المسح البيئي أُنجز..الى التنقيب دُر

فاطمة سلامة

لم يكن ترسيم الحدود البحرية للبنان ليتم لولا إصرار الدولة اللبنانية بمعادلتها الذهبية على حقوقها النفطية والغازية. على مدى أكثر من عقدين خاضت الولايات المتحدة الأميركية “وساطة” غير نزيهة في الملف النفطي. مراجعة سريعة للأمس القريب تُبيّن حجم استماتة واشنطن في الدفاع عن الأطماع الصهيونية في بحرنا ومياهنا. الصالونات السياسية في لبنان شاهدة على العروض التي قدّمتها الولايات المتحدة الأميركية تحت شمّاعة الحل. تلك العروض التي جاءت على قاعدة “take it or leave it” تبيّن الانحياز الكامل لواشنطن الى جانب “إسرائيل”. خط هوف وخط “هوكشتاين” وما بينهما خطوط عدّة حملها موفدون أميركيون تبنّوا وجهة النظر الإسرائيلية وحاولوا فرضها على لبنان. الهدف واضح ومحدّد ويتجلّى بقضم مساحات واسعة من حقوق لبنان وثروته النفطية.
ولا شك أنّ التسويف الأميركي في ملف ترسيم الحدود حرَم لبنان وعلى مدى سنوات طويلة من الاستفادة من ثروته النفطية وهو الغارق في بحر من الأزمات. لكنّ الإصرار اللبناني الرسمي مدعمًا بمعادلة القوة مهّد الطريق لانضمام لبنان الى نادي الدول النفطية عبر إنجاز وثيقة تعيين الحدود في تشرين الأول الفائت لتتلقى الأطماع الصهيونية ومعها الأميركية ضربة موجعة. إنجاز يعبّد الطريق أمام عملية الاستكشاف والتنقيب وصولًا حتى الاستخراج في رحلة لن تكون قصيرة حُكمًا لكنّها ستكون واعدة وفق أهل العلم والاختصاص.
حمية: المراقبة لن تكون على مستوى الحكومة فقط بل على مستوى الشعب اللبناني
إنجاز الترسيم قبل أشهر تُوّج أمس الجمعة (17-2-2023) بالإعلان عن إنهاء سفينة “جانوس 2” مهمّة المسح البيئي في المياه اللبنانية في البلوك رقم 9. وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال الدكتور علي حمية يشدّد في حديث لموقع “العهد” الإخباري على أنّ أولى الخطوات العملية في ملف النفط بدأت. وهنا يشرح حمية كيف أنّ الشركات الكبرى في عالم النفط وقبل أن تبدأ بعملية التنقيب تجري مسحًا بيئيًا كي لا تضر بالطبيعة والثروة السمكية. وعليه، تنجز إحاطة بيئية كاملة وهذا شرط من الشروط في كل دول العالم وليس فقط في لبنان.

وفي معرض حديثه، يؤكّد حمية أنّ ما حصل في الترسيم شكّل الركيزة الأساسية التي بُنيت عليها خطوة المسح. تلك الخطوة التي ستُستتبع بخطوات لاحقة وصولًا حتى الاستخراج فلبنان بلد واعد نفطيًا، وأي معوقات “مصطنعة” أو مدبّرة لعرقلة المسار النفطي سيكون لها حديث آخر -يقول حمية- الذي يشير الى نقطة مهمة جدًا، فمراقبة سير العملية النفطية لن تكون على مستوى الحكومة اللبنانية فقط بل على مستوى كل فرد من الشعب اللبناني.

