قليلٌ من السياسة

اعتاد اللبنانيون ان يُفرطوا في تحليل الماضي السياسي ،
لكنهم اقتنعوا بأنهم يجهلون ما يحمله غدُهم ولو بعد أيام .
من اسباب ذلك ان أصحابَ الحلِّ والربطِ مرتبطون بعلاقات تبادل معلومات مع أجهزةٍ قديرة في حين يفتقر الآخرون الى المعلومات التي يُبنى عليها فيعجزون عن التحليل ولو كانوا من أبلغ الفصحاء وأذكى الأذكياء . ومن أسباب ذلك أيضاً ان اللبناني مغمورٌ بطوفان ٍ من الخطابات المُضلِّلة في المنزل والشارع والمؤسسات ، شفوياً وخطياً وعبر وسائل الإعلام .
ولم يبقَ لنا الا علم المنطق والرياضيات وفنُّ المُقارنة ومهارةُ المتابعة وشجاعة التحرّر من سيطرة الغرائز وثقل الانتماءات كي نستكشف بالتحليل ما يظهر من الواقع ونُخَمِّنَ ما يُخبِّئه لنا المستور من حقائق ووقائع ومخطّطات .
إنَّ ” فزلكةَ” الفساد القائم حالياً هي إحدى النتائج الحتمية لاتفاق الطائف الأول بين السعودية وسوريا برعايةٍ اميركية وموافقة ضمنية من اسرائيل ، وبتواقيع لبنانية جزيلة . ولسنا الآن في صدد تبيان حصة كلِّ فريق ، لكنه من المهم ان نعرف ان ابطال ذلك الزمان ما زالوا أبطال هذا الزمان ، وهم مرشحون لأن يبقوا أبطالاً في الزمان الآتي بعد توقيع اتفاق الطائف الثاني بين السعودية وايران في هذه المرة .
ما يشي لي به حدسي هو ان اتفاق بكين الجديد الذي هلّل له القاصي والداني ، الذي وقّعته السعودية وإيران لا يختلف في جانبه اللبناني كثيرا عن اتفاق الطائف الأول الذي تمّ بموجبه تلزيم لبنان الاقتصادي للمملكة العربية السعودية ( اضافة الى موقع رئاسة الحكومة ) وتلزيم لبنان السياسي والأمني للجمهورية العربية السورية . وما يجري الآن هو استبدال الطرف السوري بالطرف الإيراني وتجديد بعض الوجوه في الطبقة السياسية -الاقتصادية اللبنانية .
أما المُعَوِّلون على هذا الاتفاق لإخراج لبنان من محنته فقد باؤا بالفشل كما باء قبلهم بالفشل المماثل المعوّلون على الاندفاعة غير البريئة للرئيس الفرنسي ماكرون الذي أنقذ الطبقة الحاكمة عندنا بعد انفجار المرفأ واعداً اللبنانيين بالتغيير ومجدّداً الوعد غير الصادق مراراً الى ان تمّ امتصاص النقمة الشعبية .
وما يقرأه حدسي اليوم هو اننا سنخرج من الاستعصاء الاقتصادي كما خرجنا في المرات السابقة لكن خلاص لبنان سيبقى مؤجلاً الى ان يأمر الله الذي يكتب الأعمار على الجباه والى ان يكبر جيل اطفال الانترنت الذين لا يأتمرون بأوامر الغرائز !