مصر خلال حقبة الأربعينيات من القرن الماضي، حيث أستفاض الكاتب في تصوير الحارة الشعبية المصرية وطقوسها الرمضانية.

( حي الحسين )

تتوافد الأسر الى حي الحسين طوال أيام شهر رمضان لقضاء إحدى ليالي الشهر الكريم وسط المعالم الأثرية الإسلامية القديمة والفاطمية ، ومنها مسجد الحسين ومنطقة خان الخليلي ، والجامع الأزهر ، وشارع المعز ، ومقهى الفيشاوي الشهير.

حيث يحرص الوافدون الى شارع المعز على تناول وجبة الإفطار على المطاعم القديمة ، وفى نهاية يومهم يتسارعون إلى عربات الفول لتناول وجبة السحور.

وتظهر الثقافة الشعبية المصرية فى الليالى الرمضانية في رحاب مسجد الحسين ، وذلك للاستمتاع بالأمسيات والإنشاد الدينى ، الذي يعتبر أجمل ما يميز ليالي الشهر الكريم، ويستمر ذلك حتى الساعات الأولى من الصباح.

ففى حى الحسين تجد جميع أطياف الشعب المصرى من مختلف طبقاته، و تمتلئ المقاهى والشوارع بالأسر المصرية والعربية والأجنبية، ليبقى بذلك هذا الحى علامة تاريخية تحمل عبق النفحات الرمضانية الساحرة على مر العصور تاريخيا .

فإذا كانت مصر المحروسة تعرف في الشرق بأنها «أم الدنيا»، فإن قلبها ينبض في حي الحسين بالقاهرة، ذلك الحي القديم الذي يعج بالحركة والنشاط، وتنبعث من أرجائه رائحة التاريخ، وعبق التراث، ونكهة الحياة المصرية بعفويتها وبساطتها.

«حي الحسين» الذي اشتق شهرته من مسجد الإمام الحسين، ليس مجرد حي قديم مثل أحياء القاهرة التي تحيط به، كالجمالية، والباطنية، والدرب الأحمر، والغورية، والقلعة، وغيرها، بل هو مزيج مختلف من التاريخ ، و يمثل الذاكرة المصرية لحضارات وأحداث مرّت وتركت بصمتها هناك .

هذا الحي الذي ما زال يفوح بالنكهة المصرية في بساطتها، هو نفسه الذي يقدم روائع الفنّ الشعبي رسمًا وحياكة، ونقشًا على النحاس، وتلوينًا للزجاج، وأداء استعراضيًا يمتزج فيه الفلكلور بالتصوف الديني ، والطراز المعماري بالشكل الهندسي القديم في تخطيط المدن، ضمن زخارف بصرية رائقة ، ويختلط في هذا الحي الأغنياء بالفقراء، والحرفيون بالمتسكعين والمتسولين، وأبناء البلد بالسياح من مختلف أرجاء العالم.

وإذا كان هذا الحي ينبض بالحركة والعنفوان على مدار العام، فهو في ليالي شهر رمضان يعج بالنشاط على نحو مختلف، حيث تختلط أصوات المنشدين مع المطربين، وأنغام العود مع عزف منفرد على الناي، وتواشيح روحانية صوفية من تكية في الجوار مع موال يصدح في زاوية مقهى يرتاده السياح، كما تصدح أصوات المرتلين ، فلا شيء يشبه الليالي الرمضانية في حي الحسين.

وبالإضافة لحارة لخان الخليلي، يضم حي الحسين عددًا من الأسواق القديمة، كسوق التوابل، وسوق العطارين، والصابون، والنحاس، وغيرها.

فهذا الحي يحتضن كذلك أشهر شربتلي في مصر، وهو «الأمين» الذي تتوارث العناية به عائلة الأمين منذ أكثر من قرن من الزمان ، ويتخصص المحل في صناعة أشهر المشروبات المصرية كالدوم والخروب والتمر هندي والعرقسوس والسوبيا وغيرها.