ملف النفط يشكّل حلًا جذريًا للمشاكل اللبنانية

متى ستبدأ عملية الحفر؟ يوضح حمية أنّ الموعد لم يتغيّر، لا يزال في الصيف منذ توقيع الاتفاقية في السراي وفق ما أعلن مدير “توتال انيرجيز” في لبنان Romain de la Martiniere. وردًا على سؤال، يشدّد حمية على أنّ البلوك رقم 9 بالتأكيد واعد بدليل وقوف الدولة اللبنانية بأكملها ومن معها لحل قضية الترسيم. وبدليل اهتمام الشركات الخارجية بالملف النفطي في لبنان ما يؤكّد أن هناك ثروة تحت المياه اللبنانية. وفق قناعات حمية، ملف النفط يشكّل حلًا جذريًا للمشاكل اللبنانية. ثمة إيرادات بالدولار ستذهب الى خزينة الدولة اللبنانية ما يخلق فرص عمل للبنانيين، أضف الى أن الشركات كافة تحتاج لعمال وموظفين ومهندسين وما الى هنالك، وهذا يحرّك عجلة فرص العمل في لبنان.
وفي هذا السياق، يلفت حمية الى القرار الذي اتخذه منذ نحو شهرين والذي يُمنع بموجبه تقديم الخدمات لمنصات الحفر من خارج المرافئ اللبنانية. بحسب حمية، كل الخدمات ستكون من المرافئ والأراضي اللبنانية بشكل الزامي ما يخلق فرص عمل متعددة وعلى مختلف الأصعدة الغذائية والطبية والخدماتية.
الخبير النفطي الدكتور ربيع ياغي يشير الى أنّ عملية البدء بالأنشطة البترولية منتظرة منذ نحو عشر سنوات. ويوضح أنّ البلوك رقم 9 واعد بدليل منع “اسرائيل” شركة “توتال” سابقًا من التنقيب وهي على علم أن البلوكات البحرية الجنوبية المتاخمة للبلوكات البحرية الشمالية واعدة جدًا نفطيًا وهذا ما كشفته المسوحات الجيولوجية.

استعرض ياغي الخطوات التي ستمر بها عملية استخراج النفط والتي بدأت بالمسح البيئي. أي شركة تريد التنقيب عن الغاز والنفط بحرًا يجب أن تجري مسحًا بيئيًا لقعر البحر ما يساعد على تحديد المواقع التي يجب أن تبدأ فيها عملية الحفر، وتحديد الطبقات الأفضل اذ ثمّة مجموعة متنوعة من الطبقات سواء ملحية، كلسية، رملية، وما الى هنالك. المسوحات الجيولوجية تحدّد أفضل نقطة للبدء بعملية الحفر، وهذا ما بدأ به الكونسورتيوم النفطي بقيادة “توتال” الفرنسية الذي وقّع عقدًا مع الدولة اللبنانية منذ عام 2017 بغرض الاستكشاف والإنتاخ للغاز والنفط في المياه اللبنانية وتحديدًا في البلوكين 4 و9.

بعد المسح البيئي يتحدد موقع الحفر -يقول ياغي- لتأتي الخطوة التالية باستدراج العروض لسفن الحفر. تلك السفن محدودة العدد وسط طلب كبير عليها خاصة هذه الأيام بعد الأزمة الأوكرانية الروسية بهدف اكتشاف مصادر جدية للغاز لتتخلى أوروبا عن الغاز الروسي. وبما أنّ سفن الحفر غير متوفرة “غب الطلب” يرجّح ياغي أن تأخذ العملية 6 الى 7 أشهر ليتم استدراج العروض. الاستدراج سيؤدي الى اتفاقية لاستئجار الحفارة، وفي هذا الصدد يشير ياغي الى أنّ بدل إيجار سفينة الحفر يوميًا يبلغ حوالى نصف مليون دولار، وهي تُستأجر لحوالى شهر الى شهر ونصف، واذا كانت النتائج واعدة وإيجابية يمدّد عقد الإيجار.
بعد عملية الاستكشاف لمكامن النفط والغاز تبدأ عملية التقييم التي قد تستغرق أكثر من عام -وفق ياغي- وبعدها عملية التطوير وصولًا الى الاستخراج الذي يحتاج الى نحو سبع سنوات ما يمكّن لبنان بأن يصبح بلدًا نفطيًا وغازيًا. وعليه، الخطوات التقنية الدقيقة بدأت تسير على السكة -يقول المتحدّث- في عملية ترفع المعنويات وتعطي ثقة بلبنان البلد الذي من الممكن أن يكون في دائرة الدول النفطية.

شاهد أيضاً

توماس فريدمان: هذا هو السؤال الذي ينبغي لبايدن أن يطرحه على نفسهI’m

أسدى الكاتب والمحلل السياسي الأميركي الشهير، توماس فريدمان، النصح لصديقه الرئيس جو بايدن، بأن ينسحب …