الخنوع” يُوحّد اللبنانيين بوجه سلطة التجويع والإفقار والإنهيار تكوين السلطة بالطائفيّة إستمرار لأزمة لا حلول دائمة لها

كمال ذبيان

السؤال الذي يُطرح بين المواطنين وفي التجمعات السياسية، لماذا هذا الخنوع والسكوت من اللبنانيين على من يجوّعهم ويضعهم عند خط الفقر المدقع، ويسرق اموال المودعين في المصارف، ويمنع عنهم الاستشفاء والدواء، ويحرمهم من التعليم، ويدفع بهم الى الهجرة ويذلهم امام الافران ومحطات الوقود، ويقطع عنهم الكهرباء والمياه، ويتلاعب باسعار سعر صرف الدولار، ويقتطع 95% من رواتبهم مع فقدان الليرة لقدرتها الشرائية..؟

اسئلة كثيرة يتم التداول بها في المنازل على الارائك في السهرات، وفي حلقات مدخني “الاركيلة”، ويستمع اللبنانيون الى مئات، لا بل آلاف مقدمات نشرات الاخبار على الشاشات، المنتقدة للوضع القائم مع تحقيقات استقصائية للفساد والسرقات. وكذلك يتابعون مئات المحللين والسياسيين والاعلاميين والاختصاصيين يدلون بمعلوماتهم وآرائهم، ولبنان ينحدر من هاوية الى اخرى، وينتقل من ازمة الى مأزق، ولا حلول في القريب العاجل.

فالانسداد هو ما يمكن وصف لبنان ، الذي حيّر البعثات الدولية التي زارته منذ عقود، لمساعدته في بناء مؤسسات الدولة، واصلاح النظام السياسي، واعتماد برنامج اقتصادي يحوّل اللبنانيين الى منتجين في حقول الزراعة والصناعة وكل اقتصاد منتج، ويخرجهم من عقلية “اللانتاج”، فتكون الوظيفة الرسمية وجهتهم حيث الفساد والرشوة، ولا تهمّ قيمة الراتب بل “البراني”، لا سيما في الوظائف التي تقدم خدمات للمواطنين او على علاقة مباشرة معهم في معاملاتهم، وهذا كله يدل على بناء انسان فاسد لا مواطن صالح.

هذا التوصيف لواقع لبنان، هو قليل مما يمكن قوله، وفق معلومات خبراء في الاقتصاد وعلم السياسة، حيث يُجمع هؤلاء على ان الازمة باتت مستعصية على الحل، لان لائحة الدواء الموصوفة للبنان هي مهدئات، لا تصيب المرض مباشرة لمعالجته، لانه لم تجر عملية تشخيص حقيقية للنظام وازماته التي تتوالد منذ عقود، لان الوصفات لما يعانيه لبنان، ليست هي التي تخرجه من مشاكله، كما طلب صندوق النقد الدولي للبنان، والذي تحركه السياسة ومصالح الدول التي تغذيه بالمال، لا سيما اميركا التي ترى في الصندوق ما يمثل في تنفيذ مشاريعها في الدول المنكوبة او المتعثرة.

الازمة ليست في انتخاب رئيس جمهورية، وانهاء الشغور الرئاسي هو عمل دستوري يجب ان يحصل، لان الازمة بدأت مع وجود رئيس جمهورية سواء السابق ميشال عون، او اسلافه منذ الاستقلال، وكذلك فان الازمة لا تتمثل في حكومة وقد تبدلت الحكومات، ولا في مجلس نواب ولم يمض عام على آخر انتخابات نيابية فاعيد انتاج المجلس نفسه مع دخول 13 نائبا سمّوا انفسهم “تغييريين” ولم يظهروا ذلك بالممارسة، فشكلوا حالة احباط لدى من وضع ثقته بهم ومنحهم صوته، وفق مصادر سياسية مراقبة للمشهد، التي تؤكد ان ازمة لبنان بنيوية في نظامه السياسي، الذي بُني على الطائفية وما زال، ولا يمكنه الا انتاج محميات طائفية ومذهبية، وربط الحلول بالحقوق لهذه الطائفة وتلك، بما يزيد من الشرخ الداخلي والاستنفار الطائفي، حيث تتعطل المؤسسات تحت عنوان الصلاحيات التي منحت لرؤساء السلطات المكونة منها الطوائف، تحت عنوان “الديموقراطية التوافقية”.

لذلك، فان تكوين السلطة هو مفتاح الحل الذي يبدأ باسقاط الطائفية السياسية، التي لا تحتكر عرفا هذه الرئاسة او تلك الطوائف معينة، بل ان يكون الشعب مصدر السلطات لا الطوائف، تقول المصادر، ويصدر عندها قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، والغاء طائفية الوظيفة، وهذا ما نص عليه اتفاق الطائف، فيبدأ لبنان بالانتقال من النظام الطائفي بتعديل المادة 95 من الدستور، نحو نظام سياسي مدني، فتسقط “المحاصصة الطائفية” المحتكرة من زعماء، وفق ما تؤكد المصادر التي تشدد على ان “لبنان التعددي” لا تحل ازماته بالدعوة الى “الفدرالية” او “الوحدات الجغرافية”، بل بوحدة الارض اللبنانية القائم عليها نظام مدني، فتنشأ مؤسسات المواطنين لا الطوائف.

فالاصلاح الذي جرت محاولات للعمل به في النظام السياسي لم يحصل، لا سيما ما ورد في اتفاق الطائف، لا بل ان الاوضاع تأزمت مع استمرار “العقلية التسووية”، كما في انتظار ما سيقرره الخارج للبنان، وهو ما حاصل في انتخاب رئيس للجمهورية، اذ ان هذا السلوك السياسي انتج ربط ازمة لبنان بالخارج الذي يؤمن مصالحه في تدخله.

فالانتخاب الرئاسي مؤجل، وتصريف الاعمال للحكومة موضع خلاف دستوري مبني على مفهوم طائفي في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، التي يتهم “التيار الوطني الحر” رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي باغتصابها وتزوير توقيع وزراء الذين هم شركاء في السلطة التنفيذية، التي اذا استمر الصراع حولها، قد يتحول الى طائفي، كما في انسحاب كتل نيابية مسيحية من مجلس النواب ورفضهم ممارسة التشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية، الذي كثرت اسماء المرشحين لهذا المنصب، وبعضها احترق سواء المرشح المعلن او المستتر.

لبنان لن يخرج من الازمة في المدى المنظور، لان مشاكله تتعمق مع التدهور اللاحق بسعر صرف الليرة امام الدولار، اذ ان المخاطر التي تحيط بلبنان كبيرة، سواء ما يجري في الاقليم او على المستوى الدولي، حيث السؤال هل من قاد ما سمي “ثورة 17 تشرين”، كان فعليا يريد التغيير ام الفوضى التي وصلنا اليها؟

شاهد أيضاً

بردونيات

عبدالله_البردوني عجز الكلامُ عن الكلام والنور أطفأه الظلام والأمن أصبح خائفاً والنوم يرفض أن ينام …