ويعرف حي الحسين بالمقاهي الشعبية التي تترامي بين أطرافه مستقبلة الزوار والسياح والمتسوقين، لتمنحهم شعورًا بالمكان، وفرصة لتذوق الطعام والشراب المصري بنكهته الشعبية التقليدية ، كمقهى «ولي النعم»، و«السكرية»، ومقهى «خان الخليلي»، ومقهى «نجيب محفوظ»، لكّن أشهر تلك المقاهي هو مقهى «الفيشاوي» الذي أسسه علي فهمي الفيشاوي سنة 1797م، ويحمل منفردًا ذاكرة المكان والأرض وذاكرة البلاد بأسرها ، فهذا المقهى شهد ولادة أهم شخصية في رواية «الحرافيش»، للروائي المصري صاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ، وهي شخصية «عاشور الناجي» ، بلّ إن الفيشاوي مؤسس المقهى كان هو الآخر أحد فتوات الجمالية.

وكعشرات المقاهي في الأزقة والجوار، يقدم الفيشاوي المشروبات الساخنة والباردة، وأشهرها الشاي الأخضر، والينسون، والقرفة، والقهوة، والأرجيلة ، ويستقبل الفنانين والمشاهير والسياح، وبين لاعب بطاولة الزهر، أو عازف على العود، أو متسامرين يستمعون الشعر والغناء، يقضي زوار الفيشاوي ليلتهم حتى يقترب الفجر.

وقد زار جميع القادة العسكريين والسياسيين والأدباء قهوة الفيشاوي، من الخديوي إسماعيل، حتى نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية 1798، ومن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وسعد زغلول، حتى أم كلثوم ، وسيد درويش ، وسلامة حجازي ، وبيرم التونسي، وجمال عبد الناصر ، وأنور السادات.

ومثلها مثل حال كل زاوية وزقاق في حي الحسين، حافظ مقهى الفيشاوي على صورته القديمة ، حيث الكراسي الخشبية والأزقة الضيقة واللمسات الأصيلة التي تنتمي لماضٍ جميل وساحر.

ومن المعروف أن منطقة الحسين في رمضان يعمها أجواء رمضانية فاطمية عثمانية أيوبية رائعة ، حيث تعيش كأنك داخل كتاب تاريخ مصر، علاوة على أنوار وزينة وفوانيس رمضان التي تملأ الشوارع والبيوت والمساجد احتفالا بالشهر الكريم ، بالإضافة إلي أن المنطقة تعمها حلقات الذكر والتواشيح والإنشاد ، وأيضا فرق التنورة ، وكذلك يكثر بها العوادون والقانونجية.

فتعتبر منطقة الحسين في القاهرة من أجمل مناطق العاصمة ، لكن خلال شهر رمضان المعظم يتضاعف جمالها؛ وذلك لما تصطبغ به من روحانيات الشهر الكريم ، حيث تكون قبلة لكل المصريين والسائحين العرب والأجانب ، وذلك لقضاء أمسية رمضانية رائعة

يذكر أن منطقة الحسين بها بازارات رائعة في خان الخليلي وشارع المعز، كما أن أسواق التوابل اشتهرت بهذه المنطقة، فضلا عن روائح الماضي الجميل والأمسيات الرمضانية الفنية والثقافية في بيت السحيمي ، والهراوي ، وبيت الست وسيلة ، وقصر الأمير طاز ، ووكالة الغوري.

ومنطقة الحسين في رمضان لها طابع خاص فهي قلب القاهرة النابض يمتزج بها التاريخ والحضارة وأحداث مرت تركت بصمتها في هذا المكان، علما بأن أشهر القادة والعسكريين والسياسيين والأدباء والفنانين مروا على الحسين؛ حيث كان لهم به ذكريات جميلة بداية من نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية للخديوي إسماعيل، ومن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وسعد زغلول لأم كلثوم وسيد درويش وسلامة حجازي وبيرم التونسي وجمال عبد الناصر وأنور السادات.

يعد حي الحسين من أهم أحياء القاهرة الفاطمية تأثيرًا في نفوس المصريين، وخلال ليالي شهر رمضان المبارك يتحول الحي العريق إلى ساحة أدبية وثقافية ، حيث يتجمع الأدباء في جلسات حوارية ويتبارى الشعراء في إلقاء القصائد.

