روسيا، هل يُكشّر الدّب عن أنيابه؟

عزيز فيرم كاتب سياسي وروائي جزائري

بدا واضحا قبيل أفول فصول الحرب الباردة التي شرذمت العالم إلى كتلتين متصارعتين، أنّ الولايات المتحدة ستخرج منتصرة للمرة الثانيّة تواليّا في حروبها الكبرى خلال القرن العشرين في مدّة لم تتجاوز النّصف قرن، وأنّ الإتحاد السوفياتي بالتوصيف الكلاسيكي قد أفل إلى غير أوبة- على الأقل في التفكير الغربي الرّسمي- وأنّ روسيا الفدراليّة التي انبثقت عن تقسيم الإتحاد تريد أن تلعب نفس الأدوار التي لعبها وهي وقتها تنصّب نفسها على أنها الوريث الشرعي لذاك الإتحاد الشيوعي الإشتراكي، وقتها طرح سؤال جوهري، هل يمكن لهاته الدولة الفدراليّة أن تملأ الفراغ الذي تركه الإتحاد السوفياتي وتلعب نفس الأدوار على الساحتين الإقليميّة والدوليّة؟ هنا اقسمت الرؤى بين نافٍ ومؤكد حيّال الوضع.
المفسرون لتوجهات السياسة الخارجيّة الرّوسيّة إنقسموا كذلك إلى اتجاهات مختلفة فالليبراليون ركزوا على المكانة الإقتصاديّة وعولمة الإقتصاد وأهميّة المؤسسات، ويرون أنّ النّظام الدّولي تعاوني وليس تنافسي، ويركزون على أولويّة الإقتصاد على السياسة وضرورة توسيع حلف الناتو لضمان أمن روسيا، ثمّ وجوب أن تكون روسيا دولة وليست قطب وهذا بالمزيد من الإنفتاح نحو الغرب وربط تحالفات معهم، بيد أن أصحاب المذهب الواقعي يرون أن الأولويّة للأمن القومي العسكري الذي هو أهم من الأمن الجماعي، ثم توجه أصحاب التوجه الجيو-بوليتيكي إلى ضرورة بناء تحالفات إستراتيجيّة مع آسيا ودول الجوار، وعدم قبول المساعدات الغربيّة فالغرب بحسبهم أكبر مهدد لروسيا وأمنخا، كما أنهم عارضوا فكرة الإنضمام إلى المؤسسات الغربيّة وركزوا على فكرة توثيق عرى التعاون مع الدّول المستقلة.
وأمام هذا التلاطم في وجهات النّظر حول الاتجاهات المفسرة للسياسة الخارجيّة الرّوسيّة انبلجت المبادئ الأساسيّة لتلك االسياسة أو لنقل المرتكزات الفكريّة المستندة أساسا على مبدأ تعدد الأطراف والفاعلين الذين يجب التعامل معهم دفعة واحدة، لما لتلك الأطراف من أهميّة في هذا الفكر، فالجوار القريب كأول طرف كمن في مجموعة الدول المستقلة المحاذية كلها لروسيا حيث نظرت لها الأخيرة نظرة السيطرة عليها وهو ما نلحظه اليوم ربما من خلال الوضع في أوكرانيا، أمّا الفناء الأكبر- مجموعة الدول الإشتراكيّة- فالعلاقة كانت معها بتوازن حذر، أمّا الدّول الأوروبيّة الغربيّة فالعلاقة معها علاقة سلم حذر، وأخيرا الولايات المتحدة الأمريكيّة فالعلاقة ستنطلق ستستمر دائما على نحو التوتر الحذر، ومو ما طبقته روسيا ربما حرفيّا خلال الفترة الزمنيّة الممتدة من ظهوره عقب الحرب الباردة إلى اليّوم.
الآن نطرح سؤالا، هل نحن أمام تحوّل إستراتيجي بناءي في العلاقات الدوليّةبانتقال روسيا من دبّ داخل قفص ودولة وفقط، إلى قطب جديد مؤثر وفاعل أساسي ولاعب مهم في ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم خاصة بعد أزمة كوفيد-19 ؟

شاهد أيضاً

الانتخابات في أوروبا والانقلابات الكبرى إلى أين؟

ناصر قنديل لا يبدو الحديث عن الموجة اليمنية الكاسحة في أوروبا دقيقاً، عندما نعاين نقطة …