وتغير المشهد بمرور الزمن، وزادت الأنشطة الثقافية في حي الحسين خلال شهر رمضان، حيث بدأ التغيير بظهور المكتبات التي تنشط طوال العام والسرادقات التي تُعرض فيها العديد من الأعمال الفنية ، التي تُقدم الثقافة للجمهور الحاضرين، وفي عام 1973م وعقب حرب أكتوبر المجيدة، ازدحم  حي الحسين بالنشاطات الثقافية ، حيث أنشأت وزارة الثقافة سرادقًا كبيرًا يتسع لأكثر من خمسة آلاف متفرج، ومع ذلك ضاق السرادق برواده كل ليلة.

واشتركت إذاعة “صوت العرب” مع الثقافة الجماهيرية في تنظيم برنامج “المسرح كب” يوم في رمضان، وتولى هذه المهمة الإذاعي حمدي الكنيسي، وعبد الله قاسم من صوت العرب .

كما أقيمت مسارح صغيرة من الخشب  تُقدم عليها عدة فنون من تمثيل وغناء طوال شهر رمضان، كما أُقيمت سرادقات للأغاني الشعبية ، حيث غنت فيها المطربة خضرة محمد خضر وغيرها من المطربين الشعبيين ومجموعة من المداحين.

و ما إن ينهى المصلون صلاة العشاء والتراويح، حتى يتبدل حال ميدان الحسين وشوارعه ، فيشتد الزحام، ويزداد ضجيج الخطوات، والشهر الكريم في مستهله، و خلف المسجد مقهى، يُسمع منه مدح للرسول، وتُخطط فرقة الشيخ رمضان فرج عويض الابتهال حتى السحور، فيما يستعد المطرب الشعبي أحمد عدوية للقاء “السهرانيين” في فندق شهير بالحسين.

وفي حادثة طريفه من نوعها ،حيث كادت الليلة أن تنقضي مثل سابقتها في رمضان عام 1995، لولا أن انفتحت الساحة للضيوف القادمين ، حوالي 40 رجلاً ذوي ملامح أجنبية، يرتدون قبعات سوداء ضخمة ومعاطف حمراء، ويحملون بين أيديهم آلات موسيقية نحاسية، و ما لبثوا أن استقروا في ساحة ميدان الحسين ،  حتى بدأوا العزف، معلنين أن فرقة “الحرس الويلزي” حضرت من إنجترا إلى مصر لإحياء هذه الليلة في قلب الحي العتيق .

ويعتبر ذلك حدثًا لم يُشهد من قبل، سجله الصفحيين بجريدة الجمهورية، ونشر في عدد الأربعاء 8 فبراير 1995، الموافق الثامن من رمضان في ذلك العام.

الحرس الويلزي في الأساس فرقة عسكرية بالجيش البريطاني تشكلت أثناء الحرب العالمية الأولى عام 1917، توسعت خدمتها داخل إنجلترا وخارجها وبلغت مصر وفلسطين، وحين ظهور الموسيقى العسكرية، تكونت فرقة صغيرة تحمل الاسم ذاته ،
واعتادت الفرقة الموسيقية منذ بدأت نشاطها السياحي عام 1917، على القيام بجولات للعزف خارج إنجلترا، و لا يقتصر ما يقدموه على الموسيقى العسكرية، وهو الأساس الذي أقيمت عليه، بل يشاركون بألوان مختلفة.

في مصر كانت محطة الفرقة الإنجليزية قبل 28عامًا، حيث وقف أعضاء الفرقة يعزفون، ومن حولهم اقترب المارة، كبار وصغار. بدأوا العزف بالسلام الوطني المصري، ثم عرجوا على مقطوعات لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، و أخذ الجمهور الشاهد للعرض يدندن مع العزف، و يتمايل مع النغمات حتى الأجنبية منها.

لم تكن الفرقة وحدها، فقد صحبها السفير البريطاني أنذاك السير كريستوفر لونج وحرمه جاي ساتا، والملحق العسكري البريطاني ورجال من السفارة، ومدير العلاقات الثقافية بالمجلس الثقافي البريطاني، والتي قالت لـ”الجمهورية” حينها إن فرقة ويلز اختارت تقديم عرضها في حي الحسين لارتباطها الوثيق بالجو الرمضاني.

في تلك الليلة، ما كانت تعرف الأيدي طريقها للهاتف المحمول لتصوير الحدث والتقاط “سيلفي” مع الفرقة الإنجليزية التي حضرت خصيصًا للحسين، فكل من حضر انشغل بالاستمتاع حتى السحور ودندنة “يا ليلة العيد” وغيرها من أغاني المناسبات المصرية التي عزفتها فرقة الحرس الويلزي.

( حي الجمالية )

يُعتبر حي الجمالية من أعرق الأماكن التراثية بالقاهرة، لما يتمتع به من شهرة تاريخية وعالمية ، باعتباره مجمع تراث القاهرة عبر عصورها الإسلامية ، وخلال شهر رمضان ترتدي أماكنه المختلفة أبهى حُللها وتتزين ويصبح لها طابع خاص من خلال المظاهر الاحتفالية التي لا حصر لها، فتصبح بهذا العبق الخاص مزارًا للمصريين والأجانب طوال أيام الشهر الكريم ، لدرجة تُشعر الزائر بأن رمضان قد وُلد في هذا المكان، مما يجعل المصريين بصفة خاصة يُقبلون على زيارته والصلاة بأحد مساجده الشهيرة ، وزيارة الأضرحة وإقامة الشعائر الدينية والمديح من خلال الطرق الصوفية به، وتناول الإفطار والتجوال في شوارعه التراثية المختلفة، لِمَ لا وفيه يوجد شارع المعز لدين الله الفاطمي ، الذي يتيح للمار به مشاهدة القاهرة القديمة عبر عصورها المختلفة التي ترجع لزمن المعز لدين الله الفاطمي ، ويقطع هذا الشارع شارع جوهر القائد ‘الموسكي’ ، الذي يقطعه شارع الأزهر مرورًا بمنطقة الغورية، والفحامين ،الخياميه ، ثم زقاق المدق والسكرية ، لينتهي عند باب زويلة.

كما يوجد بالجمالية أشهر وأقدم المساجد التراثية وهو مسجد الأزهر بحيه التراثي الشهير، وعن جامع الأزهر الذي يحرص المصريون ومسلمو العالم خلال رمضان على الصلاة فيه ، يقول المؤرخون إنه أحد أعمدة القاهرة الرئيسية، لأن كل مرحلة في تاريخ مصر تم تسجيلها على جدرانه ، بدءًا من العصر الفاطمي ، حيث تم بناء المسجد، ومرورًا بباب قايتباي الذي يُعتبر معبرًا ورامزًا لاهتمام المماليك بتجديد الجامع الأزهر ، ناهيك عن ارتباط هذا الجامع الذي يعود بناؤه إلى سنة 970م بالكثير من الأحداث التاريخية والسياسية والدينية والوطنية التي أثرت بشكل إيجابي في تاريخ المصريين.

كما يوجد بحي الجمالية مسجد الحسين الذي يُعتبر من أهم الآثار الإسلامية والدينية بمصر ، والذي يحرص المصريون على زيارته خلال شهر رمضان ، وذلك لقداسته التي ترجع إلى العهود القديمة حتى أصبح حي الحسين ومسجده من أشهر الأحياء الإسلامية، ففي رمضان تقام داخله الصلوات ، وزيارة الضريح ، مع إقامة الطرق الصوفية المختلفة و حلقات الذكر والإنشاد بعد صلاة القيام ، وحوله يوجد الكثير من محلات الأطعمة التي ارتبطت منذ القدم بهذا المكان، فالإمام الحسين له مكانة خاصة عند المصريين ، فهو أحد أحفاد الرسول صل الله عليه وسلم الذي كان قد أوصي المسلمين بحبه وحب أخيه الحسين وحب آل البيت ، حتى قال صل الله عليه وسلم : “مَن أحبهما أحببته، ومن أبغضهما أبغضته”.

وحول جامع الحسين يوجد الكثير من الحارات والأسواق العامرة خلال الممرات الجانبية ، حيث تمتلئ بالمحلات التي تبيع المنتجات والصناعات النادرة، ناهيك عن وجود أشهر المقاهي القديمة ومنها مقهى الفيشاوي التي تمتلئ في أمسياتها الرمضانية بالزائرين من كل حدب وصوب لتناول الشاي بالنعناع، واستنشاق عبق ماضي وليالي القاهرة من هذا المقهى الذي ظل محببًا لمجالس الكتَّاب والفنانين ، والموسيقيين ،والسياسيين ، الذين استفادوا من هذا المكان ووظَّفوه في أعمالهم.

وقريبًا من هذا المكان وفي إحدى الحارات الضيقة الموازية لشارع الأزهر تجد منطقة العطارين ومحلات العطارة على جانبَي الزقاق الطويل وروائحها المختلفة ، و التي تُشعرك بالرجوع إلى زمن أحداث ألف ليلة وليلة والكثير من الحكايات الشعبية ، والتي استلهمت وعبَّرت عن حياة التجار والعطارين وغيرها من الأمور المرتبطة بالعطارة .

كما يوجد بحي الجمالية أيضًا الكثير من المساجد التراثية الخالدة ومنها: جامع الحاكم بأمر الله، وجامع الأقمر الذي يُعتبر من أروع ما أنتجته العمارة الفاطمية.

كما يوجد بحي الجمالية أيضًا أسوار القاهرة وبواباتها الشهيرة، والمدارس الأيوبية والمملوكية، ومسجد الحسين ، وخان الخليلي ، والصاغة ،والنحاسين ، ناهيك عن وجود الأسبلة ، والخانقات ،والبوابات ، والحمامات الأثرية، وبيوت الأمراء، ومحلات الحِرف والمهن التي تزدهر بالمنطقة، ومنها: حي الصالحين المشهور بحِرف النقش على المعادن والمشغولات النحاسية، وحي الصاغة الذي تُباع فيه منتجات الذهب وغيرها من الأحجار الكريمة ، وذلك عبر أزقة ومحلات تعرض منتجاتها الغاية في الروعة والجمال، ومحلات البخور، ومحلات بيع الطرابيش التقليدية، وشارع الكحكيين، وحارة الزيت نسبة إلى تجار الزيت، ويسار الحي يوجد جامع الفكهاني الذي يُعتبر من أروع مساجد القاهرة أيضًا.

كما يضم حي الجمالية أبوابًا تاريخية، وقد تم بناء باب الفتوح عام 1087م بموضعه الحالي في مدخل شارع المعز بجوار جامع الحاكم بأمر الله ، ومن أهم الآثار بشارع المعز أيضًا الذي يجب ألا تفوت الزائر رؤيته: جامع السلطان الغوري ، وسبيله الذي أنشأه الغوري في أواخر العهد المملوكي، ثم مسجد السلطان قلاوون، ومسجد السلطان الناصر محمد، وغيرها من الأماكن والمعالم الأثرية الإسلامية .

ففي العصر الفاطمي شكلت مساحة حي الجمالية خُمس مساحة القاهرة تقريبًا ، أي حوالي 2.5 كيلو متر مربع، ويقال إن تسميته بهذا الإسم ترجع إلى الأمير جمال الدين محمود الإستادار في عهد دولة المماليك البرجية ، وذلك عندما بنى مدرسة من أعظم المدارس المصرية سنة 1409م.

يحدُّ حي الجمالية من جهة الشرق شارع المعز لدين الله الفاطمي ومنطقة بين القصرين، ومن الشمال والغرب أبواب القاهرة ‘الفتوح والنصر’ من السور الفاطمي، ومن الجنوب شارع الأزهر، وقد تشكلت في تلك المنطقة معالم القاهرة الفاطمية وقصورها، وفي عهد السلطان برقوق بالدولة المملوكية أسس الأمير جاهركس الخليلي منطقة خان الخليلي 1382م ، وذلك على أنقاض تراب آثار تُربة الخلفاء الفاطميين التي عُرفت باسم تربة الزعفران ، وكانت على الجزء الجنوبي من قصر الخلافة الفاطمي، وبعد بناء الأمير جمال الدين مدرسته الشهيرة 1409 سكن المنطقة عامة الشعب ، وظهرتِ الأزقة وانتشرتِ الحوانيت بحِرفها التراثية المختلفة التي تشعبت منها مع مرور الزمن الكثير من الحارات والأزقة ، حتى شكلت في مجملها حي الجمالية ، الذي يكتسب بريقًا خاصًّا ويحتوي على الكثير من المظاهر الاحتفالية بشهر رمضان مما يجعله مزارًا محببًا لكل المصريين وغيرهم من الزائرين.

شاهد أيضاً

الجبهة الشعبية: الاستهداف للضاحية جرى بتعاون وبتنسيق كامل مع الإدارة الأمريكية

بيان الجبهة الشعبية : – ⁠نعرب عن تضامننا العميق والكبير مع الأشقاء في لبنان بارتقاء …